نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

متى يكون العلم الحجاب الأكبر؟

الشيخ شفيق جرادي‏

 



من حق المرء أن يحدّد المقصود من مصطلح أي مفهوم يود معالجته والاشتغال عليه... والعلم من المصطلحات التي تحمل رونقها الخاص في النصوص والأدبيات والأفكار الإسلامية؛ لذا فأي تساؤل حول جدوائيته أو كلام متحفظ تجاهه؛ لا بد أن يثير الاستغراب في ذهن المستمع وقلبه... مما يوجب علينا أن نسأل ما هو العلم؟

* تحديد معنى العلم‏
جاء في مفردات الراغب الأصفهاني "العلم إدراك الشي‏ء بحقيقته وذلك ضربان:
أحدهما: إدراك ذات الشي‏ء. والثاني: الحكم على الشي‏ء بوجود شي‏ء هو موجود له، أو نفي شي‏ء هو منفي عنه... والعلم من وجه ضربان: نظري وعملي: فالنظري: ما إذا عُلِمَ فقد كمل، نحو: العلم بموجودات العالم. والعملي: ما لا يتم إلا بأن يعمل كالعلم بالعبادات. ومن وجه آخر ضربان: عقلي وسمعي"(1). وفي المروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل"، و"رب عالم قد قتله جهله، وعلمه معه لا ينفعه"، و"لا علم كالتفكر... ولا شرف كالعلم"، وعنه أيضاً: "يا كميل بن زياد، معرفة العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته. والعلم حاكم والمال محكوم عليه". بحسب الذي مرَّ يتبين معنا أن العلم إدراك للحقائق، ولوازمها، وهو سبيل التكامل الإنساني بقدر الوُسع والطاقة، فالنظرية الاعتقادية التي تنير نفس الإنسان بالمعارف الإلهية الحقة، راسمةً سبل السلوك العملي الذي يحقق رضا الرحمن مصدر الوجود ومقوِّمه باتباع هدي الشريعة وسننها... وبهذا يكون العلم قيمةً من القيم الإنسانية المثلى... لذا وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بالشرف، بل بالدين... كما اعتبره حاكماً من حقه على الإنسان أن يطيعه ويلتزمه...

* دور العلم في السير والسلوك نحو اللَّه:
إن السير والسلوك نحو اللَّه سبحانه وتعالى يمر بجملةٍ من المواقف والمحطات، التي ينبغي لصاحب السير والسلوك أن يصل إليها ويتعرف عليها، ثم بعد ذلك يعمل على تجاوزها، والكدح نحو ما هو أعلى وأشرف منها... من هنا فإن العلم الذي يحمل طابع الإدراكات الاصطلاحية والرسوم العُرفية هو من الموارد التي تشكل ضرورة دينية وروحية... فبدونه لا يمكننا تصور الكثير من الاعتقادات والمميزات الخلقية والأحكام التشريعية؛ وهو باب ومنفذ نحو سبيل أعمق... إلا أن ولوج سبيل التعمق في التدبر والفهم لا يتحقق ما لم نمر بمرحلة العلم الاصطلاحي... ففي الوقت الذي يكون فيه هذا المستوى من العلم ضرورياً؛ إلا أنه يشكل خطراً، إذا ما انزلق الإنسان فتوقف عنده واثر الكسل على الجد في التدبر والاجتهاد في مجاهدة النفس الواعية العاقلة التي هي "نَفَسُ الرحمن". ثم بعد ذلك تتضح للمرء مرحلة ومحطة أخرى هي أعمق مما سبق، وهي تشكل معبراً نحو معرفة محجوبة بحجاب العلم المفهومي... والعلم المفهومي لطالما أغرى أصحابه بالمجادلة والرياسة والمباهاة، وذلك بسبب التعاطي مع فعالياته المباشرة؛ لا مع الروح القدسية التي ينطوي عليها والتي تحمل بذوره "وحدة العلم والعالم والمعلوم". فيتحول هذا العلم؛ إلى حجاب أكبر من أي حجاب... بحيث أن تجاوزه ينقل الإنسان إلى مرحلة ورتبة هي من أقدس الرتب... من هنا جاء على لسان الإمام الخميني"قده" "فسالك طريق الحقيقة ومسافر سبيل العبودية إذا قطع هذا المنزل بالسلوك العلمي وركب مركب السير الفكري يقع في حجاب العلم ويصل إلى المقام الأول للإنسانية. ولكن هذا الحجاب من الحجب الغليظة، وقد قالوا: العلم هو الحجاب الأكبر، ولا بد ألا يبقى في هذا الحجاب وأن يخرقه، ولعله إذا اقتنع بهذا الحجاب وسجن قلبه في هذا القيد يقع في الاستدراج، والاستدراج في هذا المقام هو أن يشتغل بالتفريعات الكثيرة العلمية ويحوِّل فكره في هذا الميدان، فيقيم لهذا المقصد براهين كثيرة، فيحرم من المنازل الأخرى، ويتعلق قلبه بهذا المقام، ويغفل عن النتيجة المطلوبة، وهي الوصول إلى الفناء في اللَّه، ويصرف عمره في حجاب البرهان وشعبه، وكلما كثرت الفروع يصير الحجاب والاحتجاب عن الحقيقة أكثر".

من هنا فإن العلم الذي ينبغي تجاوزه ينقسم إلى قسمين:
الأول: هو العلم الذي لا ينفع... والذي يكون تعبيراً عن نية لا يتقرب صاحبها إلى ربه سبحانه وتعالى.
الثاني: العلم النافع والذي هو طريق نحو المعرفة المقدسة إلا أن صاحبه اكتفى به ولم يستفد منه للولوج نحو روح المعرفة.

* كيف ننتقل من العلم النافع إلى المعرفة الأنفع‏
أولاً: اعتبار العلوم البرهانية وغيرها هي بذور لمشاهدة الحقيقة المقدسة، لذا قالوا: "العلوم بذور المشاهدات".
ثانياً: العمل على رفع العوائق النفسية والذهنية والروحية والشرعية عن طريق هذه العلوم حتى ينعكس نور الحقيقة السامية فيها...
ثالثاً: التزام الحكم الشرعي... إذ كل حكم شرعي هو مفتاح الولوج في غمار أنوار الرحمة الإلهية.
رابعاً: التظلل بظل التقوى وترويض النفس بمجاهدة شاقة متوافقة مع حدود وأحكام الشريعة وسننها.
خامساً: أن لا يُحجم عن طلب وتذكر اللَّه سبحانه وتعالى، في كل كدحه نحو ربِّه سبحانه وتعالى.
سادساً: انتهاج صراط العصمة التي هي صراط رسول اللَّه محمدا وال بيته الأطهار و فإنهم سبل الهداية.
سابعاً: وهي النقطة التي تمثل بداية كل البدايات ونهاية كل النهايات... الأمر كله من اللَّه سبحانه والله في الاتكال على رحمته ولطف فيضه...

لذا نصح الإمام الصادق عليه السلام بانتهاج ثلاثة روافد هي:
أ - اطلب في نفسك حقيقة العبودية.
ب- اطلب العلم باستعماله.
ج- استفهم اللَّه يفهمك.
وعليه نختم لنقول أن رجاءنا الدائم أن يكون العلم شفيعنا في المعرفة والقرب من اللَّه سبحانه؛ لا أن يكون خصماً لروحنا وحجاباً مانعاً من نفوذ حقيقة الأمر...


(1) مفردات ألفاظ القران، الراغب، ص‏580، الدار الشامية، بيروت.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع