مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: ومَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ


السيّد علي عبّاس الموسوي


بينَ صِفةِ التكبّر بما تحمله من استعلاء وصِفَةِ الخضوع أمام الإرادة الإلهيّة حدٌّ تفصــل فيه تماماً معرفة الإنسان بنفسه. فالناس في هذه الدنيا على صنفين: صنف أعلى من شأن نفسه وجعل لها ما لا تستحقّ، فكان التكبُّر الرداء الذي يتلبَّس به، وصنفٌ عرف قدر نفسه فخضع وخشع لربّه ولم يقم بتجاوز حدود الله.

وبالتحليل والنظر في الصنف الأوّل، نجد أنّه ينطلق في مرضه الخُلُقيّ ذاك من حدَّين يحيطان به، فيشكّلان سدّاً يحول بينه وبين الرؤية الصحيحة.

الحدّ الأوّل: يتمثَّل في النظر إلى نفسه، والحدّ الثاني: في النظر إلى غيره. وهو يعيش الجهل المركَّب في كلا الحدَّين.

ينظر هذا الصنف من الناس إلى نفسه على أنّها ذات صفات تؤهّلها لتتصرّف في الكون كلّه، حتّى في نظيره في الخلق، بما يشاء، فيُعلي من شأن هذه النفس أمام الطبيعة الكونيّة، ويُعلي من شأنها أمام أخيه الإنسان، فيكون التكبّر والاستعلاء طبيعة في ذاته تنعكس سلوكاً مستمرّاً في مفردات حياته صغيرة وكبيرة، مع القريب والبعيد.

وينظر هذا الصنف من الناس إلى غيره على أنّه دونه، لا يملك من المؤهّلات ما يستحقّ أن يقرن به أو يقارن، فلا هو في مصافّ سائر الناس حتّى يكون في سياق واحد معهم ولا يشترك معهم في شيء يبرّر أن تكون المقارنة صحيحة.

منطق فرعون هو ما يوصف به هذا الصنف من الناس، ولا سبيل إلى تحطيمه إلّا بإزالة حجُب النفس وحجُب القلب حتّى يرى حقيقة نفسه.

وإذا كانت الموعظة والتفكّر والتدبّر والاعتبار بمن مضى من الأمم السالفة تشكّل باباً واسعاً لإخراج أمثال هؤلاء من سُباتهم، والخروج بهم من ظلمة جهلهم، فإنّها لا تكون مثمرة على الدوام، وإن كانت لا بدَّ وأن تشكّل الخطوة الأولى في منطق الدعوة إلى الله لدى كلّ من يريد أن يسير في ذلك الطريق. ويعود ذلك إلى أنَّ هذه الحُجُب تُعمي وتصمّ، والمعرفة النظريّة الاستدلاليّة البرهانيّة لا يمكنها النفوذ إلى قلوب قاسية كالحجارة، بل أشدّ قسوة.

ولذا، تشكّل الخطوة الأخرى التنبيه إلى معرفة النفس بالطريق الوجدانيّ المباشر، حيث يتمّ وضع هذا الإنسان أمام حالات عجز تمسّ شخصه أو مَنْ يتعلّق به، فلا يجد سبيل الخلاص منها، وبهذا يعرف قدره ومدى ضآلة قدراته وضعف قواه.

عندما أنزل الله عزَّ وجلَّ عذابه على المستكبرين في الأرض سواء أكان ذلك على مستوى الأمم والشعوب أم على مستوى الأفراد، كان ذلك بعد أن كشف لهم الطريق وأبانه لهم بلغة العقل والقلب.. ولمّا لم يهتدوا كان لا بدَّ من أن يواجهوا الحقيقة المباشرة، ففرعون ﴿عَلَا فِي الْأَرْضِ (القصص: 4) ووصل به الأمر أن يدَّعي أنّه الربّ الأعلى، ولم تنفعه مواعظ الرسل فكان أن صدح بنداء الاعتراف لمّا واجه حقيقة عجزه عندما أدركه الغرق.

وهكذا الحال، وإنْ بمستويات مختلفة من درجات التكبّر مع بعض الجماعات داخل أمّتنا الإسلاميّة أو مع بعض الأفراد داخل مجتمعاتنا. فبعد أن تفشل لغة الوعظ والإرشاد لا بدَّ وأن يمارس الإنسان في حقّ هؤلاء لغة الصدم بالواقع حتّى يدركوا مدى عجزهم وضعفهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (الرعد: 11).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات: