نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: التكبُّر.. كمالٌ موهوم

ترجع أسباب الكبر كلها إلى توهّم الإنسان الكمال في نفسه، ما يبعث على العُجب الممزوج بحب الذات، فيحجب كمال الآخرين ويراهم أدنى منه ويترفع عليهم قلبياً أو ظاهرياً.  قد يحصل الكبر حتى بين علماء العرفان فيتصور أحدهم نفسه، مثلاً، من أهل العرفان والشهود ومن أصحاب القلوب والسوابق الحسنى، فيترفع على الآخرين ويتعاظم عليهم. ويرى أن الحكماء والفلاسفة سطحيون، وأن الفقهاء والمحدّثين لا يتجاوزون الظاهر في نظراتهم، وأن سائر الناس كالبهائم. وينظر إلى عباد الله بعين التحقير والازدراء. ويذهب هذا المسكين ينمق الحديث عن الفناء في الله والبقاء بالله، مع أن المعارف الإلهية تقضي حسن الظن بالكائنات، فلو أنه كان قد تذوق حلاوة المعرفة بالله لما تكبّر على مظاهر جمال الله وجلاله بحيث إنه في مقام العلم والبيان يصرّح خلاف حاله، ولكن الحقيقة هي أن هذه المعارف لم تدخل قلبه، بل إن هذا المسكين لم يبلغ حتى مقام الإنسان ولكنه يتشدق بالعرفان.

 


* العلم خلاف ذلك
وإن من بين الحكماء أيضاً أناساً، يرون أنهم بما يملكون من براهين ومن علم بالحقائق، وبكونهم من أهل اليقين بالله وملائكته وكتبه ورسله، ينظرون إلى سائر الناس بعين التحقير، ولا يعتبرون علوم الآخرين علوماً، ويرون عباد الله جميعاً ناقصي علم وإيمان، فيتكبرون عليهم في الباطن، ويعاملونهم في الظاهر بكبرياء وغرور، مع أن العلم بمقام الربوبية، وفقر الممكن (المخلوق) يقضيان بخلاف ذلك. والحكيم من تحلّى بملكة التواضع بوساطة العلم بالمبدأ والمعاد. لقد وهب الله لقمان الحكمة بنص من القرآن الكريم، ومن جملة وصايا ذلك العظيم لابنه، كما ورد في القرآن الكريم: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (لقمان: 18).

ونجد في الذين يدّعون الإرشاد والتصوف وتهذيب الباطن، أشخاصاً يعاملون الناس بالتكبر ويسيؤون الظن بالعلماء والفقهاء وأتباعهم، ويطعنون بالعلماء والحكماء، ويرون الناس، عدا أنفسهم ومن يلوذ بهم، من أهل الهلاك. وبما أنهم صفر اليدين من العلوم، يصفون العلوم بأنها أشواك الطريق، ويرون أصحابها شياطين طريق السالك، مع أن كل ما يزعمونه لأنفسهم من مقام يقتضي خلاف ذلك كله. إن من يدعي أنّه هادي الخلائق ومرشد الضالين يجب أن يكون هو بنفسه منزّهاً عن المهلكات والمُوبقات، زاهداً في الدّنيا، غارقاً في جمال الله، لا يتكبّر على خلقه ولا يسيء الظنّ بهم.

* التكبر بين أهل العلم
كذلك نجد أحياناً بين الفقهاء وعلماء الفقه والحديث وطلابهما من ينظر إلى سائر الناس بعين الاحتقار ويتكبّر عليهم، ويرى نفسه جديراً بكل إكرام وإعظام، ويعتقد أن من المفروض على الناس أن يطيعوا أمره طاعة عمياء، وأنه ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء: 23). وما من أحد يستحق الجنة، في رأيه، إلّا هو مع أفراد معدودين مثله وكلما جاء ذكر طائفة مقترناً بعلم من العلوم طعن فيهم، من دون أن يعترف بأي علم سوى علمه القليل الذي يتمتع به ويرى أن تلك العلوم تافهة وغير نافعة ومدعاة للهلاك، فيرفض العلماء وسائر العلوم جهلاً وسفهاً، ويُظهر كأن تديّنه هو الذي يحتم عليه أن يحتقرهم ويستهين بهم مع أن العلم والدين منزّهان عن أمثال هذه الأطوار والأخلاق. إن الشريعة المطهّرة تحرم التصريح بقول من دون علم، وتوجب الحفاظ على كرامة المسلم. أما هذا المسكين الذي لا معرفة له بالدين ولا بالعلم، فيعمل على خلاف قول الله ورسوله، ثم يقول إن ذلك من صلب الدين. إن كل علم من العلوم الشرعية يقضي بأن يتصف العلماء بالتواضع، وأن يقتلعوا جذور التكبر من قلوبهم. ولا يوجد علم يدعو إلى التكبر ويرفض التواضع.  إن الكبر منتشر بين علماء سائر العلوم الأخرى أيضاً، في الطب والرياضيات والطبيعة، وكذلك أصحاب الصناعات الهامة، كالكهرباء والميكانيك وغيرهما. إنهم أيضاً لا يقيمون وزناً للعلوم الأخرى مهما تكن، ويحتقرون أصحابها، وكل منهم يحسب أن ما عنده وحده هو العلم، وما عند غيره ليس بعلم، فيتكبر على الناس في باطنه وظاهره، مع أن ما عنده من علم لا يستدعي مثال هذا التكبر.

* بين أهل العمل
هناك من غير أهل العلم، مثل أهل النسك والعبادة، من يتكبّر أيضاً على الناس ويتعالى عليهم، ولا يعتبر الناس حتى العلماء من أهل النجاة، وكلما جرى حديث عن العلم قال: ما فائدة علم بلا عمل؟ العمل هو الأصل. إنهم يهتمون بما يقومون به من عمل وطاعة، وينظرون بعين الاحتقار إلى جميع الطبقات، مع أن المرء إذا كان من أهل الإخلاص والعبادة ينبغي لعمله أن يصلحه. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي معراج المؤمن، ولكن هذا الذي أمضى خمسين سنة في الصلاة وأداء الواجبات والمستحبات مصاب برذيلة الكبر التي هي إلحاد، وبالعُجب الذي هو أكبر من الفحشاء، ويتقرب من الشيطان وأخلاقيته. إن الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء ولا تحافظ على القلب، بل لكثرتها تبعث على ضياع القلب، إن مثل هذه الطاعة ليست بصلاة. إن صلاتك التي تحافظ عليها كثيراً وتحرص على إقامتها، إذا كانت تقربك من الشيطان وخصيصته من الكبر، فهي ليست بصلاة، لأن الصلاة لا تستدعي ذلك.

* شجرة خبيثة
كل هذه الأمور تحصل من العلم والعمل. أما الذي يحصل من غير ذلك فيرجع أيضاً إلى تصور المرء أنه يمتلك إحدى الكمالات وأن غيره يفتقر إليها. فهذا الذي يملك الحسب والنسب يتكبّر على من لا يملكها. وقد يتكبر صاحب الجمال على فاقده وطالبه، أو إذا كان كثير الأتباع والأنصار أو ذا قبيلة كبيرة أو له تلامذة كثيرون، وأمثال ذلك، فإنه يتعالى ويتكبّر على الذي ليس له مثل ذلك. وبناءً على ذلك، فإنّ سبب الكِبر إنّما هو تصوّر وجود كمال موهوم، والابتهاج بذلك والعُجب به، ورؤية الآخرين خلواً منه. وقد يحدث أحياناً أن صاحب الأخلاق الفاسدة والأعمال القبيحة يتكبّر على غيره، ظانّاً أن ما فيه ضرب من الكمال. وعلى الرغم من أن المتكبر قد يمتنع أحياناً لسبب ما من إظهار التكبّر علانية، ولا يفصح عن أيّ أثر لذلك، إلّا أنّ هذه الشجرة الخبيثة تمدّ جذورها في قلبه ولا بُدّ أن يتبيّن أثر ذلك منه إذا خرج عن طوره الطّبيعي، كأن يستولي عليه الغضب فيفلت منه الزمام، وإذا به تظهر عليه إمارات الكبرياء والتعاظم، ويباهي الآخرين بما عنده من علم أو عمل أو أي شيء آخر ويفاخرهم به.وقد يظهر الكبر على اللسان بتبيان المفاخرة والمباهاة وتزكية الذات، وما إلى ذلك. وعلى كل حال ينبغي أن نتعوذ بالله من شرّ النفس ومكائدها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع