الكِبر عبارة عن حالة نفسيّة تجعل الإنسان يترفّع ويتعالى
على الآخرين، وهو من أخلاق الشيطان الخاصّة، فقد تكبّر على آدم، فطُرد من حضرة
الله... جاء في وصايا الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه: "إيّاكم والعظمة
والكِبر، فإنّ الكِبر رداء الله عزّ وجلّ فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذلّه يوم
القيامة".
*في صورة أخسّ الموجودات
فيا أيها الإنسان الذي لم تكن شيئاً في أوّل أمرك، وكنت كامناً في دهور العدم
والآباد غير المتناهية، ما هو الأقلّ من العدم واللّاشيء على صفحة الوجود؟ ثمّ لمّا
شاءت مشيئة الله أن يُظهرك إلى عالم الوجود، فمن جرّاء قلّة قابليّتك الناقصة
وتفاهتك وضَعتك وعدم أهليّتك لتقبّل الفيض، أخرجك من هيولى العالم -المادة الأولى-
الذي لا يكون سوى القوّة المحضة والضعف الصرف، إلى صورة الجسميّة والعنصريّة، التي
هي أخسّ الموجودات وأحطّ الكائنات، ومن هناك أخرجك نطفة لو مسّتها يدك
لاستقذرتها... وأدخلك في رحم الأم... وهناك حوّلك إلى علقة ومضغة، وغذّاك بغذاء
يزعجك سماع اسمه ويُخجلك. ولكن بما أنّ الجميع هذا هو حالهم، وتلك هي بليّتهم، زال
الخجل "والبليّة إذا عمّت طابت".
*شملتك الرحمة الإلهيّة
في كلّ هذه التطوّرات كنتَ أرذل الموجودات وأذلّها وأحطّها، عارياً عن إدراك ظاهريّ
وباطنيّ، بريئاً من كلّ الكمالات. ثمّ شملَتك رحمته وجعلك قابلاً للحياة، ظهرت فيك
الحياة رغم كونك في أشدّ حالات النقص، بحيث إنّك كنتَ أحطّ من الدودة في أمور
حياتك، فزادت، برحمته، تدريجيّاً قابليّتك على إدارة شؤون حياتك، إلى أن أصبحتَ
جديراً بالظهور في محيط الدنيا، أظهرك في هذه الدنيا من خلال أشدّ المجاري ضَعةً،
وفي أوطأ الحالات، وأنت أضعف في الكمالات وشؤون الحياة، وأدنى من جميع مواليد
الحيوانات الأخرى.
*أدنى العوالم وأصغرها
وبعد أن منحك بقدرته قواك الظاهريّة والباطنيّة، ما زلت ضعيفاً وتافهاً بحيث إنّ
أيّاً من قواك ليس تحت تصرفك، فلست بقادر على المحافظة على صحتك، ولا على قواك ولا
على حياتك، ولست بقادر على الاحتفاظ بشبابك وجمالك. وإذا ما هاجمتك آفة أو انتابك
مرض فلست بقادر على دفعهما عنك. وعلى العموم، ليس تحت تصرّفك شيء من ذلك. لو جِعتَ
يوماً لتنازلتَ حتّى لأكل الجيفة، ولو غلَبك العطش لما امتنعت عن شرب أيّ ماء آسن.
وهكذا أنت في شؤونك الأخرى عبد، ذليل، مسكين لا قدرةَ لك على شيء. ولو قارَنت حظّك
من الوجود ومن الكمالات بما لسائر الموجودات، لوجدت أنك أنت وكلّ الكرة الأرضية، بل
وكلّ المنظومة الشمسيّة، لا قيمة لكم مقابل هذا العالم الجسمانيّ الذي هو أدنى
العوالم وأصغرها.
*عالمك وعوالم الغيب
أيها العزيز! إنك لم ترَ سوى نفسك، والذي رأيته لم تضعه موضع الاعتبار والمقارنة.
حاول أن تنظر إلى نفسك وما تملك من شؤون الحياة وزخارف الدنيا وقارنها بمدينتك،
وقارن مدينتك بوطنك، ووطنك بسائر الدول في الدنيا التي لم تسمع بأكثر من واحدة
بالمئة منها، وقارن كلّ الدول بالكرة الأرضيّة، والأرض بالمنظومة الشمسيّة،
وبالكرات الواسعة التي تعيش على فتات أشعّة الشمس المنيرة، وقارن كلّ المنظومة
الشمسيّة الخارجة عن محيط فكري وفكرك، بالمنظومات الشمسيّة الأخرى التي تعدّ شمسنا
وجميع سيّاراتها، واحدة من سيّارات إحدى تلك المنظومات التي لا يمكن أن تقارن شمسنا
معها، والتي يُقال إنّ ما اكتشف منها حتى الآن يبلغ عدّة ملايين من المجرات، وإنّ
في هذه المجرّة القريبة الصغيرة عدّة ملايين من المنظومات الشمسيّة التي تكبر أصغر
شمسها على شمسنا ملايين المرّات وتسطع نوراً أكثر. هذه كلّها من العوالم الجسمانية
التي لا يعرفها إلّا خالقها، وإنّ ما اكتشف منها لا يبلغ الجزء الضئيل منها. وكلّ
عوالم الأجسام هذه لا تكون شيئاً بالقياس إلى عالم ما وراء الطبيعة، فهنالك عوالم
لا يمكن للعقل البشريّ أن يتخيّلها.
*أحوالك إلى زوال
هذه شؤون حياتك وحياتي، وهذه حظوظنا ونصيبنا من عالم الوجود. وعندما تشاء إرادة
الله أن تتوفّاك من هذه الدنيا، فإنّه يأمر جميع قواك بالاتّجاه نحو الضعف وجميع
حواسّك بالتوقف عن العمل، فتختلّ أجهزة وجودك، ويذهب سمعك وبصرك، وتضمحلّ قواك
وقدراتك، فتصير قطعة جماد تُزكم بعد أيّام رائحتك العفنة أنوف الناس، وتؤذي
مشامّهم، ويهربون من صورتك وهيئتك، وما إن تمضي عليك أيّام أُخر حتّى تهترئ أعضاؤك
وتتفسّخ. هذه هي أحوال جسمك، أمّا أحوال أموالك وثروتك فأمرها معروف.