رُلى مهدي
لطالما حفلت البشرية بأعلام هزت أركان التاريخ، وتركت أكبر الأثر على صروح الحياة وخلّفت وراءها بصمات أغنت تراث الإنسان فغدت خالدة تكبر مع كل جيل وتتناقلها العصور والأماكن. هي شخصية إسلامية فذة تألقت في سماء الشجاعة الحيدرية فغدت رمزاً للبطولات وعنواناً للتضحية والفداء، هو العباس بن علي عليه السلام.
* نسبه:
ليس في دنيا الأنساب أشرف من نسب العباس بن علي فأبوه سيد الكونين، وسيف اللَّه الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام. وأما أمه فهي السيدة الجليلة فاطمة بنت حزام بن خالد (أم البنين) التي كانت من الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وكان لها مكانة كبيرة عند أهل البيت عليهم السلام.
* ولادته:
استهلت فاطمة بنت حزام مشاعر الأمومة بولادة سيدنا المعظم أبو الفضل العباس عليه السلام فأشرقت يثرب بأنوارها وملأت الأرجاء زغاريد الفرح والحبور تتوج سماء الدنيا بمجد خلّد الهاشميين، بقمر أضاء الأسرة العلوية. فقد "كان الرابع من شعبان سنة 26هـ" عيداً مميزاً استبشر فيه أمير المؤمنين بالولادة الميمونة فسارع يقبّل قمر العشيرة ويؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في اليسرى حيث تجذر هذا اللحن الخالد في روحه وسرى في دمه فتبنَّى الدعوة إلى الإيمان في مستقبل حياته وتقطعت أوصاله في سبيلها.
* تسميته:
العباس يا له من اسم تقشعر له الأبدان وتهتز عند سماعه النفوس وتخفق عند التفوه به القلوب. لا شك أن سيد الكلام علي عليه السلام اختار اسم "العباس" لغاية استشفها من وراء الغيب، حيث لاح أمامه عبوساً في وجه المنكر والباطل ومنطلق السمات في وجه الخير وبطلاً من أبطال الإسلام. "فكلمة عباس في اللغة تعني الأسد الذي تفرّ منه الأسود أو الكثير التهجم والعبوس". وصدق الشاعر حين قال فيه: "عبست وجوه القوم خوف الموت والعباس فيهم ضاحك مبتسم"
*كنيته وألقابه:
عُرِف العباس بكنيتين مشهورتين: أبو الفضل حيث رافقته صفة الفضل منذ الصغر وأما الكنية الثانية فهي "أبو القاسم" "وذلك نسبة إلى ابنه القاسم الذي استشهد معه يوم الطف". أما ألقابه فكانت متعددة وتحل خصاله وصفاته وليس من المستغرب أن تشغل آثار العباس الخالدة عقول وقلوب الناس لينادونه بفضائله وسماته. وألقابه هي: قمر بني هاشم السقّاء بطل العلقمي حامل اللواء كبش الكتيبة العميد حامي الظعينة باب الحوائج.
* الصفات الأخلاقية والنفسية للعباس:
لا عجب في امرىء ارتضع حليب الإيمان وحب اللَّه وسكنت أذنيه أنغام التسبيح والتهليل والتكبير، وترعرع ضمن سلالة تصبح على ذكر اللَّه وتمسي على عبادته والتضرع له. لا عجب أن يظفر بمكونات تربوية صالحة ترفعه إلى مستوى العظماء والمصلحين الذين غيّرُوا مجرى تاريخ البشرية عبر التضحيات الهائلة في سبيل انقاذ البشرية من الذل والعبودية.
الشجاعة: العباس والشجاعة توأمان لا ينفصلان حيث لازمته هذه الصفة مدى حياته وبعد مماته لأنه ورثها عن أبيه أشجع إنسان في الوجود وأيضاً من أخواله الذين عرفوا بالشجاعة في سائر الأحياء العربية. وخير دليل على شجاعته نجده في واقعة كربلاء حيث كان يشكل وحده خطراً داهماً على الأعداء "فأخذوا يمنونه بإعطائه القيادة العامة إذا تخلى عن مساندة أخيه فهزأ منهم العباس وازداد تصلباً في الدفاع عن عقيدته ومبادئه".
الإباء: كيف لا وهو الذي بذل جلّ ما يملك لأجل أن لا يعيش ذليلاً في ظل الحكم الأموي الجائر، ولأجل أن تظل راية الإسلام مرفوعة بعزَّة الحسين وأهل البيت؟! وخير دليل على إباء أبي الفضل وعزَّة نفسه، قصة الأمان الذي طلبه خاله عبد اللَّه ابن أبي أعمل الكلابي وشمر بن ذي الجوشن الكلابي الضبابي من يزيد عندما أصرّ على قتل الحسين عليه السلام فطلبا منه الأمان لبني أختهم العباس وإخوته فأرسلاه مع مولى له يقال له "كزمان" فلما قَدِم على العباس وإخوته كان جوابهم: أقرِئ خالنا السلام وقل له لا حاجة لنا في أمانكم...
وإضافة إلى كل هذه الصفات الجليلة كان العباس مثالاً خالداً للوفاء وقدوة يحتذى به في الصبر والإيمان وقوة الإرادة والرأفة والمواساة والكرم. يقول فيه الإمام زين العابدين عليه السلام: "رحم اللَّه عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قُطِّعت يداه فأبدله اللَّه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة وأن للعباس عند اللَّه منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة".
(1) باقر شريف القرشي، العباس بن علي، دار الأضواء، ط1409 -1هـ 1989م.
(2) الشيخ عبد الواحد المظفر، بطل العلقمي، ج2.
استشهاد الاحبة.
عبده
2021-08-10 21:25:14
اننا والله لموت احبتنا لمحزونون وعزاءنا انهم في الجنة واعداءهم في النار الا سحقا للظالمين. أعيننا تبكي لحبهم وقلوبنا تدمع كلما تذكرناهم اللهم الحقنا بهم مؤمنين .