نلا الزين
"لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف والمال مال اللَّه"
قول نبدأ به في ظل الحديث عن العدل والمساواة عن المجتمع والفئات الموجودة فيه هو
حديث للإمام علي عليه السلام الذي شكَّل رمزاً من رموز العدالة الإلهية، ونموذجاً
يحتذى به في كُلِّ حين، ومثلاً يضرب عند التطرق لمثل هذه المواضيع. إنَّ الدعوة إلى
المساواة ليست قائمة على صراع الطبقات ولا على اهدار مواهب بعض الأفراد الذين
يجمعون مالهم من حلال ولتأكيد المساواة فلا بُدَّ من أن يكون الحاكم قدوة وأسوة
للناس وللرعية والحاكم يأتي بمعاونيه وفقاً لصفاته ولقيمه وللمفاهيم التي يؤمن بها
أي على شاكلته. هنا نستحضر وصيةً للإمام علي عليه السلام لأحد ولاته على مصر وهو
مالك الأشتر، هذه الوصية فيها الكثير من الملاحظات والإرشادات المهمة على صعيد
الوالي ومن معه نذكر بعضاً منها:
"- لا تدخلن في مشورتك رجلاً بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر.
- ولا جباناً يضعفك عن الأمور
- ولا حريصاً يزين لك الشرَّ بالجور فإنَّ البخل والجبن والحرص غرائز شتَّى يجمعها
سوء الظن باللَّه، وإنَّ شرَّ وزرائِك من كان للأشرار قبلك وزيراً وَمْن شركهم في
الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة".
إنها أركان لا بُدَّ منها يعتمدها الحاكم أو الوالي للسير في خطى العدالة
والمساواة. فروح الإسلام قائمة على ذلك، تطبق بصرف النظر عن أطماع الرجال وحرصهم
على التميز على غيرهم، فحق الأمة في خير بلادها، وليس لعربي فضل على أعجمي إلاَّ
بالتقوى، هنا نستحضر قولاً آخر للإمام علي عليه السلام في وصيته لأحد ولاته على مصر
وهو مالك الأشتر: "اعلم أنَّ الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلاَّ ببعض ولا غنى
ببعضها عن بعض، فمنها جنود اللَّه، ومنها كُتّاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل
ومنها عمال الإنصاف والرفق ومنها أهل الخراج ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها
الطبقة من ذوي الحاجة" من هذا القول ندخل إلى المجتمع بكلِّ فئاته فالجنود هم
حصون المجتمع والناس وسبل الأمن والقضاة، ميزان العدل، والتجار وأهل الصناعات، فيهم
قوام باقي الفئات والطبقات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمونه في أسواقهم. إنَّ
كُلَّ فئة من هذه الفئات وغيرهم تحتاج إلى الفئة الأخرى من خلال التأمل بهذه
العبارات والوصايا نجد فلسفة اجتماعية لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلاَّ وتطل عليها
لتلفت الانتباه إلى المجتمع وطبقاته وحاجاته ومنها ترسيخ مفهوم العدل والمساواة
تطبيقاً عملياً يشعر به كل فرد في المجتمع ولا يشعر بالحيف.
هذا الفرد يحتاج إلى ضروريات ثلاث:
- المسكن
- الملبس
- المأكل
لقد وضع علماء الاقتصاد الأفكار الكثيرة عن كيفية تلبية هذه الضروريات، فافترضوا
نظرياتٍ لم تستطع حتى الآن تحقيق هذه الحاجات، ولقد جعلت هذه النظريات العالم ينقسم
إلى دول وربما إلى جماعات داخل كلِّ دولة. وهذا الإسلام ومن خلال مفاهيمه
الاجتماعية والاقتصادية نجده يلبي حاجات الإنسان على الصعيد المادي من مأكل وملبس
ومسكن كما يلبي الحاجة على الصعيد الروحي والأمان الذي يبحث عنه أي إنسان في هذا
الكون. عندما يقرأ هذه الآيات القرآنية ويطَّلع على مجمل الأحاديث النبوية وعلى
سيرة الأئمة الأطهار عليهم السلام التي جسَّدت روح العدالة والأخوة والمساواة،
والأحرى بالمسلمين أن يأخذوا بذلك وأن يجعلوا النظرية جسراً إلى عالم التطبيق
الواقعي والفعلي، ليتعرف الناس حقاً إلى هذه التعاليم. ولكي يرفع النِّقاب عن هذه
الكنوز والقيم التي يسعى إليها كل إنسان على وجه الأرض بغض النظر عن انتمائه ومنهج
تفكيره.
ولا ننسى ذاك المثل الخالد فينا، ألا وهو الإمام علي عليه السلام الذي لم
يكن يذهب إلى منزله قبل أن يكنس بيت المال لكي يتأكد من وصول الحقوق إلى أهلها، وما
كان يجمع في بيت المال كان يصرف في مصارفه الشرعية. إن الذين لا يجدون قوت يومهم
ولا قوت سنتهم بحاجة إلى انتباه في ظل ما نعيش فيه من صعوبات مادية واقتصادية تجعل
متوسط الحال محتاجاً والغني متوسط الحال. فلا يعقل أن يكون هناك غني يعيش حياة
الترف الشديد والرفاهية وبجانبه فقير لا يجد ما يقتات به أطفاله. هذا ما أكد عليه
الإسلام في القرآن والأحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وآله وأهل البيت
عليهم السلام. إنَّه منهج إنساني متكامل يصلح لكل مجتمع بشري إذا طبق حقيقة وفعلاً.
وكما قال ديفيد بيدكوك زعيم الحزب الإسلامي البريطاني الذي اعتنق الإسلام في العام
1975 "إنَّ الإسلام أفضل خيار لِكُلِّ الناس" يتابع قوله: "إنَّ الإسلام مبني على
الفطرة وهو ليس سردياً فقط". ثم يتناول بيدكوك الناحية الاجتماعية فيتطرق إلى الربا
وفوائد المعاملات المصرفية والمشاكل التي تحدث نتيجة ذلك، والديون والفقر ويستشهد
بقول الإمام علي عن الفقر: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".
ويعتقد بيدكوك "إنَّ الحروب كان يسيطر عليها الجالوت المالي الرهيب لذا يمكننا فهم
كيفية حل المشكلة واصلاح الاطار العاطل وفهم موانع تحقق الحل". إنه الإسلام الذي
يتطابق مع أشواق البشر وفرحهم
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾
(يونس: 58). إنَّه دين الرحمة، والرحمة الإلهية قريبة من المحسنين الذين
يحسنون إلى الناس بكلماتهم وأموالهم
﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
(الأعراف: 56). الرحمة تجعلنا نشعر بمن حولنا من أقرباء وفقراء وأهل حاجة
نحسبهم أغنياء من التعفف يقدم الغني إحسانه على طبق من المحبة والرحمة امتثالاً
لأمر اللَّه تعالى:
﴿وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ﴾
(النور: 33). ومن لا يرحم الناس لا يرحمه اللَّه ومن كان في حاجةِ أخيه كان
اللَّه في حاجته وهل للإنسان من ماله إلاَّ ما تصدَّق به فأبقى؟ بذلك تنمو الأموال
ويرتقي الإنسان إلى عالم الكمال، وتلتقي القلوب على محبة اللَّه واتباع سُنَّة
الرسول صلى الله عليه وآله، والاخوة بين المؤمنين، ونعمل لدنيانا على قاعدة "أحب
لأخيك ما تحب لنفسك".
وتبقى صحائفُ أعمالنا بيضاء نقية نقاء الرحمة والمحبة
والتعاون والتكافل والاقتداء بأهل الورع والعدالة ونتوج الاعمار بغادةٍ من إحسانٍ
وإنفاقٍ على مَن أوصانا اللَّه بهم ليبقى المجتمع قوياً وصفاً واحداً وجسداً متكامل
الجوارح وموحد الأفئدة.