نور روح الله | بالدموع الحسينيّة قضينا على الاستكبار* بمَ ينتصر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (2)* فقه الولي | من أحكام النزوح تحقيق | قصائدُ خلف السواتر مناسبات العدد ياطر: إرثٌ في التاريخ والمقاومة (2) محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (1) قصة | وزن الفيل والقصب شعر | يا ضاحية الافتتاحية | لحظة صدقٍ مع اللّه

أخلاقنا | اسجدوا للّه شكراً*

السيّد الشهيد عبد الحسين دستغيب قدس سره
 

إذا لوحظ في المدح أنّ أصل الكمال من الله، وما في كلّ إنسان فهو من عطائه سبحانه، ولم يكن عن تملّق وتزلّف وطمع وسبباً للعجب والكبر في السامع، فلا ضرر فيه، خاصّة إذا كان بهدف شكر المخلوق على إيصال نعمة الله.

* شكر النعمة وقصّة النجاشي
من سلك طريق العبوديّة لله، إذا استجدّت له نعمة من الله فإنّه لا يستصغرها، بل يكبرها لأنّها عطاء منه سبحانه، وتزيد في خشوعه وتواضعه، ويؤدّي شكرها بأعلى درجات التواضع التي هي وضع الجبهة على التراب.

قال الإمام الصادق عليه السلام: «أرسل النجاشي (ملك الحبشة) إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه (وكانوا قد هاجروا من مكّة بسبب أذى قريش) فدخلوا عليه (النجاشيّ) وهو في بيت له جالس على التراب وعليه خلقان الثياب (شبه بالية)، فقال جعفر بن أبي طالب عليه السلام: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلمّا رأى ما بنا وتغيُّر وجوهنا، قال: الحمد لله الذي نصر محمّداً وأقرّ عينه، ألا أبشّركم؟ فقلت: بلى أيّها الملك، فقال: إنّه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك، فأخبرني أنّ الله عزّ وجلّ قد نصر نبيّه محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وأهلك عدوّه وأسر فلان وفلان وفلان، التقوا بوادٍ يُقال له بدر، كثير الأراك (شجر)، لكأنّي أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيّدي هناك وهو رجل من بني ضمرة، فقال له جعفر: أيّها الملك، ما لي أراك جالساً على التراب وعليك هذه الخلقان؟ فقال له: يا جعفر، إنّا نجد في ما أنزل الله على عيسى عليه السلام أنّ من حقّ الله على عباده أن يُحدثوا له تواضعاً عندما يُحدث لهم من نعمة، فلمّا أحدث الله عزّ وجلّ نعمة بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم أحدثت لله هذا التواضع.

فلمّا بلغ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: إنّ الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدّقوا يرحمكم الله، وإنّ التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، وإنّ العفو يزيد صاحبه عزّاً فاعفوا يعزّكم الله»(1).

* السجود عند حدوث النعمة
وردت روايات كثيرة في استحباب سجدة الشكر عند حدوث النعمة أو تذكّر نعمة سابقة(2)، من ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في سفر يسير على ناقة له، إذ نزل فسجد خمس سجدات، فلمّا ركب قالوا: يا رسول الله، إنّا رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه، فقال: نعم، استقبلني جبرائيل عليه السلام فبشّرني ببشارات من الله عزّ وجلّ، فسجدت شكراً لله لكلّ بشرى سجدة»(3).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ذكر أحدكم نعمة الله عزّ وجلّ فليضع خدّه على التراب شكراً لله، وإن كان راكباً فلينزل فليضع خدّه على التراب، وإن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خدّه على قربوسه(4)، فإن لم يكن يقدر فليضع خدّه على كفّه، ثمّ ليحمد الله على ما أنعم عليه»(5).

وقال الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ أبي عليّ بن الحسين ما ذكر لله عزّ وجلّ نعمة عليه إلّا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عزّ وجلّ فيها سجود (واجب أو مستحبّ) إلّا سجد، ولا دفع الله عنه سوءاً يخشاه أو كيد كائد إلّا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلّا سجد، ولا وفّق لإصلاح بين اثنين إلّا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسُمّي السجّاد لذلك»(6).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى عليه السلام أن: يا موسى، أتدري لمَ اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا ربّ، ولم ذاك؟ قال: فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إنّي قلبت عبادي ظهراً لبطن فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي نفساً منك يا موسى، إنّك إذا صلّيت وضعت خدّك على التراب، أو قال: على الأرض»(7).

* كثرة الدعاء
الإنسان العاقل هو الذي يرى نفسه كلّ لحظة محتاجاً في النشأتين (الدنيا والآخرة) من نواحٍ عديدة، ويعلم أيضاً أنّه ما من أحد غير الله تعالى يمكنه أن يسدّ احتياجاته. لذا، لا بدّ من أن يكون متوجّهاً إلى الله في كلّ حال، يدعوه ويطلب منه احتياجاته تماماً كما كان في سنّ الطفولة لا يعرف أحداً غير أمّه؛ فإذا عطش أو جاع ناداها، وإذا تعب أو عجز عن شيء أو كان مريضاً أو آلمه شيء أو خاف من شيء ألقى بنفسه في حضنها، وإذا أساء إليه أحد شكا إليها، وإذا أحسن إليه أحد أخبرها، ولسان حاله يطلب منها أن تشكر من أحسن إليه، إلى حدّ أنّه لم يكن يرضى أن يكون بعيداً عنها وقت النوم.

فكذلك ينبغي -بعد أن يكبر ويصل إلى الرشد العقليّ ومعرفة الله عزّ وجلّ- أن يكون مع ربّه أكثر ممّا كان مع أمّه بأضعاف عدّة، يطلب منه أيّ شيء احتاجه وفي أيّ حال، ويتّبعه لأيّ سبب من أجل تحقيق حاجته، بدافع طاعة أمره تعالى، ويطلب منه سبحانه تأثير أيّ سبب، مثلاً: إذا كان مريضاً، فيطلب الشفاء من الله ويطلب منه أيضاً نفع الطبيب والدواء، وإذا كان معافى فيطلب دوام ذلك منه أيضاً، وإذا كان فقيراً يطلب الثروة منه تعالى، أو كان ثريّاً فيطلب دوام ذلك والتوفيق في أداء الحقوق منه سبحانه، وإذا رأى من أحد أذيّة وإزعاجاً فليشتكِ إلى الله، وإذا أراد الاقتصاص فليكن ذلك امتثالاً لأمره تعالى، وإذا أحسن إليه أحد فليطلب من الله تعالى تعويض ذلك. إلى درجة أن ينام ويستيقظ ذاكراً لله مؤمّلاً له. وحقّاً، من لا يكون حاله مع الله كذلك، أي أنّه لا يتذكّره عند احتياجاته ولا يطلب منه ولا يكون أمله إلّا في نفسه، فهو معجب بنفسه مغرور بها متكبّر على ربّه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر: 60).

* أفضل العبادة الدعاء
عن سدير قال: قلت لأبي جعفر (الباقر) عليه السلام: أيّ العبادة أفضل؟ فقال عليه السلام: «ما من شيء أفضل عند الله عزّ وجلّ من أن يُسأل ويُطلب ممّا عنده، وما أحد أبغض إلى الله عزّ وجلّ ممّن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده»(8).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، ولكنّه يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك»(9).

*مقتبس من كتاب: القلب السليم، الشهيد دستغيب، ج 2، ص ص 244 - 228.
(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 121.
(2) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 4، ص 1080.
(3* المصدر نفسه، ج 7، ص 19.
(4) القربوس هو حنو السرج؛ أي قسمه المقوّس المرتفع من قدّام المقعد ومن مؤخّره.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 68، ص 35.
(6) المصدر نفسه، ج 46، ص 6.
(7) الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 123.
(8) المصدر نفسه، ج 2، ص 466.
(9) المصدر نفسه، ج 2، ص 476.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع