مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية: الأدب خير ميراث الأبناء


 مقابلة مع د. فاطمة زيبا كلام
حوار: جومانة عبد الساتر/ ترجمة: زينب رعد


عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: "خيرُ ما ورّث الآباءُ الأبناءَ الأدبُ"(1). وعنه عليه السلام: "إنّ الناس إلى صالح الأدب أحوجُ منهم إلى الفضَّة والذهب"(2). والعلم كما الأدب وراثة كريمة يحثّ أهل البيت عليهم السلام الآباء على توريثه لأبنائهم. فعن الإمام علي(عليه السلام): "لا كنز أنفع من العلم"(3)، لذا فإنّ الإسلام اهتمَّ بتكوين البيئة الاجتماعيَّة الصالحة كما أوجب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسعى لتكوين روابط اجتماعية بنّاءة. تحمل التربية الإسلامية مسؤوليَّة إعداد الطفل للعيش ضمن مجتمع إسلاميّ، فيعرف حقوقه وواجباته على المجتمع كما يعرف حقَّ المجتمع عليه. ويحسن الأداء في معاملة الأفراد والهيئات والمؤسسات الاجتماعيَّة ويشارك في النشاط والبناء والتغيير الاجتماعيّ. عن التربية الإسلامية الصحيحة، والطرق الحديثة في التعليم والتربية وكيفية التعامل مع الطفل أجابتنا الدكتورة في علم النفس التربويّ، فاطمة زيبا كلام من الجمهوريَّة الإسلاميَّة.

* كيف نعرّف مفهوم التربية والتعليم في الإسلام؟

إنَّ مفهوم التربية في الإسلام يهدف إلى تنشئة إنسان متكامل وعلى صُعدٍ متنوِّعة؛ جسدياً وعقلياً ودينياً، روحياً وعلمياً... والتعليم يرتبط بالمعرفة وتتعدّد أنواعه، فيه التعليم العلمي، والتعليم الأخلاقي... ومن واجب أيِّ مدرسة أن تُحيط التلاميذ بأنواع التعليم المختلفة، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة التي يمرُّ بها الطفل، والتي تحدِّد نوعيّة وكميّة العلوم التي يجب إعطاؤها بناءً على ما يقوله علماء النفس بخصوص كلِّ مرحلة من المراحل.

* ما هي خصوصية هذه المراحل؟
إنَّ المرحلة الأولى من التعليم ترتبط بالأمّ لطبيعة علاقتها واتِّصالها الدائم بالطفل (التواصل بالعيون، والتواصل الجسديّ)، وسواءً أعجبنا هذا أم لا، هي مرحلة الأمّ وليس الأب. وإلى جانب المعرفة، يجب تزويدهم بالقِيَم. وإذا كنت تتوقع من الولد أن يتصرّف بطريقة معيّنة سيتمرّد، فمن المهمّ أن توجّهه بطريقة غير مباشرة، خلال اللعب على سبيل المثال... هناك عامل أساسيّ يجب أن يَشعر به الطفل وهو الحبُّ والرعاية والاهتمام بنظافته وصحّته، كما يجب أن يشعر بالأمن والطمأنينة. بعد ذلك وفي مرحلة لاحقة، تبدأ الأم شيئاً فشيئاً بقراءة القصص الجميلة وتحضّره تدريجياً إلى مرحلة ثانية وهي الذهاب إلى الحضانة أو المدرسة بقراءة القصائد، والقصص واللعب سويّاً، ومشاهدة الأفلام المناسبة لعمره والابتعاد طبعاً عن مشاهدة العنف، فالأطفال كورقة بيضاء رقيقة جداً، أو كإسفنجة تمتصّ كلَّ ما يُصبّ عليها لذلك يجب أن لا تمتصَّ إلاّ ما هو جيّد.

* ما هي النصيحة التي توجهينها لكل من الأب والأم في تربية الأولاد في المراحل المتعدِّدة؟
من المهمّ هنا أن نهتمّ بهم، ونُمضي بعض الوقت معهم، يمكن أخذهم إلى حديقة جميلة أو منتزه أو المسرح... ويجب على الجدَّة أو العمّ أو العمّة أن يعطوا الطفل بعضاً من وقتهم أيضاً. علينا أن نقضي وقتاً أكبر مع أولادنا لكي يشعروا بالحبِّ الذي نكنّه لهم، فشراء الهدايا الثمينة لا يكفي. أحياناً يكون المشي سوياً أو الذهاب إلى المتاجر أفضل بكثير، بحيث يخلق رابطاً قويَّاً بين الأم وأولادها، وهذا أهمّ من كلّ الهدايا. "قوة الأصدقاء" لها تأثير كبير على الأولاد، فعادةً يُصغي الأولاد إلى الرفاق أكثر من الأهل، لذلك إذا أردت أن تنصح الولد بشيء فدع رفيقه يقله عنك. مع العلم أنَّه قد يكون لهذه القوَّة تأثيرها السلبي في نفس الوقت.

* هل من نصيحة للأم العاملة؟
من أهمِّ الأشياء، أن الأمّ عندما تعود من عملها يجب أن تذكّر الطفل كم هو مهمّ بالنسبة لها، وأنّ ذهابها للعمل هو من أجل مستقبله وحياة أفضل له لا لأجلها. وإذا فهم هذا سيقدّره ويشارك به ويتفهّم أمَّه أكثر.

* في لبنان تقوم بعض العائلات بإحضار الخادمات من الخارج، مثل بنغلادش، سيريلانكا، وأثيوبيا ويسكنونهنَّ معهم. ما هي خطورة أن يتأثّر الأطفال بثقافة الخادمة ولغتها؟
أنا لا أحبّذ فكرة أن تسكن الخادمة مع العائلة قبل أن يبلغ الطفل سبع أو ثماني سنوات. ففي السنوات الأولى – وهي المرحلة التعليميَّة الأولى – يجب أن تكون الأمّ وحدها مع الأولاد؛ لأنّ غير هذا سيولّد ارتباكاً لدى الطفل؛ فعندما يتحدَّث في وقتٍ معين من النهار بلغة الخادمة وفي وقتٍ آخر، أي عندما تكون الأم موجودة، يتحدّث بلغته، لن يُتقِنَ أيّاً من اللغتين، فعقله هنا يعمل في اتِّجاهين الأوّل للغة العربيَّة والآخر للّغة الأجنبيَّة. من الأفضل أخذ الولد إلى الحضانة وعدم الوثوق بأيِّ أحد، وأنا أدعو الأمّهات غير المضطرَّات للعمل بسبب الوضع الماديِّ إلى أن يَبقين في بيوتهنّ ويَهتممن بالأطفال.

* كيف يمكن المقارنة بين الطرق الغربية أو الأميركية في التربية وبين الأساليب الإسلامية؟
منذ خمسة وعشرين عاماً كانت الدول الأوروبيَّة والغربيَّة تحثّ النساء على العمل لكي يحقِّقن ذاتهنَّ، لكنهم لا يفعلون هذا اليوم؛ لأنّهم اكتشفوا أنّ الجيل الجديد الذين لم تجد أمَّهاتهم الوقت لتمضيته معهم، هو جيل عنيف جداً، فقد ارتفعت نسبة الجرائم بشكلٍ كبير. وقد تأكّد علماء النفس من أنَّ السبب الأساسي وراء هذا العنف هو عدم وجود الأمّ في المراحل الأولى والأساسيّة لنشأتهم. الآن تعطي هذه الدول القروض للأمهات لتحفيزهنَّ على البقاء بجانب أولادهنَّ. في واحدٍ من مظاهر العنف، كان بعض الشباب اليافعين يذهبون إلى البريد حيث يقبض كبار السنِّ رواتبهم الأسبوعيَّة فيقومون بسرقتهم، وكان دافعهم الوحيد التسلية أو تحقيق المتعة. "الحق في المتعة" هو اسم هذه الظاهرة، أي إنَّهم لا يسرقون المال أو السيارات لحاجتهم إليها بل من أجل إشباع حماسهم فقط، هذا لأنّهم لم يختبروا الحبّ ولم يعيشوه، ومفهوم الحب غير واضح في حياتهم لذلك لا يميّزونه، فيلجأون إلى الأعمال السيئة.. هذه الأيام يقوم الأهالي بشراء ألعاب الديجيتال لأولادهم مثل الـComputer وPlaystation وغيرها من الألعاب التي تُعلِّم العنف وهذا في غاية الخطورة؛ لأنَّ الأطفال انطباعيِّون جداً ويمتصّون العنف خلال هذا الوقت كلّه. منذ شهر تقريباً، قام شابان في الرابعة عشر من العمر في ألمانيا بسرقة عجوزين في سيارة وقتلهما. وعندما سألتهما الشرطة "ماذا فعلا لكما حتَّى قمتما بقتلهما؟"، قالا: "لم يفعلا أي شيء ونحن لا نعرفهما إطلاقاً، ولكن شاهدنا هذا في لعبة Playstation وأردنا أن ننفذ مثلها على أرض الواقع". هذه واحدة من المشاكل في العالم، فالتحكّم بالتكنولوجيا أصبح أمراً صعباً. أبناء جيلي وجيلكِ كانوا أفضل من أبناء اليوم، كانت تجمعهم روابط عائليَّة وثيقة، كنّا نقوم ببعض الأشياء سويّاً، نتحدّث، نمارس هواياتنا، نحتفل ببعض المناسبات، نستخدم طاقتنا أكثر... أنواع المشتريات التي يُطلق عليها اسم "Junk Food" سيئة للغاية؛ لأنّها تعطي شعوراً بالشبع بسبب المواد المكوَّنة منها، لكن الشباب اليوم أصبحوا مدمنين على هذا الطعام (فهذا عصر السرعة)، وهم لا يريدون التمتّع بوقتهم بشكلٍ أفضل، وهذا يخلق مشاكل كثيرة عندما يكبرون في السنّ.

* هل تتغيَّر الإرادة بين مرحلة وأخرى؟

بالطبع، قسّم العلماء التعليم إلى مرحلتين مختلفتين، بعضهم يقول إنّ المرحلة الأولى يجب أن تقوم على الحبّ والأمان. فعندما يدخل الولد إلى المدرسة ليتعلّم اللّغة، يجب أن يتعلّم بالحبِّ وبالمرح، أمّا عندما تُجبرين الطفل على الحفظ فيكون ردّ فعله سلبيَّاً ويكره المدرسة. بالنسبة للإسلام، إنّ أيّ عضو خلقه الله لنا له وظيفة معيَّنة، فالله أعطانا العينين لنرى، والأذنين لنسمع، واليدين لنلمس الأشياء، والعقل لنفكِّر وندرس، وعندما يتعلّم الولد هذه الأشياء بالطريقة الصحيحة سيتمتع بالتعلّم وباكتشاف النفس والعالم الخارجي...

* لماذا يكرهُ بعض الأولاد بعض المواد الدِّراسيّة؟
إنّ كره المادة سببه كره الأستاذ أو المدرسة أو الأستاذ والمدرسة معاً. فالتعليم متكامل ويجب أن تتكامل عناصره. فالحبّ هو كلّ شيء في الإسلام من البداية إلى النهاية، والله خلق فينا الحبّ لنعبده، ولنتعرّف إلى العالم فنعرفه أكثر.

* بماذا تنصحين للتعامل مع خجل أولادهم؟
يبدأ الأولاد عادةً بالخجل في سنّ المراهقة فترتفع ثقتهم بأنفسهم أو تنخفض بشكلٍ غريب، ويبدأون بالخجل من النظر إلى أجسامهم ومن كلّ محيطهم. لذلك يجب على الأهل ومنذ البداية أن يتكلّموا مع أولادهم عن هذه المرحلة والتغيّرات الجسديَّة التي سيمرّون بها، حتَّى لا يستغربوها عندما تحصل بل يتقبَّلوها ويفرحوا بها. وتقع على المدرسة والمدرّسين مسؤوليَّة كبيرة في هذا المجال بحيث يجب إعطاء هذا النوع من الأولاد أهميَّة أكبر وإشعارهم بالمسؤوليَّة (مثل توزيع الورق على الصف) حتَّى لا يصبحوا إنطوائيين. إذا كان الأولاد خجولين منذ البداية فهم معرّضون لأن يكونوا إنطوائيِّين. وهناك نوعان من الشخصيّة، انطوائية ومنفتحة. الأشخاص الانطوائيِّون يفضِّلون البقاء بمفردهم غالباً، لا يعبّرون عن أنفسهم وغالباً ما يكتبون، فهم يعانون من مشاكل نفسيَّة. كذلك التفكير الكثير وقلّة الحركة أمران سيئان. من هنا يجب أن يتعاون الأهل والمدرِّسون والأولاد لأجل تربية أفضل. وعلى الأهل أن يواصلوا معرفة نشاط أولادهم وتصرفهم في المدرسة كلّ أسبوعين حتَّى ولو كانوا جيّدين...

* ماذا عن الأولاد العِدَائيِّين الذين يرفضون الاستماع لأهلهم؟
أفضل الطرق أن تخبرهم أنّك إلى جانبهم ولست عدوّهم، يجب التحدَّث إليهم؛ لأنّهم سيفعلون العكس، يجب أن تبرهن لهم أنك لست العدوّ، ثمَّ حاول أن تكتشف سبب ما يقومون به والدَّافع لتصرّفاتهم حتّى تستطيع التعامل معهم.


1- عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص240.
2- م.ن، ص143.
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص19.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع