نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام القائد: الغزو الثقافي وضرورة مواجهته (1)



* مفهوم الغزو الثقافي
معنى الغزو الثقافي والمرادُ منه، هو أن تقوم مجموعة سياسية أو اقتصادية بالهجوم على الأُسس والمقومات الثقافية لأمة من الأمم، بقصد تحقيق مآربها، ووضع تلك الأمة في إطار تبعيتها. وفي سياق هذا الغزو تعمد المجموعة الغازية إلى أن تُحِلَّ في ذلك البلد وبالقسر، معتقدات وثقافة جديدة، مكان الثقافة والمعتقدات الوطنية لتلك الأمة(1). الغزو الثقافي كالعمل الثقافي؛ إذ هو ممارسة تتسم بالهدوء وعدم إثارة الضجيج ولفت الانتباه(2). يروم الغزو الثقافي أن نسلخ الجيل الجديد عن معتقداته بضروبها المختلفة. فهو من ناحية يهزّ قناعة هذا الجيل بمعتقده الديني، ويقطعه من ناحية ثانية عن الاعتقاد بالأصول الثورية، ويهدف من ناحية ثالثة إلى قلعه عن هذا الطراز من الفكر الفعّال الذي دفع الاستكبار والقدرات الكبرى لاستشعار حالة الخوف والخطر(3). في عملية الغزو الثقافي يقوم العدو بدفع ذلك الجزء من ثقافته الذي يرغب هو بدفعه، إلى البلد الذي يروم غزوه، ويغذي الأمة التي يستهدفها بما يريد... ومعلوم ماذا يريد العدو وما الذي يرغب فيه(4). يقوم الغزو الثقافي وهو المصطلح الذي كررته مراراً وأشعر أزاءه بحساسية خاصة تملأ وجودي وتأخذ بكياني قلباً وروحاً على ركنين، جديرين باهتمامكم:

* أركان الغزو الثقافي
الركن الأول: ويتمثل في استبدال الثقافة المحلية (الثقافة الوطنية الخاصة) بالثقافة الأجنبية. وهذه الممارسة هي في واقعها استمرار لتلك السياسة التي كانت قائمة في العهد البهلوي، وكان يُروَّجُ لها بشكل كبير، وتشيع على نطاق واسع من دون أن يكون ثمة حاجز أو رادع، ثم ما لبثت أن انقطعت بحمد الله مع انتصار الثورة الإسلامية، بَيد أنّهم لا زالوا يمارسون الضغوط من أجل استئناف ذلك المسار في ترويج الثقافة الأجنبية وإشاعتها.

الركن الثاني: ويتمثل في الهجوم الثقافي على الجمهورية الإسلامية، وقيم هذه الجمهورية وقيم شعبها، بوسائل مختلفة، من مصاديقها في داخل بلدنا إنتاج الأفلام والمسلسلات التمثيلية التي تتسق مع أهدافهم، ونشر الكتب والمجلات التي تغذى بتوجيه خارجي(5).

أهمية الاعتقاد بوجود الغزو الثقافي وضرورة النهوض لمواجهته:
علينا أن نصدّق حقاً، ونقتنع بأننا عُرضة اليوم لأمواج مُتدافعة من ضروب الغزو الثقافي(6). إننا اليوم عُرضة من كل جهة لسهام خصومنا من الأعداء الأصليين في العالم، ولعدونا الثقافي الذي يحمل علينا من كل صوب. والخصومة الثقافية ضدنا تستهدفنا على أرضية ثقافتنا العامة، وعلى صعيد ضرب ذهنية الشعب والنيل من جهده الثقافي، كما أنها تستهدفنا على صعيد النشاط التعليمي وجهدنا في تربية القوى الإنسانية، وذلك لكي يحولوا دون بلوغنا مقاصدنا(7).

* أهداف سياسية خلف الأنشطة الثقافية
أعتقد أنّ هناك هجوماً (ثقافياً) شاملاً منظماً ومخطّطاً له ضدنا. بديهي أنَّ الثورة لم تستطع في البداية أن تجذب فئات المثقفين والفنانين، وهم ممّن لا ينسجم مع الدين والإيمان والعلماء. نعم، ثمَّ مجموعة من أولئك استطاعت الثورة أن تجذبهم نظراً لما يتحلون به من وجدان يقظ، وبقيت المجموعة الأُخرى في العزلة بعيداً ولم تستطع الثورة أن تجذبهم. وقصة هؤلاء أنّ أحداً منهم لم يكن يجرؤ في السنوات الأولى من عمر الثورة على عمل أدنى شيء. ومردّ ذلك يعود إلى طبيعة هؤلاء.. فأنا أعرف أكثرهم عن قرب قبل الثورة.. هم يتهيبون الأخطار، وينأون بأنفسهم عن خوض الميادين الصعبة.

لذلك لم يكن لهذه الفئة خطر يذكر. لقد دفع الحماس الثوري الذي ترافق مع بداية الثورة هذه المجموعة إلى أن تختار العزلة والقعود في الدار، والاستغراق في الذات والانطواء عليها، والاختباء وراء همومها، بحيث لم يكن يصدر عنهم في الأكثر إلاّ همسات تشهدها حلقاتهم الخاصة في البيوت وخلف الجدران، يتباحثون خلالها همومهم الشخصية. بيد أنهم عادوا ليدخلوا الساحة تدريجياً. أصدروا في البداية نشرة، ثم عادوا لممارسة الكتابة والخطابة والشعر، وشجعهم كلام قيل من أحدٍ بنفعهم، فتشجعوا أكثر حين لم يجدوا أحداً يعترض عليهم.. حينئذ أحسّوا أنه يمكنهم العمل في مثل هذا الجوّ بشكل مُنظّم ومخطط. كان مبتغاهم أن يكسبوا الخطوط الخلفية للثورة إلى صفّهم. وإذا عرفنا أنَّ الخط الأول يتمثل بالمسؤولين ومن يرتبط بهم، فإنَّ الخطوط الخلفية تتمثل بالقاعدة الشعبية العريضة والعظيمة فهدفهم إذن كسب الجمهور العريض من أبناء الشعب.

كان منطقهم يقوم على أساس التفكير التالي: إذا استطعنا أن نكسب إلى صفنا هذه القاعدة الشعبية العريضة التي تدين بالولاء للمسؤولين، ونقطعها عنهم، فإن كل شيء سينتهي وهذا تفكير صحيح وصائب. فإذا كان قُدِّر لهذا التيار أن ينجز هذا الهدف، لكان قد ألحق بالثورة ضربة موجعة. فإذا قُدِّر لهؤلاء أن يهيمنوا فعلاً على أفكار وقلوب ورغبات الخطوط الخلفية (الجماهير) ويتحكّموا أحياناً بمسار الاختيارات العقلانية (أي: المواقف) للقاعدة الشعبية، وأن ينجحوا في جذبها، ومن ثَمَّ سوقها نحو اتجاه معين، لاستطاعوا فعلاً أن يهيمنوا عليها. وَهذا تفكير صحيح، لكن هل استطاعوا فعل ذلك؟ أقول: كلا. ومرده أن تقديرهم كان ساذجاً سطحياً منذ البداية، ولكن على أي حال، خيّل إليهم أنهم يستطيعون، فشرعوا بالعمل! هدفوا في البداية أن ينفذوا إلى السينما والمطبوعات؛ بل وحتى إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التي تملكها الدولة، وجهدوا أن يكون لهم حضورهم في كلّ جزء من المجال الثقافي، وأن يكون منهم رجل في كلّ نشاط ووجود ثقافي. تحركوا أولاً بلباس النشاط الثقافي المحض، ولكنهم عادوا الآن ليخوضوا المسائل السياسية. فبادروا إلى توجيه نقدهم إلى الدولة والنظام، بل وضعوا الخلفية الأساسية التي تقوم عليها مشروعية النظام، في دائرة السؤال والاستفهام. هذا هو الذي حصل، وهو أمر خطير جداً. وحينما نصفه بأنه خطير جداً لا نعني أنه لا علاج له، أو أنه صعب العلاج. كلا، فعلاجه في غاية السهولة واليسر، بشرط أن يشعر المريض وكذلك الطبيب بأنّ هناك مرضاً بالفعل. فمع استشعار المرض والإحساس به، يكون العلاج سهلاً.

* المثقفون الماديون أسرى الأهواء النفسانية
إنّ الخطر هو أن نجهل أنا وأنتم ما يدور، ولا نستشعر وجود شيء. نحن ننتمي إلى الصفّ الثقافي، وبذلك لنا قدرة التمييز الثقافي. والذي يعيش في الجوّ الثقافي ويستنشق هواءه، لا حاجة به إلى اللمس حتى يفهم الشيء ويستشعر وجوده إنما يكفيه حسّه الثقافي الخاص ـ. يجب أن يعرف هذه الحقيقة ويدرك مغزاها الكتّاب الصحفيون ومؤسساتنا الثقافية من قبيل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ووزارة الإرشاد،ومؤسسة الإعلام الإسلامي، والتربية والتعليم والجهات الأُخرى! بديهي أن تكوين هؤلاء (النفسي والداخلي) وطبيعتهم ليست طبيعة مؤمنة صلبة، لذا فهم ينسحبون إلى الوراء بأقل إشارة... كلامهم وإن كان جميل المظهر، إلاّ أنه لا يقوم على بُنية إيمانية ومرتكز عقائدي. وفي الحقيقة، هذه صفة الكتّاب والمثقفين من ذوي المنهج المادي، فهم حين تنظر إليهم من بُعد، تجدهم يجيدون الكلام، تظهر عليهم الحماسة الفائضة، حتى كأنهم يتحدثون من أعماق نفوسهم، بيدَ أنك حين تقترب منهم لا تجد شيئاً، فكلامهم لا يزيد عن لقلقة لسان، وليس له مستقر أبعد من ذلك.

كتب الكثيرُ من هؤلاء عن الاستعمار والصهيونية والظلم وما شاكل ذلك، ولكنه لم يكن على استعداد أن يتحرك خطوة، ويكون مع الشعب في الميدان، بل كان يطعن الجمهور. هؤلاء أسرى الأهواء النفسانية؛ غرقى بأوهام ذواتهم(8).


(1) خطاب قائد الثورة في العاملين بالحقل الاعلامي والمسؤولين عن دوائر التربية والتعليم، 21/5/1371.
(2) خطاب قائد الثورة في العاملين بالحقل الاعلامي والمسؤولين عن دوائر التربية والتعليم، 21/5/1371.
(3) من حديث قائد الثورة مع وزير التربية والتعليم ومعاونيه، 25/10/1370.
(4) خطاب قائد الثورة في العاملين بالحقل الاعلامي والمسؤولين عن دوائر التربية والتعليم، 21/5/1371.
(5 6) حديث قائد الثورة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية، 21/9/1368.
(7) حديث قائد الثورة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية، 21/9/1368.
(8) حديث قائد الثورة في عدد من مسؤولي الجمهورية الإسلامية، 23/5/1370.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع