ظافر قطيع
بقيّة الآباء وآخر المهاجرين، هو عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العباس بن عبد المطلب بن هاشم وأمه نُتيلَة بنت جناب بن كليب. وهي أول عربيّة كسَتِ البيت الحرير والديباج وأصناف الكسوة. وسببه أن العباس ضاع وهو صغير فنذرتْ إنْ وجدته أن تكسو البيت فوجدته، ففعلت، وكان العباس أسَنَّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث سنين(1).
*إسلامه
أسلم العباس قبل الهجرة وكان يكتم إسلامه. وكان بمكة يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبار المشركين. وكان من المسلمين من يتقوون به ويكون لهم عوناً على إسلامهم. وحين أراد الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مُقامك بمكة خير"(2).
قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلَنا أهل البيت فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل -أي زوجة العباس- وأسلمتُ(3).
*مكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعظّمه ويكرمه. فقد كان العباس في الجاهلية رئيساً في قريش وإليه كانت عمارة المسجد الحرام حيث لا يدع أحداً يَسُبّ في المسجد الحرام ولا يقول فيه هُجراً، أي فحشاً من القول.
كان العباس وَصولاً لأرحام قريش، محسناً إليهم، ذا رأي سديد وعقل غزير، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفاً وأوصلها" وقال: "هذا بقية آبائي"(4).
*رعايته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة
بعد وفاة أبي طالب عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأذى ما لم تكن تناله منه في حياة عمّه أبي طالب، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبيّ مرسل ويسألهم أن يصدّقوه ويمنعوه حتى يبيّن لهم الله ما بعثه به. وكان ممن استجاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأوس والخزرج، فلّما قدِموا إلى الحج تواعدوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للقائه في العقبة، فلما اجتمعوا في الشِّعَب ينتظرون لقاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءهم الرسول ومعه عمّه العباس بن عبد المطلب، وكان يُظهر أنه على دين قومه، فحضر اللقاء ليتوثّق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من القوم، وقد كان من كلامه معهم:
"إنكم قد دعوتم محمداً إلى ما دعوتموه إليه ومحمد من أعزّ الناس في عشيرته يمنعه والله من كان منا على قوله ومن لم يكن منا على قوله منعة للحسب والشرف... فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة فإنها سترميكم عن قوس واحدة فارتؤوا رأيكم.. فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوْتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحمّلتم من ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه"(5).
فأجابوا بخير جواب فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما أجابوا والعباس بن عبد المطلب آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤكّد له البيعة تلك الليلة على الأنصار. وقد كان حريصاً على المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنصحهم مخاطباً: "يا معشر الأنصار أخفوا جَرْسكم فإنّ علينا عيوناً... ثم إذا بايعتم فتفرّقوا إلى محالّكم واكتموا أمركم"(6).
*وقوعه في الأسر يوم بدر
كان العباس بن عبد المطلب يهاب قومه ويكره خلافهم، وكان يكتم إسلامه، وكان له مال متفرّق في قومه، فلما خرجوا إلى بدر خرج معهم ولم يكن يريد قتال المسلمين. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: قد كان من كان منّا بمكّة من بني هاشم قد أسلموا فكانوا يكتمون إسلامهم ويخافون يظهرون ذلك فرَقاً -خوفاً- من أن يثب عليهم أبو لهب وقريش فيؤذونهم(7). ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه يوم بدر: من لقي منكم العباس وطالباً وعقيلاً ونوفلاً فلا تقتلوهم فإنهم أخرجوا مكرهين لا حاجة لهم بقتالنا. لذلك كان العباس يوم بدر كأنه الصنم فلما أسره أحد أصحاب رسول الله، وكان رجلاً مجموعاً -أي ليس بالضخم- وأما العباس فكان رجلاً ضخم الجسم قوي البنية فلم يجد صعوبة في أسره وشدّ وثاقه.
*هجرته إلى رسول الله
كان العباس بن عبد المطلب يستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الهجرة إلى المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له: يا عمّ أَقِم مكانك الذي أنت به فإنّ الله تعالى يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة(8).
ولما كان النبي في غزوة خيبر ورد خبر مكذوب إلى أهل مكّة أنه قد نال المشركون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحْبِه، فحزن العباس وساءه ذلك، إلى أن جاءه الخبر بسلامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفتح خيبر فَسُرَّ بذلك العباس ولبس ثيابه وغدا إلى المسجد فدخله وطاف بالبيت وأخبر قريشاً بالأمر فكبت المشركون، وساءهم، وسرّ ذلك المسلمين الذين بمكة وأتوا العباس فهنّؤوه بسلامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم خرج العباس بعد ذلك فلحق بالنبي بالمدينة(9).
ويروي ابن هشام أن العباس لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجحفة مهاجراً بعياله، وقد كان قبل ذلك مقيماً بمكة على سقايته ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه راض(10). وكان ذلك ورسول الله متوجّه مع المسلمين يريد فتح مكة في العام الثامن للهجرة. وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة.
*موقفه في حنين
في يوم حنين أحيط بالمسلمين فانكشفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولّوا الأدبار ولم يبقَ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. وقد روى الزهري عن كثير بن العباس عن أبيه العباس بن المطلب قال: "إني لمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذ بحكمة [لجام] بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرءاً جسيماً شديد الصوت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حين رأى من الناس ما رأى: أين أيها الناس؟ فلما رأى الناس لا يلوون على شيء، قال: يا عباس اصرخ "يا معشر الأنصار يا أصحاب السَّمرة". فناديت: يا معشر الأنصار يا معشر أصحاب السمرة قال فأجابوا أن لبيك لبيك.. فيذهب الرجل منهم.. ثم يؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة رجل استقبلوا الناس فاقتتلوا... فأشرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ركابه فنظر مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال: الآن حمي الوطيس"(11).
1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، ج3، ص164.
2- م.ن، ج3، ص110.
3- المستدرك، النيسابوري، ج3، ص323.
4- أسد الغابة، م.س، ص165.
5- السيرة النبوية، ابن هشام، ج2، ص55.
6- الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج4، ص322.
7- م.ن، ص323.
8- أسد الغابة، ج3، ص165.
9- الطبقات الكبرى، م.س، ص327.
10- السيرة النبوية، ابن كثير، ج3، ص543.
11- تاريخ الطبري، م.س، ج3، ص75.
12- الاستيعاب، ابن عبد البر، ج2، ص815.
13- الغدير، الأميني، ج7، ص301.