تقع مسؤولية تربية الأطفال على الوالدين بالدرجة الأولى. وهما يواجهان في ممارستهما لهذه العملية المعقدة الكثير من المشاكل التي تضطربهما أحياناً إلى التنصل من مسؤولياتهما والرمي باللوم على الظروف أو العوامل الخارجية، خاصةً إذا خرج الابن أو الابنة عن سلطتهما وبنى حياته بعيداً عن خط الالتزام.
ويستشهد الأهل لإظهار عدم مسؤولياتهما عن انحراف الطفل بنصوص من القرآن الكريم وسيرة الأئمة الأطهار سلام الله عليهم، كقصة نوح عليه السلام مع ابنه الذي خرج عن طاعة الله حتى وصفه تعالى بأنه "ليس من أهلك، أو يأتون على ذكر ابن الإمام الهادي عليه السلام الذي ادّعى المهدوية والإمامة.
في الواقع إن انحراف الطفل قد يحدث بعيداً عن تقصير الأهل وأفعالهم الاختيارية ونحن لا يمكننا أن نحتم ضرورة خروج الصالحين من الصالحين. وبتعير آخر، ليس هناك قاعدة علمية تؤكد بأنه ما دام الأهل صالحين فلا بد أن يكون الأولاد كذلك. ولكننا من جانب آخر نجد أن الإسلام يحدد للوالدين وظيفة القيام بالتربية الصحيحة والاعتناء السليم بأولادهم حتى يكونوا أفراداً صالحين في المجتمع الإسلامي. فأين يقع الاختلاف وكيف نفسر حدود هذه الوظيفة؟
بالتأكيد إن عملية التربية التي توصل صاحبها إلى الصلاح والكمال هي عملية خاضعة لقوانين ثابتة ومحددة ومجرد الالتزام بهذه القوانين يحتم الوصول إلى الهدف إلاّ أننا قد لا نستطيع أن نحيد بهذه القوانين لاعتبارات عديدة يقع أكثرها ضمن دائرة التقصير في عملية الاجتهاد والاستنباط من تعاليم المعصومين عليهم السلام. إذاً الحتمية في عملية التربية ثابتة ومحددة كغيرها من الظواهر العلمية في هذا الكون ولكن الظروف العديدة بالشكل الجزئي إلى خرقها، وفي هذه الحال فإن من المؤكد أن الأهل لن يكونوا مقصِّرين أمام المولى عزّ وجل.
وهكذا، فلكي نقوم بأداء التكليف الإلهي في تحمل مسؤولية التربية لأجل الوصول إلى تربية صحيحة ينبغي أن نسلك مقدمات هذه العملية، كما هو الحال بالنسبة إلى بقية الأوامر الإلهية، فنخرج بذلك عن حد التقصير والغفلة لندخل في ساحة براءة الذمة.
* مراحل تربية الطفل
لا بد في العملية التربوية من ملاحظة شروطها ومراحلها قبل القيام بالفعل، وهذا من المقدمات الضرورية لكل الوظائف الشرعية.
أمّا هذه المراحل فهي كالتالي:
1- تربية الذات وتهذيبها.
2- اختيار الأم أو الأب المناسبين.
3- رعاية آداب الزواج والإنجاب.
4- التربية في مرحلة الحمل.
5- مرحلة الأيام الأولى للولادة.
6- السنوات السبع الأولى.
7- من 7 سنوات إلى 14 سنة.
8- من 14 سنة إلى 21 سنة.
هذه المراحل سنقوم بشرحها على صفحات المجلة وسنختار لهذا العدد المرحلة الأولى.
مرحلة تهذيب النفس وإصلاحها تعني أن يقوم الأهل بتربية أنفسهم قبل القيام بتربية أولادهم. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من نصب نفسه للناس مؤدِّباً فليبدأ بتأديب نفسه".
وقال عليه السلام: "معلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم".
ويمكننا أن نفهم عدة نقاط في هذا المجال:
النقطة الأولى: لا يقع التأثير المناسب لتربية الآخرين وتهذيبهم إذا كان صادراً ممن لم يهذب نفسه، بل قد يؤدي هذا الأمر إلى حدوث الأثر المعاكس تماماً ويصبح التأديب عندها استهزاءً والمربي فاقداً للهيبة والاحترام.
النقطة الثانية: إنّ عملية التربية تتطلب قدرة مميزة وسلوكاً خاصاً من المربي. وبتعبير آخر تربية الأولاد وتأديبهم هي مسألة عملية أكثر منها نظرية وفي معظمها تخرج عن إطار المحاضرة والتدريس. وهذا الأمر يتطلب من المربي أن يكون قد تخلق واتصف بالصفات الحميدة.
وإلى هنا نكون قد أشرنا بشكل عام إلى دور المرحلة الأولى التي لا تختص فقط بتربية الأولاد وإنما هي مرحلة شاملة لحياة الإنسان ومصيره، وبدون عبورها بنجاح لا يمكن أن تتحقق السعادة الفردية أو الاجتماعية أو الأخروية.