الشهيد مرتضى مطهري قدس سره
من خصائص الحق لدى أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه "لا يجري لأحد إلاّ جرى عليه ولا يجري عليه إلا جرى له"1، أي أنّ الحقوق في المجتمع متبادلة بين الأفراد فهي لا تجري في صالح أحد دون الآخر.
للآباء والأمهات حقوق في أعناق أولادهم ويجب رعايتها، وفي مقابل هذا هناك حقوق للأولاد في أعناق آبائهم وأمهاتهم، بل إن حقوق الأولاد تبدأ قبل حقوق الآباء، ذلك أن الأطفال في بداية حياتهم هم مجرد مسؤوليّة تقع على عاتق الوالدين في حين لا يتحمّل الأطفال أيّة مسؤولية تجاه آبائهم وأمهاتهم.
كذلك المعلم والتلميذ والأستاذ والطالب، ففي موازاة حق الأستاذ على التلميذ من الاحترام والأدب والمحبة والطاعة، هناك حق للتلميذ على أستاذه من حسن التعليم والتربية والاهتمام والدقّة وغير ذلك.
وينسحب الأمر كذلك على الأسرة، فللرجل والمرأة حقوق متبادلة؛ فمن يظن أنّ له حقاً في أعناق الآخرين يجب أن يعلم بأنّه مدين لهم.
*حقوق الله على العباد
الله سبحانه وحده الغنيّ الكامل والمالك المطلق، وهو الاستثناء في هذه القاعدة. إنّ لله تعالى حقوقاً على مخلوقاته، وإنّ عبيده سبحانه مدينون له بالفضل والنعمة، وليس لأحد حق على ذاته المقدّسة. يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه"2.
وقد جعل الله طاعته حقاً على الناس وجعل لها ثواباً من فضله ورحمته، واعتبر ذلك حقاً عليه.
وهذه الطاعة لا تعود بالفائدة على الله، بل إن فائدتها تعود إلى الناس أنفسهم، فهم يطيعون الله سبحانه لأنّ مصلحتهم في ذلك، وبالإضافة إلى هذا فإنّ الله جعل في مقابل طاعتهم الثواب رحمة من عنده وفضلاً.
*خصائص الحق
ومن جملة خصائص الحق كما قال الإمام علي عليه السلام:
1 - ما ذكره الإمام عليه السلام في قوله: "فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف"3.
الحق كلمة سهلة في النطق، واسعة في الوصف، رحبة في الكتابة والتأليف. ولكن الحق صعب في التطبيق، ضيّق عند العبور.
2 - ثم يذكر الإمام عليه السلام خصيصة أخرى، هي التكافؤ في الحقوق بين الناس، إذ ليس هناك من يقول أنا أجلّ شأناً من أن يساعدني أحد في عمل الحق، وليس هناك أحد، مهما كان صغيراً في شأنه، لا يكون له في عمل الحق نصيب. فللجميع حقوقهم التي "تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضاً ولا يستوجب بعضها إلا ببعض"4
3 - قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2)؛ فالجميع: عاليهم ودانيهم، عالمهم وجاهلهم، قويّهم وضعيفهم، سيّدهم وخادمهم مطالبون بذلك، فإذا رأى أحدهم نفسه أسمى من ذلك في التعاون، تعرّض ذلك الرباط الاجتماعي للخطر. فالبناء الاجتماعي يبقى قائماً ما دامت تلك الحقوق المتبادلة محفوظة، وإلاّ فإنّ تراكم عدد الآجر (حجارة البناء) بعضه فوق بعض دون ارتباط وثيق لا يصنع بناءً متيناً.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً"5.
4 - أما الخصيصة الرابعة في الحق فهي أن لا يأنف من ذكره أهله، فالكاسب والموظف أو السائق وكل من يدّعي السير في طريق الحق إذا ما ذُكّر بالحق عليه أن لا يأنف من ذلك إذا كان صادقاً مع نفسه، وأن لا ينزعج من كل إرشاد يُسدى إليه.
يقول الإمام علي عليه السلام: "لا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍ قيل لي، ولا التماس إعظام النفس للنفس، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإنّي لست بنفسي بفوق أن أخطئ"6.
1- نهج البلاغة، خطبة 216.
2- م.ن.
3- م.ن.
4- م.ن.
5- ميزان الحكمة، الريشهري، ج1، ص208.
6- نهج البلاغة، م.س، خطبة 216.