مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

احتمال التأثير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإصلاح الحسيني نموذجاً

السيّد علي مرتضى


يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ وأخطر الواجبات الشرعيّة؛ لما لهذا الواجب من حساسيّة في عمليّة إصلاح المجتمع؛ فعن الإمام الحسين عليه السلام: "... ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (التوبة: 71)، فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه، لعلمه بأنّها إذا أدّيت وأقيمت استقامت الفرائض كلّها؛ هيّنها وصعبها". وقد تعرّضت الكتب الفقهيّة لحدود وشرائط هذا الواجب، مستفيدةً من الأدلّة الشرعيّة كالقرآن والسنّة قولاً وفعلاً، والتي يعتبر أداء وفعل الإمام الحسين عليه السلام لهذا الواجب في كربلاء على رأس أدلّتها. وهنا يرد سؤال: ماذا يستفاد من موقف الحسين عليه السلام، ومن فعله في كربلاء، تجاه الذين لا يرعَون للدين إلّاً ولا ذمّةً؟

* وضوح الرؤية للعيان:
إنّ الظروف السائدة في تلك الآونة كانت جليّة لدرجة أنّ كلّ مَن التقى بالإمام الحسين عليه السلام كان يقول له ما مضمونه: إنّ النهاية هي السيف والقتل، وإنّ أهل الكوفة صفتهم الغدر، وكان ينصحه بعدم الخروج:
1- لا تقرب الكوفة: لقي الحسين عليه السلام عبد الله بن مطيع. وبعد حديث جرى بينهما، قال له: "(...) فإذا أتيت مكّة، فإياك أن تقرب الكوفة، فإنّها بلدة مشؤومة بها قُتل أبوك وخُذل أخوك واغتيل بطعنةٍ كادت تأتي على نفسه"(1).

2- أقم في المسجد الحرام: قال ابن الزبير للإمام الحسين عليه السلام: "أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس، فقال عليه السلام: والله، لئن أُقتل خارجاً منها أحبّ إليّ من أن أُقتل داخلاً منها بشبر، وأيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم، ووالله ليعتدنّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت"(2).

3- لا تسر بنسائك: من حديث ابن عبّاس لما عزم الحسين على الخروج "... فإن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك، فإنّي خائفٌ أن تُقتل كما قُتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه. وفي رواية: فقال الحسين عليه السلام: لئن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن أقتل بمكّة وتستحلّ بي"(3).

4- أخاف عليك الهلاك: وكتب إليه عبد الله بن جعفر مع ابنيه عَون ومحمّد: "أمّا بعد، (...) فإنّي مشفقٌ عليك من الوجه الذي توجّه له؛ أن يكون فيه هلاكك، واستئصال أهل بيتك"(4).

5- سيوفهم عليك: قال له الفرزدق حينما لقيه: "قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أميّة، والقضاء ينزل من السماء"(5). هذه كلمات بعض الناس، ممَّن لا يقاس بالحسين عليه السلام بشيء، وقد ظهرت له الأوضاع بشكلٍ جليّ، وهي صريحة بأنّ الثورة تؤدّي إلى القتل، ومشيرة بالتالي إلى أنّ التعامل مع هؤلاء القوم لا يجدي نفعاً، وأنّ احتمال التأثير فيهم غير ممكن. وعلى هذا يبقى السؤال مطروحاً: إذا كان هذا هو وضع هذه الجماعة، فكيف يخرج الإمام الحسين عليه السلام آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر؟ وكيف نفهم احتمال التأثير وهو الشرط الثاني من شروط هذا الواجب العظيم من ثورة الحسين وحركته؟

* الجواب في كلمات الحسين عليه السلام:
إنّ الجواب على هذا التساؤل يظهر من خلال ملاحظة كلمات الإمام الحسين عليه السلام، حيث لم يترك فرصةً إلا واستغلّها في سبيل بيان ثورته، وأهداف حركته، وفي بيان الظروف المتردّية التي وصلت لها الأمّة في عصره، وأبعاد ما يرنو إليه. ولو سلّطنا الضوء على نقطتين هامتين في كلامه، لظهر الجواب بوضوحٍ على هذا التساؤل؛ والنقطتان هما:

أ- الإمام الحسين عليه السلام كان بصدد إلقاء الحجّة عليهم، حتى لا يبقى اعتراضٌ لمعترض، ولا ادعاءٌ لمدّعٍ، فلعلّ فيهم حرّاً كالحُرّ يؤوب إلى ربّه، أو مضلّلاً يرجع إلى رشده.
ب- الإمام الحسين عليه السلام كان يهدف إلى إصلاح الأمّة على امتداد الزمان والمكان.

فهو يرى قطعيّة التأثير فضلاً عن احتماله في الشعوب الإسلاميّة في أرجاء المعمورة، وفي الأجيال اللاحقة، وهو يرى أنّ الفساد الذي لحِق بالإسلام، يحتاج إلى إصلاح، وأنّ أفضل أسلوبٍ فيه هو صعقةٌ تحرّك الضمائر، وتلهب المشاعر، ليستقيم الدين، وأنّ التغيير الإصلاحي القطعي في الإسلام، كلّ الإسلام، لن يكون إلا من خلال إراقة دمائه الزكيّة الطاهرة. لذلك، نجده في جواب بعض مَن أدّى له النصيحة بعدم الخروج، وأنّه إن خرج قتل، أو بعض مَن قال له إن كان خروجك لا بدّ منه، فلا تقصد أهل العراق، أو اقصد اليمن، كان يصدّهم بهدوء، ويشكرهم على النصح والإشفاق(6)، لأنّه يعلم أنّهم ينظرون إلى المسألة في إطارها الضيّق، وضمن الظروف الموضوعيّة المحيطة بهم، ولا ينظرون إلى المسألة بكلّ أبعادها بما فيها امتداد الزمان والمكان، وبما فيها استقامة الإسلام، كلّ الإسلام.

* ملاحظة كلمات الإمام عليه السلام:
وبملاحظة هاتين النقطتين في كلمات الإمام الحسين عليه السلام نجد أنّه يتعامل مع هذه الجماعة وهو أدرى وأخبر الناس بها. لذلك، يتكلّم تارةً وهو عالِم أنّ الشهادة تبعد عنه خطوات، وأنّ الله شاء أن يراه قتيلاً، وأخرى يصرّح لهم بأنّهم أهل الغدر والنفاق، وثالثةً يذكّرهم بمثالبهم الدنيئة ولزومهم طاعة الشيطان.

1-إعلان استشهاده: في خطبته عليه السلام: "الحمد لله وما شاء الله، ولا قوّة إلا بالله، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلا، فيملأن منّي أكراشاً جوفا، وأحويةً سغبا، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم"(7).

2- بيان الفساد ومثالب الجماعة: في خطبته عليه السلام بأصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة: "أيّها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غَيَّر،(...) فلعمري ما هي لكم بنُكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور من اغترّ بكم(...)"(8).

3 -إلقاء الحجج: فمن كلامه عليه السلام لما دنا منه القوم: "أيّها الناس! اسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم (....)"(9).

4 -إصلاح الأمّة والدين: "وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمّة جدّي محمّد صلى الله عليه وآله؛ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي محمّد صلى الله عليه وآله، وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام"(10).

* خلاصة واستنتاج:
بعد هذا العرض الوجيز لكلمات الإمام عليه السلام، نفهم أنّ احتمال التأثير كشرط من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان في أعلى مراتبه في كربلاء، بمعنى أنّ الإمام عليه السلام كان يقطع بالتأثير في الأمّة، وبإصلاح مسيرة الدين التي انحرفت على أيدي الظالمين المغتصبين، ولو عبر الأجيال القادمة، بل إنّ أيّ حركة إصلاح تشهدها الساحة الإسلاميّة، تنهل معين خيرها من كربلاء. ولذلك، نجد الإمام الخميني العظيم يطلق كلمته المشهورة: "إنّ كلّ ما عندنا من عاشوراء"، وكانت فتاوى العلماء حول هذا الشرط أنّه حتى لو كان التأثير في حقّ الغير؛ "لو علم أنّ أمره أو نهيه بالنسبة إلى التارك والفاعل لا يؤثّر، لكن يؤثّر بالنسبة إلى غيره بشرط عدم توجّه الخطاب إليه وجب توجّهه إلى الشخص الأوّل بداعي تأثيره في غيره"(11). وما زالت ثورة الحسين خالدة، ولا تزال أصداؤها وبركاتها تمتدّ على مرّ العصور، ولولا استشهاده وثورته لم تقم للدين قائمة، وما بقي من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه.


(1) مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف الأزدي، ص14، تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص261، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص19.
(2) مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف الأزدي، ص67، تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص289.
(3) مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف الأزدي، ص65، تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص288، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص39.
(4) مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف الأزدي، ص69، تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص291، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص40.
(5) مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف الأزدي، ص68، تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص290، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص40.
(6) راجع الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص39، جواب الإمام الحسين عليه السلام لابن عباس.
(7) مثير الأحزان، ابن نما الحلي، ص29، لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، ص70.
(8) تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص304، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص48.
(9) تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص323، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص62.
(10) كتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، ج5، ص21.
(11) تحرير الوسيلة، الإمام الخميني، ج1، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مسألة 9، ص468.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع