الشيخ تامر محمد حمزة
"عقيل ابغني امرأةً قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً".
هذا ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام إلى أخيه عقيل الذي كان عالماً بأخبار العرب وأنسابهم، فأجابه: "أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس؟". وروي أن زهيراً حدّث العباس في كربلاء قائلاً له: اعلم أبا الفضل أن أباك أمير المؤمنين عليه السلام لمّا أراد أن يتزوّج بعث إلى أخيه عقيل ..... ولما سُئِل عن علّة ذلك أجاب عليه السلام: لكي أصيب منها شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا وأشار إلى الحسين عليه السلام ليواسيه في طفّ كربلاء, وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصّر عن حلائل أخيك وعن أخواتك... فأجابه بقوله: يا زهير تشجّعني في مثل هذا اليوم؟ والله لأرينّك شيئاً ما رأيته قط(1). هو العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام. ولد عام 26 للهجرة. أمه فاطمة بنت حزام. إخوته الحسنان عليه السلام وعبد الله وجعفر وعثمان. وأختاه العقيلة زينب وأم كلثوم. عاصر أخاه الحسين عليه السلام 24 سنة. لمّا استشهد أبوه كان عمره أربعة عشر سنة. وكان عمره عند استشهاده 34 سنة.
* شمائله وصفاته
لقد ذكروا له في ترجمته ست عشرة كنية ولقباً، منها: أبو الفضل، وقائد الجيش، والحامي، والكفيل، وظهر الولاية والإمامة(2)، ولكل منها سبب ومناسبة تتصل له بنحو من الاتصال. كان أبو الفضل رجلاً وسيماً جسيماً جميلاً يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض(3). وهذه العبارات تكشف لنا عن قامته الطويلة. وأما جماله فقد شُبِّه وجهه بالقمر لأنّه كان أجمل رجالات بني هاشم. وأما صفاته فقد تحلّى وبحسب ما ورد عن الإمامَين السجاد والصادق عليهما السلام بالشجاعة والإيثار والتضحية وصلابة الإيمان، وكان ذا بصيرة نافذة.
* إلى كربلاء
روى عبد الله بن سنان الكوفي عن أبيه عن جده قال: خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام وهو بالمدينة، فأتيته فقرأه فعرف معناه، فقال: انظرني إلى ثلاثة أيام، فبقيت في المدينة ثم تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجه إلى العراق فأتيت داره ورأيت الخيل مسرجة, والرجال واقفين, والحسين عليه السلام جالس وبني هاشم حافّين به وهو بينهم كأنّه البدر ليلة تمامه وكماله ورأيت نحواً من أربعين محملاً... وبينما أنا أنظر وإذا بشاب قد خرج من دار الحسين عليه السلام وهو طويل القامة وعلى خدّه علامة ووجهه كالقمر الطّالع وهو يقول: تنحّوا يا بني هاشم! وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجران أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد حفّت بهما إماؤهما فتقدم ذلك الشاب إلى محمل من المحامل وجثا على ركبتيه وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما، فقيل: هما زينب وأم كلثوم بنتا أمير المؤمنين عليه السلام، فقلت: ومن هذا الشاب؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العباس ابن أمير المؤمنين عليه السلام..(4).
* لعن الله أمانك
تولى أبو الفضل العباس في كربلاء، وفي ساعات العسرة، سقاية الجيش والأطفال. ولما كان يوم التاسع من المحرم قال عبد الله بن أبي المحل الكلبي لعبيد الله بن زياد: إن بني أختنا مع الحسين عليه السلام فإن رأيت أن تكتب لهم أماناً, قال: نعم ونعمة عين!! فأمر كاتبه فكتب له أماناً... وجاء الشمر لعنه الله حتى وقف على أصحاب الحسين عليه السلام وقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العباس وجعفر وعبد الله وعثمان بن علي بن أبي طالب عليه السلام, وقالوا له: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني أختي آمنون. فقال له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟(5).
* شهادته ومقامه يوم القيامة
وفي شهادته قال الشيخ المفيد: حملت الجماعة على الحسين عليه السلام فغلبوه على عسكره واشتد به العطش, فركب المسنّاة(6) يريد الفرات وبين يديه العباس أخوه, فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم وقال لهم: ويلكم حُولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء، فقال الحسين عليه السلام: اللهم أظمئه... وأحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عنه, وجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رضوان الله عليه، وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي بعد أن أثخن بالجراح فلم يستطع حراكاً(7). وعن مقامه يوم القيامة ورد عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام زين العابدين عليه السلام: رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى, وفدى أخاه بنفسه حتى قُطعت يداه فأبدله الله بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب, وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة(8).
* كفّاه ونحره تلثمها الشفاه
ينقل المؤرخون أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أجلس ولده أبا الفضل في حجره فشمر العباس عن ساعديه فجعل الإمام يقبّلهما وهو غارق في البكاء فبهرت أم البنين وسألته عن سبب بكائه فأجابها بصوت خافت: نظرت إلى هذين الكفين وتذكرت ما يجري عليهما ثم أخبرها بأنهما يُقطعان في نصرة الإمام والذب عن أخيه(9). وأما بعد شهادته فقد مشى الإمام السجاد عليه السلام إلى قبر عمه العباس وجاء ليواريه, فوقع عليه يلثم نحره المقدس قائلاً: على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته(10).
* قطب السخاء
حدّث به الشيخ الجليل العلامة المتبحر الشيخ عبد الرحيم التستري المتوفى عام 1313 هـ من تلامذة الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه قال: زرت الإمام الشهيد أبا عبد الله الحسين عليه السلام ثم قصدت أبا الفضل العباس. وبينما أنا في الحرم الأقدس إذ رأيت رجلاً من الأعراب ومعه غلام مشلول وربطه بالشباك وتوسل به وتضرَّع، وإذا الغلام قد نهض وليس به علة وهو يصيح شافاني العباس، فاجتمع الناس عليه وخرقوا ثيابه للتبرك بها. فلما أبصرتُ هذا بعيني تقدمت نحو الشباك وعاتبته عتاباً مقذعاً وقلت: يغتنم المعيدي الجاهل منك المنى وينكفئ مسروراً وأنا مع ما أحمله من العلم والمعرفة فيك والتأدب في المثول أمامك أرجع خائباً لا تقضى حاجتي فلا أزورك بعد هذا أبداً. ثم راجعتني نفسي وتنبهت لجافي عتبي فاستغفرت ربي سبحانه مما أسأت مع (عباس اليقين والهداية). ولما عدت إلى النجف الأشرف أتاني الشيخ المرتضى الأنصاري قدس الله روحه الزاكية وأخرج صرتين وقال: هذا ما طلبته من أبي الفضل العباس اشترِ داراً وحجّ البيت الحرام، ولأجلهما كان توسلي بأبي الفضل عليه السلام.
(1) الأنوار العلوية، الشيخ جعفر النقدي، ص 443.
(2) تنقيح المقال، العلامة المامقاني، ج 2، ص 128.
(3) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 36، ص 430 نقلاً عن مقاتل الطالبيين.
(4) موسوعة كلمات الإمام الحسين، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم، ص 361.
(5) انظر تاريخ الطبري, ج 4، ص 314 315.
(6) تراب عالٍ يحجز بين النهر والأرض الزراعية.
(7) الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 109 110.
(8) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 547.
(9) شهداء أهل البيت عليهم السلام، الحاج حسين الشاكري، ص 25.
(10) بلاغة الإمام علي بن الحسين عليه السلام، جعفر عباس الحائري، ص 234.