مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آداب ومستحبات‏: فعل المعروف‏

السيد سامي خضرا

 


المعروف هو فعل الخير وإسداؤه للعباد، سواء كان هذا الخير مادياً كالصدقة والإطعام وسقاية الماء وسداد الديون وبذل المال، أو معنوياً كما في الإصلاح بين المتهاجرين والشفاعة الحسنة وبذل الجاه، أو علمياً، أو سائر المصالح التي يحتاجها الناس، كحسن المعاملة وإماطة الأذى، وعيادة المرضى، ونصرة المجاهدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وإغاثة الملهوف، وقضاء الحوائج، وجبر الخواطر... قال اللَّه ربي جلَّ جلاله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الحج: 77). والمعروف من أعظم أبواب الفرج الذي يدفع الشر والبلاء، فكم من بلاء غائب في رحم الغيب دفعه معروف بذلتَه، أو كرب نفستَه، أو همٍّ فرَّجتَه، أو حاجة قضيتها، أو محنة أزحتها. فالدنيا زائلة والعمر يتسارع إلى الفناء، وإنما يبقى للإنسان عمله الصالح، ويتحسر الناس يوم القيامة ليس فقط على الخطايا التي ارتكبوها بل حتى على الحسنات التي تركوها ولم يستزيدوا منها. قال اللَّه تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ (النساء: 114).

* ومن آداب فعل المعروف:
1- ورد الاستحباب في تصغير أمر المعروف مهما كانت أهميته ووضعه الفعلي كبيرين، وعدم المبالغة في الحديث عنه. فالمطلوب تصغيره وإن كان كبيراً عظيماً، فلا يليق بصاحب المعروف بعد أن وفقه اللَّه إلى تقديمه، أن يراه كبيراً، فيحمله ذلك على المفاخرة والتباهي.. فبعض الناس وكما نلاحظ، يستعظمون ما قاموا به من الصالحات والقربات، ويخيّل إليهم أنهم قاموا بالعمل العظيم والشأن الجليل، وينسون أنهم إنما يعطون مما رزقهم اللَّه تعالى، ويحسنون من فضل اللَّه عزَّ وجلَّ الذي آتاهم، ويفعلون المعروف من عطاء اللَّه سبحانه الذي خصّهم. ولهؤلاء أن يعلموا أن المعروف والصالح من العمل، لا يكون كاملاً إلا بتقديمه عن طيب خاطر، وأن يُنفقوا مما يحبون، ولا يعظموا الأمور مهما كانت كبيرة عند الناس والواقع أو قياساً مع ما هو شائع.

2 - وورد الاستحباب في ستر المعروف، حتى يكون أصحّ للنية وأبعد عن تسويلات الشيطان، فستره هو الشرط الذي لا يقدر عليه إلا ذوو النفوس الكبيرة، التي يعمرها إيمان نابض، وعقيدة صادقة، وأخلاق كريمة، وسيرة حميدة..
"ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". فيسترون أفعالهم، وذلك أفضل من التجاهر بها، ويُعجّلون من فعل الخير بوجود الصحة والقوة والنشاط والمال والعمر، فكم من صاحب نية حسنة بادرته المنية قبل إنفاذ النية، وفاجأه المرض أو الضعف قبل إتمام رغباته وإبراء ذمته. فعن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة أنه قال: لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث: باستصغارها لتعظم، وباستكتامها لتظهر، وبتعجيلها لتهنأ.

3 - كما يستحب تعجيل المعروف خوفاً من عروض الوسواس الخناس لكي يثنيه عن عزمه، ويزجره عن فعله... وقد يأتي شيطانه من خلال نفسه أو الناس. فتصغير المعروف وإسراره وتعجيله، أمور يرجى من ورائها تقويم المجتمع وإنعاشه وتقوية أواصر الصداقة والمحبة بين أفراده، وتفريج الكرب وحل مشاكل الآخرين ما أمكن. والتعجيل في ميدان المعروف والخير علامة توفيق وبركة... وأي معروف هذا الذي يحتاج بذله إلى مشورة، أو تفكير؟ روي عن الصادق عليه السلام: "رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث: تصغيره وستره وتعجيله، فإنك إذا صغَّرته عظَّمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تمَّمته، وإذا عجَّلته هنَّأته، وإذا كان غير ذلك سخّفته ونكدته". والمعروف يفقد الكثير من نتائجه وربما كلها، إذا دخلته المِنَّة والرياء والأذى، حيث إن الهدف من ورائه إنعاش وإفراح الآخرين لا تنغيص عيشهم وإيذاؤههم.

4 - من المكروه أن يؤدي فعل المعروف إلى مضرة الفاعل التي هي أكثر من منفعة أخيه التي سعى من أجلها، كما لو أدَّت المبالغة في المعروف إلى حالة حماسة كبيرة عند الفاعل، فيكاد ينفق جلَّ ماله وأملاكِه في سبيل إقامة الخير والصلاح مع أن هذا ليس محرماً، بل أفتى الفقهاء بجوازه... ورُوي أن الإمام الحسن عليه السلام كان يخرج من جزء من ماله ليوزّعه صدقات وقربات! جاء عن الصادق عليه السلام قوله: "لا تدخل لأخيك في أمر، مضرته عليك أعظم من منفعته له". وقال ابن سنان معقباً: يكون على الرجل دَينٌ كثير ولك مال فتؤديَ عنه، فيذهب مالك، ولا تكون قضيت عنه! وعن الإمام عليه السلام قوله: "لا توجب على نفسك الحقوق، واصبر على النوائب، ولا تدخل في شي‏ء مضرته عليك أعظم من منفعته لأخيك".

فالكراهية تكون في أن تبذل مالك مثلاً، وتبقى بلا مال حتى لضرورياتك أو تبذل ثيابك وتبقى عارياً، وتبذل دارك وتبقى بلا مأوى، وتبذل مؤونتك وتبقى جائعاً، فالضرر هنا على النفس أكثر مما ترجوه من خير لأخيك...
فالهدف الأساس من فعل المعروف هو تخفيف الألم أو إدخال السرور لفرد من أفراد المجتمع أو لمجموعة... وليس شقاء النفس أو نقل التعاسة من الآخرين إلى شخصه الخيِّر المضحي!


4 - يُكره ترك فعل المعروف، وقد يحرم أحياناً، بحسب الحالة والاضطرار. سأل إسماعيل بن عمار الإمام الصادق عليه السلام عن المؤمن هل يكون رحمة على المؤمن؟... فقال عليه السلام: نعم، فقال السائل: وكيف ذاك؟ قال عليه السلام: "أيّما مؤمن أتى أخاه في حاجة، فإنما ذلك رحمة من اللَّه ساقها إليه وسبّبها له، فإن قضى حاجته، كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإن ردَّه عن حاجته، وهو يقدر على قضائها، فإنما ردّ عن نفسه رحمة من اللَّه عزَّ وجلَّ، ساقها إليه، وسبّبها له، وادّخر اللَّه عزَّ وجلَّ تلك الرحمةَ إلى يوم القيامة، حتى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، وإن شاء صرفها إلى نفسه، وإن شاء صرفها إلى غيره... يا إسماعيل، من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له، سلّط اللَّه عليه شجاعاً ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة، مغفوراً له أو معذّباً".

وعلّق الحر العاملي، عليه الرحمة والرضوان، على هذا النص قائلاً: "هذا وأمثاله محمول على اضطرار صاحب الحاجة، فتجب معونته". ينبغي العلم أن كلّ أنواع قضاء الحاجة المادية والمعنوية، يمكن أن تكون معروفاً يُطلب به وجه اللَّه تعالى، فعن الصادق عليه السلام قال: "تنافسوا في المعروف لإخوانكم، وكونوا من أهله، فإن للجنة باباً يقال له: المعروف، لا يدخله إلا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، وإنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن، فيوكل اللَّه عزَّ وجلَّ به ملكين: واحد عن يمينه، وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه، يدعوان له بقضاء حاجته، ثم قال: واللَّه، لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله أسرّ بحاجة المؤمن إذا وصلت إليه، من صاحب الحاجة".

اللّهم يا مصطفي محمد صلى الله عليه وآله من العباد، انتجبنا واصطفنا لفعل المعروف وقضاء حوائج المسلمين وخدمتهم... فلا ينال ذلك إلا المقربون.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع