مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أخلاقنا: العلمُ يزيّنُه الأدب(*)


الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره


أيْ بنيَّ وقرّة عينيّ، هذّب نفسك بالعلم والآداب وتقوى الله في شبابك، فإنّ مَن شبّ على شيء شاب عليه. واعلم أنّ لشبابك وصحّتك وفراغك حقاً لا يؤدّى إلّا بالعلم والعمل، واكتساب رضى الخالق، ومحبّة المخلوق، وعليك بالسكينة والوقار، والصدق والأمانة، والعفّة والإباء، والرفق في أمورك.


* تواضعوا للمعلّم والمتعلّم
أيْ بنيَّ، لا تقبضنّك الهيبة عن البحث والمناظرة، ولا يمنعك الحياء عن السؤال والاستقصاء، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "قُرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان"(1). وعليك بالسكينة والوقار، فقد قال عليه السلام: "تعلّموا العلم، فإذا تعلّمتموه فاكظموا عليه، ولا تخلطوه بضحكٍ ولا بلعبٍ فتمجّه القلوب"(2).
وعنه عليه السلام: "تعلّموا العلم وتزيّنوا معه بالوقار والحلم، وتواضعوا لمن تتعلّمون منه ولمن تعلّمونه..."(3).

* لا تتعلّم لتباهي ولا لتماري!
وأعظم ما يجب على طلبة العلم، تطهير النيّة، وتصحيحُ القصد، وابتغاءُ وجه الله تعالى في الطلب، ومجالسةُ الروحانيّين، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويحذرون بطشه. قال لقمان: "يا بنيّ، لا تتعلّم العلم لتباهي به العلماء، وتماري به السفهاء، وترائي به في المجالس، ولا تدع العلم رغبةً في الجهالة. يا بنيّ، اختر المجالس على عينك، فإذا رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم، فإنّك إنْ تكُ عالماً ينفعك علمك، وإن تكُ جاهلاً يعلّموك، ولعلّ الله يطّلع عليهم برحمة فتصيبك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنّك إن تكُ عالماً لا ينفعك علمك، وإن تكُ جاهلاً يزيدوك غيّاً، ولعلّ الله يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم"(4).

* آداب المفيد والمستفيد
أيْ بَنيّ، لا تَسَعُ هذه العجالة استقصاء الآداب والسنن التي لا بدّ لكم منها، فعليكم برسالة شيخنا الشهيد الثاني(5) -أعلى الله مقامه- في "آداب المفيد والمستفيد"، فإنّ فيها الشفاء من الأدواء كلّها، وبحياتي عليك إلّا عملت بما أوصيك، وأفهمت إخوتك ما كتبته لهم، واحفظني فيهم من حيث التربية والتعليم، ومن حيث الصحّة والراحة، ومن كلّ الجهات، ولا تحملوا أعباء الاهتمام بالرزق، فإنّه على الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا﴾ (هود: 6).

* ثلاثة آداب للمتعلّم
أيْ بَنيّ، إذا حضرتم لتلقّي الدرس عن أساتذتكم، أو إلقائه على تلامذتكم، أو البحث والتنقيب عن غوامض المسائل مع قرنائكم، أو مع من هو دونكم، أو أعلى منكم، فلا تكونوا في ذلك كالمستغني بما عنده، المعجب بنفسه، الطالب لعثرة يشيعها، أو هفوةٍ يشنعها، فإنّ ذلك فعل الأراذل الذين تزدري بهم الناس إذا حضروا أندية العلم، وتسقطهم من أعينها بمجرّد نطقهم، ويمقتهم الله لسوء مقاصدهم، ولا يفلحون أبداً. فجلوس هؤلاء في منازلهم أروح لأبدانهم، وأكرم لأخلاقهم، وأسلم لدينهم، وأقرب إلى رضى الخالق والمخلوق، فالتزموا -أي أفلاذ كبدي- بأحد ثلاثة أوجه:
- الأوّل: أن تصغوا إلى من يتكلّم في العلم بجوامع قلوبكم لتفقهوا ما يقول وأنتم ساكتون سكوت الجهّال، فتنالوا ثواب النيّة من الله تعالى والثناء عليكم بعد الفضول، وتحصلوا على كرم المجالسة ومودّة مَن تجالسون.
- الثاني: أن تسألوا سؤال المستفيد أو المفيد أو الناشد ضالّته، فتحصلوا على ما ذكرناه وزيادة.
- الثالث: أن تراجعوا مراجعة العلماء بأن تعارضوا المخاطب بما ينقض كلامه نقضاً يحكم به الإنصاف، فإن لم يكن عندكم غير الدعوى دليلاً وتكرارها سلاحاً فأمسكوا عن الكلام، فإنّكم لا تحصلون بكلامكم حينئذٍ على تعليم ولا تعلّم، بل على الغيظ لكم ولمناظركم، والعداوة التي لا يأمن العاقل منها على دينه ومجده.

* الاستفادة والإخلاص لله
أوصيكم بأن لا يكون غرضكم من المحاضرة والمناظرة والدرس والتدريس والكلام في مسائل العلم إلّا الاستفادة أو الإفادة مع الإخلاص لله في هذه العبادة، وإذا هجمت عليكم معضلة أو هجمتم على مشكلة، فاصبروا لحلّها صبر الأحرار، ولا يهولنّكم أمرها فتبلسوا، ولا تستصغروا فيها نفوسكم فتيأسوا، ولا تستخفّوا بها فيفوتكم العلم، بل أمعنوا النظر فيها، وإذا أُلقي عليكم سؤال، أو وقفتم على مسألة فلا تقابلوا ذلك بالمغالبة والمغاضبة، فإذا تبيّن لكم البطلان فاصدعوا ببرهان على ذلك مقبول، ولا تسرعوا إلى الردّ والقبول بغير برهان صحيح، فتظلموا بذلك أنفسكم، وتبعدوا عن العلم والفهم، وأقبلوا على المطالب العلميّة إقبال سالم القلب عن النزاع فيها والنزوع إليها.

* هذّبوها بالتقوى والاستقامة
أخلصوا لله في أعمالكم وطهّروا قلوبكم من مضمرات السوء، ولا تذكروا إساءة واحدٍ ممّن أساء إليكم، وإن استطعتم أن لا تخطر لكم في بال فافعلوا. اجعلوا العقل رقيباً على كلّ ما تخطّونه بأيمانكم، أو تلفظونه من أفواهكم، ولتكن أفعالكم كلّها وأقوالكم بأجمعها مطابقة للشريعة المقدّسة لتكونوا عدولاً، فإنّ أهل العلم إذا فقدوا العدالة كانوا من السقوط بما لا يمكن بيانه، أعاذكم الله من ذلك.
عليكم بأنفسكم، فهذّبوها بالتقوى والاستقامة، والعزّة والشهامة، ومكارم الأخلاق، ومحامد الصفات، ولا يسبقنّكم الأقران إلى الجدّ في الطلب، والبحث عن غوامض المسائل، والفوز ببرهان السبق في مضمار العلم، وارفقوا ببصري الطامح إليكم، وحقّقوا بمعونة الله تعالى آمالي التي علّقتها عليكم، فأنتم منتهى أملي، وأرجى ما أرجوه من عملي بعد انقضاء أجلي...


(*) مقتبس من موسوعة الإمام المقدّس السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره، وهي مجموعة رسائل ووصايا كان قد كتبها بيده الشريفة لأبنائه، وطُبعت في مجلة العرفان على دفعات.
1- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج1، ص5.
2- ميزان الحكمة، الريشهري، ص407.
3- جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، ج1، ص141.
4- بحار الأنوار، المجلسي، ج13، ص417.
5- الشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن عليّ العاملي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع