مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

من مئذنة العباس عليه السلام.. جرحانا


حسين منصور(*)

إذا ذكرنا زمانهم، فإنّ عجلة زمانهم ما زالت تدور. تدور في بيان اللّيل، ووضوح النّهار، وفي تحديد أهمّ فصول الحياة، فأوقات تهجّدهم تملأ شمسنا، وصلاتهم الوسطى يقيمونها في فصلين: فصل القَبْل، وفصل البَعد، وما يجري مجراهما في شدّة الأيام ورخائها، وخصْبها وجدبها، وما يتعلّق بها. لو حدّقت ممعناً لوجدتهم في أسماء الهلال، وأسماء الأوقات، وأسماء الأفعال المفتوحة على الألم، لكنّ أجمل أسمائهم: جراح المطر بين الرعود والبروق والصواعق، وبينما تطير الجراح في قلب السحب، تستجلب قوس الله فيسوق منها القوارب إلى ليلة البدر، ليلة قمر بني هاشم.

ماذا يقول الأمين على هذه الجراح السيد حسن نصر الله (حفظه الله) عن الجرحى، شهدائنا الأحياء؟ ولماذا اتّخذ يوم ولادة أبي الفضل العباس عليه السلام يوماً للجريح؟ في هذه المقالة، كلماتٌ ذات شجون تحدّث بها سماحته في هذا اليوم... عن الجرحى.

* ولادة يوم الجريح
العبّاس عليه السلام "ذلك الشاب الجميل، تحوّل بفعل إيمانه، وسيرته، وجهاده، إلى عنوان كبير، ورمز للوفاء والبصيرة، والإيثار والصبر، والطاعة والثبات على الموقف حتى الشهادة، وأصبح أمثولة للمجاهد الذي لا توقفه الجراح القاسية عن مواصلة المهمّة نحو الهدف"(1).

فالجرحى هم الشهداء الأحياء، كما قال سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله؛ هؤلاء طعمهم كطعم شهر شعبان، شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، شهر الولادات الكريمة والمباركة للأئمّة عليهم السلام، فلا نعجب إنْ حصلت ولادة يوم الجريح يوم ولادة أبي الفضل العباس في الرابع من شعبان، "وأن يكون يوماً لجرحانا، بل هو يوم كلّ جريح"(2)، حمل عشقه إلى الله، ولم يتطلّع أبداً إلى وحول البشر، وكان إصرار الجريح عظيماً على الحضور في كلّ الساحات. "لقد اتُّخذت ذكرى ولادة أبي الفضل يوماً وعيداً لكلّ من قدّم جراحاً في سبيل الله، وفي سبيل القضايا المقدّسة، وفي سبيل الأمّة، وفي معركة الدفاع عن الحقّ، وعن المقدّسات، لا مكان للحياد -في هذه المعركة- هكذا كان الشرفاء والعظماء وأهل الحقّ طوال التاريخ"(3).

* رسائل الجراح

رسالة الجرحى في يوم الجريح، هي رسالة معنويّة، ورسالة نفسيّة، ورسالة تاريخيّة "هي شهادة حيّة... أرادها الله لكل الأجيال، شهادة حيّة على وقائع تاريخيّة، وعلى وقائع ميدانيّة وعلى أحداث حصلت في الحدّ الأدنى منذ العام 1982م. إنّ جراحات [كل جريح] لها قصّة، هذا أين ذهبت يده، وذاك أين قطعت رجله، أو أين فَقَد عينيه، أو أين أصيب بشلل نصفي أو بشلل كلّي، وهذا أين أصيب بهذا الجانب من جسده، أو ذاك الجانب. إنّ كلّ جرح من جراحكم يحكي عن اقتحام موقع، أو تصدٍّ لعدوان، عن زرع عبوة هنا، أو كمين هناك... فهذه القصص والحكايات يجب أن تُدوّن، ويجب أن تُكتب، ويجب أن تتناقلها الأجيال"(4). هكذا أوصى السيد نصر الله، فهذه الأجساد والأجسام أورقت دماء، وهؤلاء الجرحى هم روّادٌ للحكايات في أسواق العرب المنفّرة والتائهة في السراب، ولا، لن نسمح بأن يُزوّر تاريخ جرحانا أو أن يُنسف، أو أن تحرّف الحقائق وتُقلب على أعقابها.

* القدرة العجيبة
"الأخ الجريح، والأخت الجريحة، بما بقي لديكم من طاقة وإمكانية، مودعةٍ من قبل الله سبحانه وتعالى، وبقدر هذه الطاقة هناك مسؤوليات ملقاة عليكم، ويمكنكم أن تقوموا بها وأن تؤدّوها، معنويّاتكم وإرادتكم وصلابتكم، لم تستطع كلّ الجراح، وكلّ صعوبات العيش مع هذه الجراح أن تمسّها أو أن تنال منها، فكنتم دائماً أهل الحقّ، ورجال الحقّ، في موقع الحقّ، والناصرين للحقّ"(5).

* جرحى الله
الجريح يعود إلينا، وقد تحقّق جزء من أمنيته، وجزء من آماله، لكن "فكما إنّ الشهداء هم شهداء الله، فإن الجرحى هم جرحى الله، هم ينتسبون إليه كما ينتسب إليه عباد الله الصالحون"(6). وفي مفهوم الإسلام، الشهيد لم يمت، وإنّما انتقل من حياة إلى حياة، فإنّ الجريح قد انتقل أيضاً من حياة إلى حياة، وجراحه هي "ختم من الله يعطيه هذه النسبة الجديدة، وهذا الموقع الجديد، وهذه الدرجة الجديدة، بالتالي له مكانته وكرامته عند الله سبحانه وتعالى. والجريح يجب أن يدرك ذلك، وعائلته يجب أن تدرك ذلك، ومجتمعه ومقاومته أيضاً"(7).

*الجراح لغة المسؤولية
في يوم الجريح، يوم الصلصال والطين، تبرز الجراح كثمن للجهاد والانتصار، وعنوان للوفاء، الوفاء للبيعة، والأمل لقيام الأمة ونهضتها. هو يحدّث الناس عن جناحي جعفر والعباس، وعن كعبة عليّ، ومئذنة الحسين عليه السلام، هو يلوّح بجراحه بلغة الحقيقة في وجه من تسلّطوا على رقاب الأمّة، وباعوا أقداسها في أسواق النخاسة.

لنلاحظ معاً كيف يفهم أولياء الله تكليفهم وبيعتهم، وقدرتهم، وتفكيرهم، طالما لديهم الطاقة لذلك، في أي موقع من مواقع الحياة، وأيّ حدثٍ من أحداثها: "كانت مهمة الدعم الأخيرة لأبي الفضل العباس، هي إيصال الماء إلى الحسين عليه السلام، وإلى حرم الحسين عليه السلام... قُطعت يده اليمنى ولم يتوقّف، وواصل العمل، قطعت يده اليسرى ولم يتوقّف، سقط سهم في عينه فانطفأت، ولم يتوقّف، وواصل العمل، وانطفأت العين الثانية ولم يتوقّف إلى أنْ سقط عن الفرس... فنادى مودّعاً: السلام عليك يا أبا عبد الله"(8). وبهذا النداء الذي يجذب النفوس والعقول والإرادات، نداء الإخلاص الخالص لوجه الله تعالى، كانوا كما أرادهم الله، لم يتركوا كربلاء أو يغادروها بحثاً عن الأمان والسلامة، لا يريدون شيئاً من حطام هذه الدنيا الفانية، وإنْ شاء الله لن يضيع أجرهم أبداً، ما داموا يسيرون أمام كربلاء، ويحملون رايتها، وهذا ما فعلوه، وهذا ما يفعلونه، فدورهم في الفصل المعنوي هو دور العباس عليه السلام "الذي هو قدوتنا، وأسوتنا، وعنواننا ورمزنا... جُرحتم وصبرتم، وما زلتم تواصلون المسير"(9). يقول السيد إنّهم لم يتوقفوا، بل أسسوا ركيزة متينة للصمود والصبر والتضحيات، "فكلامك -أيها الجريح- يتأثّر الناس به، ويتفاعلون معه... لأنّك من الذين فعلوا، وقاتلوا، وقاوموا، وجاهدوا، وضحَّوا، ووصلوا، وأُعطوا وسام الجراح. بالتالي أنت لديك مصداقيّة أكثر منّا، ومسؤوليّتك باستنهاض الناس، وتثبيت الناس، وتحريك الناس، وإرادة الناس، هي مسؤوليّة عالية جداً... دماؤكم، وجراحكم صنعت إنجازات عظيمة، ويجب أن تَحفظوا إنجازات دمائكم، وجراحكم، بألسنتكم، وأصواتكم، وكلماتكم، وبمشاعركم الصادقة"(10).

* الجرحى راية الإنسانيّة
جراحهم هي إعلان صريح وواضح، ورمز للخروج من الدائرة الفرديّة الضيّقة التي لا تدلّ سوى على الاستسلام، والركون إلى المبرّرات والأعذار، لكنّهم – بحمد الله- قرّروا الخروج إلى الدائرة الأوسع على امتداد الوطن كلّه والأمّة كلّها، والإنسانيّة جمعاء.

جراحهم هي التهديد الحقيقي، والخطر الحقيقي في معركتنا ضد العدوّ الصهيوني، والعدوّ التكفيري، هم الشهود الصادقون، والإعلام المتنقّل الذي نراه بأمّ العين، والذي يرشدنا إلى حقيقة هذا العدو، لذا "فإنّ الإخوان الذين ما زالوا يستطيعون المشاركة فليشاركوا بأيّ مستوى من المشاركة"(11). بهذا الكلام يحدّد سماحة السيد خطوات أساسيّة في مسيرة الجرحى، بأن لا يجعلوا جراحهم عيوباً، ليضعوها كعراقيل في طريقهم، وأن يضعوا القضايا الاعتبارية جانباً، فهم الذين تسكن جراحهم في قلوبنا، وفي وجودنا وكياننا، ولن تزيدنا إلا عزماً وإرادة وصموداً، ومعها سوف نزيح العتمة، ونضع الضوء على أعتاب السيف، ليجلجل في الأيدي المقطوعة والأرجل المفقودة، والعيون التي انطفأت، فلن تفزعهم الجراح؛ لأنّها استوطنت ها هنا بانتظار اليوم الموعود، يوم النصر الأكبر، يوم بقية الله في الأرضين، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.


(*) محقق ومحرر، ومدقق لغوي في ملف التحقيق والدراسات لجمعية إحياء التراث المقاوم.
(1) من خطبة لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (حفظه الله) في يوم الجريح، الجمعة 14 حزيران 2013م.
(2) (م.ن).
(3) السيد نصر الله 16/7/2010م.
(4)14 حزيران 2013م.
(5) 16/7/ 2010م.
(6) 12/5/2016م.
(7) 12/5/2016م.
(8) 16/7/ 2010م.
(9) (م.ن).
(10) 112/5/2016م.
(11) 112/5/2016م.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع