* فجر الظهور
تسارعت خيوط الفجر وهي تطلب نور الصباح حثيثاً.
وفي الموعد المحدد أعلنت انتهاء ليل المستضعفين وفي عشرة متوالية كانت عروش الطواغيت تدك دكاً..
إنها ثورة الرايات المشرقية وهي تلوح لصاحب الأمر أن أقدم إلينا فقد مسَّنا وأهلنا الضرُّ وتكالبت علينا الأمم وجئناك ببضاعة مزجاة.
ومن على منبر جنّة الزهراء عليها السلام وقف السيد العجوز ليعلن لأجداده الأطهار عليهم السلام أنه سيلقم الحكومة البائدة حجراً في فمها وستسقط لتستمر الثورة الحمراء حتى ظهور القائم المهدي أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء...
واليوم وبعد ثلاثة عشر سنة تجتمع الذكريات لتعلن لكل الشعوب المستضعفة أن فجر الظهور ما انفك يطلب ليل المستكبرين.
﴿ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض﴾
* ذكرى مولدك الشريف
هو حلم الأنبياء عليهم السلام، وعصارة الإنسانية، وجمع الأسماء، وسجود الملائكة، وتبدل الأرض، وظهور العلم، وكشف الأسرار، وعقول المتعمّقين.
هو حكم الأمير، وصلح الحسن، وثورة الشهيد، وصحيفة السجاد، ومدرسة الصادقينْ، وحرية الكاظم، وغربة الرضا، وأسرار الجواد والهادي والعسكري.
هو النداء الخفي المنبعث من أعماق السنين جواباً للمستصرخين والمعذبين، الذي ستضحك له الأرض ومن عليها فرحاً بوراثتها بعد أن ذاقت من مرارة الظالمين ومعاصي الجاحدين.
بذكرى مولدك الشريف نرجع إلى أبعاد غيبتك الكبرى علّنا نحضر ظهورك، ونقر لك بذلك الفراق ونطلب العفو منك بدماء الشهداء، ودعاء المظلومين.
سيدي، أترى تحسبنا من الذين غيّبوك أول مرة أو من ظاهروا على غيبتك فصرت المنتظر في البوادي والواحات: هل من ناصر ينصرنا؟ أم تصفح عنّا بدماء جدّك الشهيد وتخرج إلينا لتقر أعيننا بقتال المستكبرين تحت رايتك العظمى، وهناك.. هناك تملأ الأرض قسطاً وعدلاً فتُبعث إلى رحاب النور..
* مَن هو الإمام الثاني عشر ابن الإمام الحجة الحسن العسكري عليهما السلام؟
ولد سنة 255هـ في مدينة سامراء، ولمّا بلغ سن الخامسة استشهد أبوه عليه السلام فآتاه الله الحكم صبيّاً وصار حجة مشهوراً على العالمين.
أمه مليكة بنت يشوعاء بن قيصر ملك الروم (وتسمّى أيضاً نرجس). وممّا يروى أنها كانت قد شاهدت في منامها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبها من المسيح عليه السلام لابنه أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، وأنها تعرفت على زوجها في المنام أيضاً حيث كان يزورها كل ليلة وذلك بعد إسلامها ونطقها بالشهادتين، وأنه هو الذي طلب منها في إحدى تلك المنامات الخروج في غزوة من غزوات ملك الروم متخفّية بثياب الخدم حتى يتم أسرها الذي سوف يكون سبب لقائهما.
كانت لظروف القمع والظلم التي أحاطت بأهل البيت أن أخفى الإمام العسكري عليه السلام خبر ولادة ابنة عليه السلام بحث أنه لم يعلن عنها إلاّ للخاصة من مواليه. فقد جمعهم في اليوم الثالث من ولادته وقال لهم: "هذا صاحبكم بعدي وخليفتي عليكم... وهو القائم الذي تمد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً، وحُجب عنهم بعد ذلك إلى ما قبل أيام من وفاة الإمام العسكري عليه السلام حيث أعيد جمع الخاصة وعُرض عليهم الإمام المهدي عليه السلام للمرة الثانية، وفيها يؤكد الإمام العسكري عليه السلام إمامته وخلافته فيهم حيث يقول: "هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا بعدي فتهلكوا في أديانكم".
كيف كان للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف غيبتان واحدة صغرى احتجب فيها عن بعض الناس مدة 70 سنة تقريباً وعين فيها سفراء ووكلاء ينوبون عنه ويرجع الناس إليهم في شؤونهم (انظر صفحة 83) وحاجاتهم. وهذه الغيبة التي مهدت للغيبة الكبرى تشبه الشمس في غروبها حيث يبقى ضياؤها دون أن ترى. فكانت الحجة تلقى على العالمين حيث إمامهم المعصوم عليه السلام يحتجب لقلة الناصر وعدم فهم الأمة لحقيقة دور الإمامة في حياة البشرية.
واستمرت الشمس في الغروب إلى أن توفي السفير الرابع عام 329هـ رضوان الله عليه، فألهم ظلام الليل وعمّ الآفاق وسار المسلمون في بحار التيه أربعينات كثيرة، وصاروا كالقصعة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخطّفهم الكفار من كل جانب.
فكان الإمام عليه السلام يشاهد في غربته الكبرى كل الآلام ويعيش كل المظلوميات كإبراهيم في لجة النيران وكموسى في رحلته إلى مدين وكعيسى في بني إسرائيل. وسافر مع الأمة أياماً طويلة وما زال باحثاً عن حملة الأمانة والأمناء ودعاة الإله البلغاء الذين يعرفون معنى الولاية ويؤدونها بروحها فهو حي ناظر وحاضر لا يُعرف مكانه ولا يُلاحق في تجواله حتى يأذن الله له بالخروج ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
لماذا سؤال يطرحه كل من يعرف عن غيبته. فلماذا غاب الإمام ولماذا لم يثر كجده الحسين عليه السلام فيستشهد هو وثلة من أصحابه؟ أو لماذا لم يصالح كجده الحسن عليه السلام، بل آثر الاحتجاب والغياب؟
والجواب يعرف من خلال ضرب هذا المثال: لنفرض أن بلدية إحدى القرى ركّبت مصباحاً ينير للناس الطريق، إلاّ أن أولاد القرية المشاغبين عمدوا إليه وكسروه. وفي اليوم التالي استبدلت البلدية المصباح المكسور بمصباح آخر، فما كان من نفس أولاد هذه القرية إلا أن كسروا المصباح الجديد. وهكذا تكرر هذا الوضع حتى بلغ إحدى عشرة مرة والأولاد لا يرتدعون عن كسر كل مصباح جديد فاضطرت البلدية أن تعلن لسكان القرية حبس المصابيح الجديدة عنهم كيما يهذبوا أولادهم. ومنذ إعلان هذا الأمر وطرقات القرية غارقة في الظلام لأن أهلها لم يسعوا إلى تهذيب أولادهم!
وشبيه لهذا المثال، لم يستطع البشر أيضاً أن يستفيدوا من تلك المصابيح المضيئة على سكان الأرض والحجج البالغة على أهلها، بل كسروها وحطموها واطفأوا أنوار الهدى في سفن حياتهم فتاهت في ظلمات الدنيا. والله تعالى من معدن لطفه ورحمته إلى عباده أمر وليّه الأعظم بالاحتجاب إلى يوم مشهود حيث تلتقي ثلة على فهم حقيقة الولاية، وتتحق بخروجه أهداف الإمامة الحقيقية التي بذل الحسن عليه السلام ماء وجهه ليحفظها، وقدّم الحسين عليه السلام دمه ليبقيها.
فهل عرفنا لماذا؟
* متى يكون الظهور؟ وهل يمكن أن يتحقق في أيامنا؟
إن عصر الظهور سر مخفي لمصلحة عظيمة. فلا نعرف توقيته وفي أية سنة سوف يتحقق ولكننا نستدل على ظروفه من خلال فهمنا لحقيقة دور الإمام والرجوع إلى الروايات الشريفة في هذا المجال. فنحن نؤمن بأن الإمام المعصوم هو الحجّة الإلهية على الناس يقوم بهداية الأفراد والمجتمعات إلى ساحة الكمال والرقي المعنوي الذي يكون في ظل الاتصال بالله عز وجل. والإمام عليه السلام يختار أفضل منهج وأعظم وسيلة لتحقيق الأهداف الإلهية المذكورة عبر إقامة الحكومة الإسلامية العادلة التي يرسم من خلالها البرامج الإلهية التربوية ولكن الحكومة الإسلامية لا تقام بدون رجال صالحين عارفين بالأهداف السامية ولا تستمر بدون الأمة الواعية المطيعة للإمام وامتبعة لتعاليمه. فتحقق الأهداف الإلهية موقوف على إقامة الحكومة الإسلامية. والحكومة الإسلامية متوقفة على القادة العارفين والأمة المطيعة الواعية. و﴿الله تعالى لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾.
وهذا هو الشرط الأول والأساس للظهور فإذا تم قامت الحجّة على الإمام وأمره الله تعالى بالظهور ليقود بأنصاره الأمة الواعية المنتظرة.
وهناك علائم عديدة جاء في الروايات أنها تكون مقدمة على الظهور يتعرف عليها المؤمنون ويستبشرون بها طالبين من الله تعالى خلاص البشرية بظهور منقذها.
* دولة الحق
يتّفق علماء الشيعة والسنّة على هذا الحديث الشريف المنقول بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي"... إذن فلا يوجد أدنى ريب أن ظهور صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف أمر حتميّ قضاه الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن ينقضي عمر الدنيا إلا إذا تحقّق هذا الأمر.
ولذلك فإن انتظار ظهور الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يختص بالشيعة فقط بل يشاركهم في ذلك أهل السنة حيث يروون من طرقهم الكثير من الأحاديث في هذا الباب.
ويقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر (مبيّناً كيف أنه يرى بوضوح ذلك العهد الذي تتكامل فيه البشرية وتصل إلى رقيّها المنشود): "المهديّ يبعث في أمّتي على اختلاف من الناس والزلازل" أي أنه يظهر في ظرف يكون فيه بين أفراد البشر اختلافات ونزاعات شديدة، ولا يقصد بالزلازل هنا الزلازل الأرضيّة الطبيعيّة، بل المقصود تلك الأخطار الناشئة عن الأعمال المنحرفة للبشر والتي تهدّد بتدمير الأرض تدميراً شاملاً. "فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً". من البديهيّ أن هذا العمل لن يتمّ بالإكراه والإجبار، بدليل الفقرة التالية من الحديث. "يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض"، أي أن حكمه سوف يُرض جميع الموجودات التي تقول يومئذ بلسان الحال: الحمد لله الذي رفع عنّا شرّ الظلم والجور نهائياً.
ثمّ يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "يقسّم المال صحاحاً" فيقول الأصحاب: وكيف ذلك يا رسول الله؟ فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: "يقسم بالعدل والسوّية". ويواصل صلى الله عليه وآله وسلم حديثه فيقول "ويملأ الله به قلوب أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم غنى، ويسعهم عدله" هنا إشارة إلى الغنى المعنوي، أي أن القلوب سوف تملأ بالصّفات العالية وتنظّف من الصفات الدنيئة كالبخل والطمع والحقد والحسد، وغير ذلك من الأشياء التي تشعر الإنسان بالفقر وإن كان جيبه مملوءاً بالمال.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في "نهج البلاغة" مشيراً إلى عهد الظهور: "حتى تقوم الحرب بكم على ساق (أي تشتد الحروب وتدوم ردحاً من الزمن)، بادياً نواجذها (أي مكشرة عن أنيابها كالسباع المفترسة، وذلك كناية عن كثرة الفتك والقتل بين الناس). مملوءة أخلافها (أي أثداؤها)، حلواً رضاعها، علقماً عاقبتها (أي أن تجار الحروب والانتهازيين يتوقّعون الفوائد العظيمة والمكاسب الكثيرة لأنفسهم من وراء تلك الحروب، ولكنهم في النهاية لا يجدون إلا طعم الخسائر المرّ كمرارة العلقم)، ألا وفي غدٍ، وسيأتي غد بما لا تعرفون (أي أعلموا أن المستقبل سوف يكون مليئاً بالأحداث التي لا تتوقعونها)، يأخذ الوالي من غيرها عمّالها على مساوي أعمالها (أي أن أوّل عمل يقوم به ذلك "الولي الإلهي" هو عزل الحكام الظالمين في الأرض واحداً بعد واحد. ونصب أعوانه الصالحين مكانهم فتنصلح الدنيا تبعاً لذلك)، وتخرج الأرض له أفاليذ أكبادها (أي كل ما أودع الله سبحانه فيها من الخيرات والمواهب والمعادن التي لم تخرجها حتى ذلك الوقت)، وتلقي إليه سلماً مقاليدها (أي أنه لن يبقى سرّ من الأسرار العلميّة المتعلقة بالأرض إلا ويكشف على يديّ المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فيريكم كيف عدل السّيرة (أي كيف تكون العدالة الحقيقية ويثبت بذلك زيف كل هذا الضجيج الإعلامي في العالم حول حقوق البشر والحريّة والسلام... إلخ)، ويحيي ميت الكتاب والسنّة (أي يعيد إلى الحياة قوانين القرآن والسنَّة النبويّة المحمّدية، التي بقيت متروكة ومهجورة مدّة طويلة من الزمن حتى كادت أن تندثر)".
ويقول عليه السلام في حديث آخر: "إذا قام القائم حكم بالعدل (لمّا كان لكل واحد من الأئمّة المعصومين عليهم السلام لقب يُعرف به بين الناس ويكون مشتقاً من صفة أساسية تظهر فيه أكثر ممّا تظهر في غيره، فإن الإمام المنتظر له لقب مأخوذ من صفة القيام أي النهوض والثورة، فهو يلقّب (بالقائم) أي أنه إذا ظهر فإنه سيعلنها ثورة مستمرة لا هوادة فيها ولا مهادنة إلى أن يصل إلى هدفه وهو إقرار العدالة في كل العالم، ولذلك فإنه عجل الله تعالى فرجه الشريف يعرف بصفتي القيام والعدل)، وارتفع في أيّامه الجور (أي تنعدم هذه الصفة الذميمة من بين الناس، وأمنت به السُبل (فعندما تقوم العدالة الحقيقية في العالم، تنعدم أسباب الخوف والقلق، ويعمّ الأمن أرجاء المعمورة)، وأخرجت الأرض بركاتها (هذه هي جائزة الله سبحانه للناس عندما يقومون بالقسط ويرضون بحكم العدالة)، ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا برّه، وهو قوله تعالى ﴿والعاقبة للمتّقين﴾".
وهكذا تتحدث الكثير من الروايات الإسلاميّة المتعلّقة بزمان الظهور عن السلام والوئام، وعن الأمن والإزدهار، وعن البركة والوفرة، وعن زوال الرذائل والمفاسد من الكذب والغيبة والنميمة والبهتان وما أشبه، وكل هذه الأشياء مبنيّة كما ذكرنا سابقاً على أساس فلسفة الإسلام الذي يرى بأن عاقبة البشريّة هي العدالة التامّة الشاملة ولكنّه لا يوافق الفكرة القائلة بأن تلك العدالة التي سوف تأتي تعني أن تفكير الإنسان سوف يصل إلى مرحلة يقتنع فيها بأن منفعته هي في حفظ منافع الآخرين. ففي ذلك الزمان الموعود تصبح العدالة بالنسبة للإنسان بمثابة محبوب يعشقه، وذلك عندما ترتقي روحه، وتصل تربيته إلى حدّ الكمال، وهذا لا يحصل إلا إذا وجدت حكومة مبنيّة على أساس الإيمان والتوحيد، ومعرفة الله، وتطبيق التعاليم القرآنية.
ولقد قيل بأن أفضل الأعمال هو انتظار الفرج، أي التفاؤل بمجيء الفرج الشامل والنّهائي. والسبب في ذلك هو أنّ هذا الأمر يرمز إلى المستوى العالي للإيمان بالله تعالى والثقة التامّة بوعده. جعلنا الله من المنتظرين الحقيقيّين لفرج إمام زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف، ووفّقنا لإدراك دولة الحق والعدل التي سوف تقوم بإذن الله على يديه الشريفتين.
من كتاب جولة في سيرة الأئمّة الأطهار عليه السلام
للشهيد مرتضى مطهّري
* ثورة ليست كباقي الثورات
في كل ذكرى يكبر الأمل ويزداد اليأس. أمل المستضعفين والمؤمنين ويأس المستكبرين والظالمين. فهذا المولود الجديد يطوي سني البلوغ والرشد ويزداد قوة وثباتاً، يحمل للمستضعفين بشرى الانتصار وللمؤمنين خبر حكومة الصالحين التي ما زالت تقف كالجبال الرواسي وتقطع دروب المواجهة الصعبة على خطى الإمام المقدس والثائر الأكبر، تستلهم من روحه عزيمة ومن فكره موقفاً. ولقد قال رضوان الله عليه: "إن ثورتنا تختلف عن كل ثورات العالم"، وقال في آخر وصية أمام مجموعة من مسؤولي حزب الله - لبنان: "عليكم بالاستفادة من هذه التجربة"، ولعل أكبر استفادة يمكن تحصيلها هي بمعرفة خاصية هذه الثورة التي قال عنها الإمام إنها ليست كباقي الثورات، لأن هذه المعرفة تساهم بشكل وافر في فهم حقيقة الرؤية الكونية الإسلامية والإطلاع على أبعادها العميقة.
* العقيدة والمذهب
خرج الشعب الإيراني الأعزل لمواجهة أشد الطواغيت تجبراً في هذا العصر، والتحم مع دبابات النظام بقبضات التحدي وشعارات الإسلام وهو يستعيد في ذاكرته ملاحم الإسلام العزيز الذي قدم أروع أنموذج للعدل والرقي المعنوي والقيم الإنسانية وأخذ يقدم شبابه على مذبح الحرية وهو يستحضر في وجدانه واقعة الطف والنهضة الحسينية العظيمة التي سطرها سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو وأصحابه وأهله والنساء. وكانت تلك المصيبة الكبرى أعظم ملهم للشعب الإيراني المسلم الذي كان يقف خجلاً أمام تلك الملحمة البطولية ويعترف بلسان العجز أن ما يقدمه لن يصل إلى معشار ما قدمه الحسين عليه السلام.
ولا نعتقد إن الشعب الإيراني أصبح ملهماً للثوار في كل العالم لولا هذه العقيدة التي كان يحملها ويبذل لأجلها الغالي والرخيص وخاصة في ظل أجواء قمع لم تشهدها الأمم من قبل.
يقول الإمام قدس سره في بيان له بمناسبة أربعينية شهداء المدرسة الفيضية:
"إن ذنبنا هو دفاعنا عن الإسلام واستقلال إيران إننا نتحمل الإهانات من أجل الإسلام... إننا ننتظر السجن والتعذيب والإعدام. ليرتكب النظام الجائر ما يحلو له من أعمال لا إنسانية، مثل تحطيم أيدي شبابنا وأرجلهم وطرد مرضانا من المستشفيات، وتهديدنا بالقتل، وهتك الأغراض، وتدمير مدارسنا العلمية وتشريد طيور حرم الإسلام من أوكارها".
وفي مكان آخر يقول: "... الوقت الآن عصر عاشوراء.. عندما استرجع أحياناً وقائع يوم عاشوراء، يتبادر في ذهني هذا السؤال وهو: لو أن حرب بني أمية وحكومة يزيد بن معاوية كانت مع الحسين لوحده إذن...".
* القيادة
من يريد التعريف على الثورة لا يمكنه ذلك بعيداً عن الإمام، بل إن الإمام قدس سره الشريف قد امتزج بمسيرة الثورة المباركة فصبغها بشخصيته النورانية وقيادته الحكيمة وصلابته الشديدة وشجاعته الكبرى، وكان قدوة للشعب الإيراني المسلم في جميع الميادين. لم يكن ذلك الشعب ليخرج في الخامس عشر من شهر خرداد هاتفاً "إما الموت وإما الخميني"، وهو الذي عمل الشاه على مسخه وحرفه عن هويته الحقيقية إلا لأنه شاهد رجلاً من سلالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحفيداً للائمة عليهم السلام وهو يقف لوحده مواجهاً الطاغوت الأكبر وأسياده المسكتبرين ولم يكن ليقدم أبناءه الأعزاء فداءً للدين إلا بعد أن شاهد الإمام وهو يقول بشأن شهادة ابنه العزيز السيد مصطفى: "إنها حادثة جزئية وغير مؤثرة... ونحن نواجه مشاكل كبرى ومصائب عظمى، فلا بد في مثل هذه الظروف أن لا نذكر شيئاً عن مصائبنا الخاصة".
لقد اجتمعت في هذه القيادة العظيمة كل صفات الإمام القدوة، وصار هذا الإنسان العظيم خزاناً كبيراً للمعنويات، يثبت بوقفته الصلبة أمة بأكملها لتواجه أعتى طواغيت الأرض. وفساد سفينة الثورة وسط بحر المؤامرات الهائج إلى شاطئ الأمان والانتصار. وكان هذا العامل من أهم عوامل ثبات الشعب المسلم في إيران.
* الشعب
في مناسبات عديد كان الإمام يؤكد على الأبعاد العظيمة والخصائص الفريدة للشعب الإيراني والتي لم تتوفر في أي شعب من شعوب العالم.
كان الإمام يشكر شعبه دائماً ويشيد ببطولاته وتضحياته فهو يقول:
"ينبغي أن نشكر أبناء الشعب الإيراني، لأن الشعب الإيراني شعب واع ومستيقظ. إنه شعب واع وصامد في مواجهة الظلم.. وهو رغم ما تعرض له من ظلم وقتل وإبادة قد صمد، وأن هذا الصمود سيعطي ثماره إن شاء الله...".
وفي الوصية الإلهية يقول: "أنا أدعي بجرأة أن شعب إيران وجماهيره المليونية في العصر الحاضر أفضل من شعب الحجاز في عهد رسل الله صلى الله عليه وآله وسلم وشعب الكوفة والعراق في عهد أمير المؤمنين والحسين بن علي صلى الله عليه وآله وسلم".
كانت هذه إشارات سريعة لأهم عوامل انتصار الثورة الإسلامية العظيمة التي ستبقى منارة ترشد سفن الثوار وتهديهم إلى شاطىء الحرية والاستقلال.
* بمناسبة أسبوع المقاومة الإسلامية
المقاومة التي جعلها الإمام حجة على العلماء في العالم
ترى سيدي، لماذا أصبح جهاد مسلمي حزب الله لبنان حجة إلهية على كل علماء الإسلام والمسلمين. وقبل أن تجيبني بالله عليك أخبرني عن حقيقة الحجة الإلهية ومعناها. فإنني أعلم أن الحجة هي الدليل والبينة الساطعة التي من أنكرها دخل النار ومن اعتصم بها أدخلته الجنة.
أعرف سيدي ما قاله لي يوماً أحد شهدائها الأبطال حينما كنت أزوره في مستشفاه وهو يعالج من إصابته السادسة، كان يقول بسخرية تعلوها الابتسامة: لقد شاهدتهم وهم يهربون كالخرفان، ولو بقي في جعبتي رصاصة واحدة لما أبقيت منهم أحداً.
لقد صدق هذا الشهيد حقاً حينما نثر بعد فترة من الزمن جسده الطاهر على ربي عاملة شوقاً إلى محبوبه، وبسرعة الأقدار تقدم إليهم تعلو شفتيه ابتسامة لقاء محبوبه وهو يرى بعد هنيهة أشلاءهم تتطاير في وديان سقر.
التفت سيدي قليلاً وجل ببصرك أرض صافي، ذلك الجبل الذي يهتز طرباً تحت أقدام المجاهدين وهي تتقدم على وضوء الفجر لتسحق هجوماً هناً وكميناً هناك. كنت أسمع معهم صرخات الصهاينة تتناقلها أجهزتهم الأمريكية المتطورة. حقاً... لماذا تضحك أيها الحاج جواد: ألإنّ هذه المعدات صنعت خصيصاً لتسهيل عليهم الفرار..
ولقد شاهدتهم مرة أخرى وقد دخلوا إلى حصن السويداء منتظرين عشرين دقيقة أمر السيد الجليل، فنام أحدهم قبل أن تبدأ رصاصات الثأر تحصد رؤوس استخباراتهم وهم يخرجون بإذن الله بأنفسهم الخبيثة من صياصيهم لأول الحشر.
ولقد عادت بي الذاكرة إلى الفتية الذين آمنوا بربهم فأصبحوا يتسابقون إلى الشهادة ويحجزون لأرواحهم مقاعد صدق عند مليك مقتدر.
فغمامة قد أظلّتهم تحت موقع الأعداء ليصلوا إليه على جناح الأمن والسكينة. وشاهد وأحدهم إمامه المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يخبره عما كان وسيكون ويصرّ عليه لأخذ الحذر والاستعداد. وغفا آخر ليتلقى من وليه الأعظم (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) تعليمات الهجوم.
وهناك في بلدة الهرمل البعيدة يخرج الشبّان في تشييع إخوانهم يكبّرون الله بعزيمة الاستمرار.
ثم يأتي من أقاصي البلدان رجالٌ يبحثون عن سر سلاحهم الجبار، فيدهشون لحفاة الأرض وفقراء الدنيا وهم يلطمون للحسين الشهيد عليه السلام أو لجنود الإمام الخميني قدس سره.
سيدي إنني مثلك أقف حائراً
سيدي أتدري لم هم حجة على العلماء في العالم.
16 شباط
شكر وتقدير
رائد البديري
2016-06-27 23:38:21
وفقكم الله واحسنتم وجزاكم الله خير جزاء المحسنين