مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: يأتون من كلّ فـــجٍّ عميـق


مقابلة مع الشيخ علي دعموش
حوار: فاطمة الجوهري غندورة


يرجع تاريخ الحج إلى فترة سابقة على بعثة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم بآلاف السنين, وبالتحديد إلى عهد النبي إبراهيم عليه السلام؛ فقد أخذ المؤمنون برسالته واستمروا يحجون حتى انتشرت الوثنية بين العرب وغيّرت دين الناس الحنيفي. ولكن بعد بعثة النبي محمد بتسع أو عشر سنوات فُرض الحج على من آمن بدعوته ورسالته. ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (آل عمران: 97). فالحج ركن ثابت من أركان الدين. فليس على الحاج أن يكتفي فقط بمعرفة أحكامه ومناسكه، بل ينبغي أن يتعرّف إلى ما يترتب على تلك المناسك من التزامات روحيّة وأخلاقيّة لنفسه وللآخرين. فالهدف منه اقتراب الإنسان من صاحب البيت والاتصال به وليس مجرد حركات وأعمال وألفاظ.

بين الحج كمراسم وشعائر والحج كروحية ومعان رمزية ارتأت مجلتنا ابتداء الرحلة بالحديث مع عدد من الحجاج الكرام لنقف على آرائهم حول ما يشكّل لهم الحج من معانٍ ومبانٍ وإذا ما شكّل لهم ركيزة في تطوّر شخصيّتهم الدينية والاجتماعية, كما تحدّثنا مع سماحة الشيخ علي دعموش للإضاءة على ما يحمله الحج من أسرار ورموز وفلسفة.

• ذكرياتٌ لا تُنسى...
لدى سؤالنا الحاجة صفاء "25 عاماً" عن دافع ذهابها إلى الحج أجابت أنه واجب على كل مسلم ومسلمة عند توفر الإمكانيات اللازمة، ومن جهة أخرى هو شوق لا يهدأ في قلب المؤمن لرؤية بيت الله العتيق وزيارة الرسول والأئمة عليهم السلام. وأما الحاج أبو علي "34 عاماً" فقال: "دافعي الأول والأساس عبادة الله تعالى خصوصاً عندما ندرك أن غاية الحج كمال العبودية لله سبحانه وتعالى". لقاؤنا التالي كان مع الحاج سمير "40 عاماً" الذي أشار إلى نيّته تكرار الحجّ، فالحج عبادة وتربية وعلى من يمارس هذه العبادة التي فرضها الله تعالى أن يدرك هدف كلّ فعل فيها، ومغزى كل شعار ومنسك. وفي التجديد إدراك وتعقّل وعبادة وتربية. ويكفي أنها تبصرة للنفس وتذكرة لها. هذا فضلاً عما ترويه الأحاديث الشريفة الّتي وردت عن النبي وآله عليهم السلام. الحاجة مريم (50 عاماً) تطمح أن تحج مرّات ثلاثاً قائلة: أشعر أن المسلم يكون بذلك أمام فرصة أخرى لولادة ثانية يستهلّ بها حياته الإنسانية من جديد.

وعن شعوره عند رؤيته الكعبة المشرّفة للمرّة الأولى قال الحاج عباس (40 عاماً): "حقيقة إنه إحساس لا يمكن وصفه، إذ يرى المخلوق نفسه في ضيافة الخالق، الذي دعانا إلى بيته وساحة قدسه، وهنا يشعر ويحسّ أنه قد اقترب من خالقه سبحانه وتعالى". أما الحاج أبو جميل فقد عبّر عن ذلك قائلاً: "لم أملك دموعي وكنت في حالة لا أستطيع وصفها وتأكدت أنّي لست أكثر من عبدٍ مذنبٍ ضعيفٍ أمام ربٍّ عظيم".
ونختم ذكريات الحجاج الكرام بما قاله الحاج علي: في الحقيقة الحج كله ذكريات حلوة وطيبة، ابتداء من السفر إلى أداء المناسك. أن تُحرِم ورفقاء الحج ذكريات لا تُنسى، أن تُلبي وتُردّد التّلبيات وأن تطوف حول البيت ذكريات لا تنسى، أن تسعى بين الصّفا والمروة وتقرأ الدعاء مع الحجاج، وتعبّر عن عبوديتك وتذلُّلك للخالق. وأن تبيت بمنى، وأن تقف في عرفات وتقرأ العزاء والأدعية المعهودة، وكل المناسك بأماكنها وأزمنتها أيضاً، كلها ذكريات لا تنسى.

• فلسفة العاشق
وفي المقابلة مع سماحة الشيخ علي دعموش أجابنا عن بعض الأسئلة مشكوراً.

- سماحة الشيخ ما هي أهمية عبادة الحج في الإسلام؟ وهل يمثّل التطبيق للحج اليوم التعاليم الإسلامية لهذه الفريضة الإلهية؟
أكّدت الآيات القرآنية والروايات الشريفة على أهمية عبادة الحج من خلال اعتباره ركناً من أركان الإسلام وجعله في مقابل الكفر؛ فلقد أراد الله للحج أن يكون ملتقى للمسلمين القادمين من شرق الأرض وغربها, يتعارفون فيه، ويتواصلون لبحث قضاياهم وأوضاعهم وهو فرصة أيضاً لنشر المعارف والقيم، وتبادل المعلومات الواقعية عن كل بلد من بلاد المسلمين للوقوف على حقيقة الأوضاع والمستجدات.
وأهميّة الحج تكمن في ذلك كله، إلّا أنّ العقلية التي يدار فيها موسم الحج هذه الأيام تحول دون تحقيق الكثير من هذه الأهداف. كما أن الإجراءات التي تتخذها السلطات المعنية في الموسم وسياسة فرض الرأي الواحد التي يمارسها فريق معين من المسلمين في الحج، تفوّت تلك الفرص التي يؤمّنها الحج للمسلمين من خلال اجتماعهم في الديار المقدسة.

• التلبية واحدة
- كيف يؤدي الحج دوراً إيجابياً في تقريب أبناء المذاهب الإسلامية بعضهم ببعض؟

لا شك أن للحج دوراً أساساً في تعزيز الوحدة بين المسلمين والتقارب والتعاون فيما بينهم. إن استجابة المسلمين جميعاً على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ومذاهبهم لنداء الخالق وإظهار الطاعة له، في صورة تلغي كل الفوارق، تجعلهم متساوين, كما تتجلّى الوحدة في إطلاقهم جميعاً تلبية واحدة هي "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك" وأيضاً من خلال طوافهم في مكان واحد، حول الكعبة المشرفة، والسعي بصورة جماعية في مكان واحد، والوقوف في عرفة و.. إن كل هذه التجلّيات تؤكد الوحدة والإلفة، وتزيل الحواجز وتجعل المسلمين في موقع القوة لمواجهة كل التحديات التي يفرضها أعداؤهم عليهم.

- ما هو مدى الفائدة التي يحصّلها الحاج من خلال الاطلاع المسبق على أعمال هذه الفريضة عبر الوسائل السمعية والبصرية؟
لا شك أن الاطلاع المسبق على كيفية أداء المناسك والأحكام المتعلقة بفريضة الحج يتيح للحاج أداء مناسكه بشكل صحيح، ويوفّر عليه الكثير من الإرباك, كما أنّ ذلك يمكّنه من فهم بعض أسرار الحج وأبعاده. فمسائل الحج هي مسائل عملية وليست نظرية، فكلما استطعنا تجسيد وتمثيل هذه المناسك بصورة عملية من خلال مشاهد حيّة مصوّرة أو مجسّدة كلّما استطعنا أن نُدخل هذه المسائل إلى الأفهام والأذهان بصورة راسخة وواضحة تُعين الحاج على الأداء الصحيح للمناسك. وقد لاحظنا أن الحجاج الذين استفادوا من الوسائل البصرية والسمعية كان من السهل عليهم أداء المناسك من دون مرشدين بخلاف أولئك الذين لم يحضّروا أنفسهم بشكل جيد لأداء هذه الفريضة المباركة.

• أسرار روحية وتربوية
- برأيكم متى يشعر الحاج بالزاد الروحي من هذه الفريضة المباركة، هل عند إتمام شعيرة الحج بالكامل أم أنّ لكل منسك خاصيّة مميّزة؟

لا ريب أن لكل منسك من مناسك الحج دلالاته وأسراره الروحيّة والتربويّة وأبعاده المختلفة. وإذا تمكّن الإنسان من معرفة ذلك ومارس هذه المناسك عن وعي وإدراك لِما تهدف إليه فإنّه سيشعر بالسعادة، خصوصاً تلك المناسك التي يمكن أن تُصيب الإنسان بتعب أو إرهاق. ولا ينبغي أنّ نغفل أنّ الحاج تغمره السعادة الكبرى بعد إتمام جميع المناسك وخاصةً في اللحظة التي يكتمل فيها حجه اكتمالاً صحيحاً، حيث يكون قد امتثل للتكليف الإلهي فيشعر بالراحة بعد كل ذلك الجهد الذي قدّمه في طاعة الله سبحانه من خلال فريضة وعبادة هي مجمع الفرائض والعبادات
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع