نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قضايا معاصرة: تيتي انترتينمنت Titty entertainment حضارة إنسانية أم حرب إستكبارية


موسى حسين صفوان‏


أي عالم يريده أن يكون سائداً من يدعي أنه سيد العالم اليوم، وأي نظام جديد يرسم خطوطه... إن صراع الحضارات، والحرب التي يقودها ضد ما يدّعي أنه الإرهاب ما هي في الحقيقة إلا حرب ضد كل ما هو قيمة معنوية في هذا العالم، من أجل أن يتحول العالم إلى "حضارة القطيع" الذي ينتظر من سيده الوحيد وبلهفة، ما يقدمه له! ومن هنا، فليس غريباً أن تنهض في العالم عشرات الآلاف من المنظمات الأهلية، والقوى السياسية والاجتماعية المناهضة لهذا النهج التسلطي، الإستكباري، المستعلي على أبسط المفاهيم والقيم الإنسانية النبيلة، فالضمير الإنساني الذي يئن من الوجع لم يعد يحتمل الخداع والاستقواء والاستضعاف والتعصب والعنصرية، وعشرات من المفردات التي لو جمعت لكانت بحق عناوين بارزة لحضارة هذا الإنسان "الكاوبوي" الذي يبني رفاهه دائماً على حساب الآخرين، ويبحث دائماً عن مثل هؤلاء ليهيمن على ثرواتهم ومقدراتهم. وتاريخهم، ومستقبلهم، وأسواقهم وأذواقهم.

لقد بدأت المشاكل بالتفاقم على أثر تعاظم الآثار الناجمة عن سياسة الشركات المتعددة الجنسيات، والتي أدت إلى توسيع الهوة، وتعظيم الفروقات في المستويات المعيشية بين نسبة الـ2% المترفة، وبين غالبية الطبقات الأخرى ... وباتت هذه النسبة القليلة من المترفين، وبالغي الثراء، تخاف على حياتها "العزيزة" من ثورة الغضب العارمة لأولئك الملايين الجياع.. وبطبيعة الحال، هناك دائماً، وكما هي عادة الأمور من هو حاضر لابتكار الوسائل الناجعة لمعالجة مثل هذه المشاكل.. فقد وضع منظرو "الأسياد" هؤلاء العديد من المقترحات التي تعمل عمل المسكنات، فلا تعالج المشكلة بقدر ما تحاول إقتفاء أثرها وتغطيتها بصورة متذاكية.. وقبل أن تشتد أزمة الجمعيات المناهضة للعولمة، نجد أحد منظريها والمدافعين عن استراتيجيات الشركات العملاقة "زيينغو بريجنسكي"(1) ينحت مصطلحاً جديداً يهدف إلى الالتفاف على الواقع المأزوم، وتهدئة البلايين الجائعة، يطلق عليه: (تيتي انترتينمنت) Titty- entertainment، وهو منحوت من كلمتين Titty وتعني حَلَمَة وentertainment وتعني ملهاة، وبهذا فإنه يدّعي أن القليل من الحليب والكثير من اللهو سوف يهدى‏ء من ثورة الجياع، ويقي الأغنياء من شرورهم أو المطالبة بإصلاحات لأوضاعهم!

ويبدو أن هذه السياسة هي المتَّبعة اليوم وبكثافة فيما يطلق عليه الغزو الثقافي الذي تتعدد أشكاله وصوره فمن ناحية تجد البطالة، والأزمات الاقتصادية والمعيشية والتربوية، والرشاوى، والفساد الإداري، والفساد السياسي والمؤامرات وخنق الحريات، وسجن الديمقراطية ومصادرة قرارات الشعوب، "والفيتو" الجاهز للوقوف في وجه كل حق إنساني سواء في فلسطين أو لاهاي أو أي مكان من أنحاء العالم، ومن نفس الناحية أيضاً تجد التحول المخيف في الأنماط الغذائية، والصناعات الغذائية الجينيّة واستفحال حضارة التلوث البيئي، والتوسع في إنتاج أسلحة الدمار الشامل، والتنصل من معاهدات الحد من انتشار مثل هذه الأسلحة، ومراقبة أي احتمالات لامتلاك عناصر القوة عند الشعوب المستضعفة، المطلوب أن تكون مكرّسة فقط لخدمة ذلك السيد المتعجرف! والحقيقة أكبر من ذلك بكثير... ومن ناحية أخرى نجد سياسة الملهاة هذه أصبحت معمّمة لدرجة أنها أصبحت الهم شبه الأوحد للشباب الضائع، والأجيال "الناشئة" والأمم الباحثة عن مصيرها... فمن مباريات الجمال إلى مباريات ومسابقات وكؤوس رياضية، وفنية واستعراضية، وحفلات، وانترنت وماكينات القمار التي يصعب هنا عرض أسمائها، ومراكز اللهو والأفلام التي تغزو بكثافة بيوتنا عن طريق الصحون الفضائية، كل ذلك في سياسة محمومة ومقصودة لإلهاء الشعوب عن مصائرها، وتحويل هم الأجيال القادمة إلى أدوات لإشباع غرائزهم التي تكفلت هذه الوسائل المحمومة في إشعال ثورتها.

كلمة أخيرة يمكن أن نختم بها هنا، موجهة إلى الشباب الذي بلا شك يعي وبشكل يبعث على الاطمئنان ما تقوم به هذه الدوائر الاستكبارية من خطط موجهة إلى صميم الإرادة الوطنية والقومية والدينية من أجل أن تقضي على ما تبقى من أمل في شرايين إرادة هذه الأمة. انتبهوا إلى ثقافة الملهاة! ولتكن لنا ونحن لا نحرم أنفسنا مما هو مشروع من الترفيه، من الاهتمام بقضايانا الشخصية، وقضايا أمتنا، وثقافتنا وحضارتنا الغنية بالقيم الخلقية، والمبادئ السامية، والعفة، والكرامة، والنقاء والطهارة.


(1) نداء الوطن - 29 - 9 - 1999.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع