وئام أحمد
عندما تقرّر أيّ شركة أن تنتج فيلماً سينمائيّاً دينيّاً،
فلا بدّ أن يتبادر إلى ذهن القائمين عليها في البداية حياة الأنبياء التاريخيّة
المليئة بالأحداث والمجريات. ولكن، عندما تفكّر في إنتاج شيء فريد فلا بدّ من أن
تذهب إلى الأصالة فتنهل من معين حياة خاتم الأنبياء والرسل محمّد صلى الله عليه
وآله وسلم.
*فيلم يدحض الافتراءات
كثيرة هي الأفلام السينمائيّة العالميّة التي تحدّثت عن حياة الأنبياء، منذ آدم
وحتى السيّد المسيح، فكان هناك العديد من الإنتاجات التي اندرجت تحت عنوان السينما
التاريخية. ولكن، لم نشهد لهوليوود فيلماً عن حياة النبي محمّد صلى الله عليه وآله
وسلم، لأنها تعتبره العدوّ الأبرز للصهيونيّة ولا تستطيع أن تشوّه قصته التي حفظت
من خلال القرآن الكريم الرسالة السماويّة التي بشّر بها البشريّة وختم بها عهد
الأنبياء، كما فعلت مع باقي الأنبياء، في أفلام، على رأسها أفلام "ريدلي سكوت" حول
النبي "موسى" والنبي "نوح".
تعود فكرة إنتاج هذا الفيلم، كما عبّر المخرج مجيد مجيدي، إلى حين كان مدعواً إلى
مهرجان سينمائي في الدانمارك، وفي تلك الحقبة كانت هناك الرسوم الكاريكاتورية
المسيئة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تخرج إلى العلن، عندها رفض مجيدي
المشاركة في مهرجانٍ قامت دولته بتوهين حياة النبيّ الأكرم، ومن هنا فكّر في ضرورة
الإعداد لعمل سينمائي يشاهده كلّ العالم، وبمواصفات احترافية، يدحض كل هذه
الافتراءات ويقوم بتعريف الوجه الحقيقي لرسول السلام والرحمة إلى العالم أجمع.
ويضيف حول فيلمه: "إنّه لمن الفخر لي أنني قد صرفت ثماني سنوات من عمري في مشروع
يحمل اسم رسول الإسلام عظيم الشأن".
*مدينة الرسول الأعظم السينمائيّة
في محاولة للدخول إلى ما وراء كواليس هذا الفيلم نرى أن تصويره كان في مدينة صُنعت
خصيصاً وسُمّيت بمدينة الرسول الأعظم السينمائيّة وهي تقع على بعد خمسين كيلومتراً
من مدينة قمّ المقدسة. في هذه المدينة، كان لا بدّ من صناعة نماذج لمكّة والمدينة
بمواصفاتهما قبل 1400 عام وبمقياس احترافي يراعي كافّة التفاصيل المتعلّقة بتلك
الحقبة. وقد تمّت الاستفادة من فريق فنّي وتقني كبير للقيام بأعمال الديكور، على
غرار ما يقوم به عادةً الإيرانيون في إنتاج أيّ فيلم ديني مثل مسلسل النبي يوسف،
ملك سليمان، غريب طوس وغيرها... ومن المقرّر أن تتمّ الاستفادة من هذا الديكور بعد
الانتهاء من التصوير تحت عنوان مدينة الرسول الأعظم السينمائية وذلك في المشاريع
السينمائية الأخرى التي تعنى بتاريخ الإسلام.
*حقبة تاريخيّة متّفق عليها
أمّا فيما يتعلق بكتابة النصّ، فقد قام المخرج مع كاتب الفيلم بتأسيس فريق بحثي
كبير كان هدفه الأساسي التركيز على كافة الروايات التي وردت في الإسلام وهي مسندة
وليس فقط عند الشيعة لأن المخرج كان يستهدف في فيلمه المسلمين وليس فئة واحدة منهم
ليكون تأثيره أكبر. مضافاً إلى كون النبيّ محمّد هو خاتم الرسل أجمعين وهو حامل
أشمل وأكمل رسالة حفظها القرآن الكريم.
وقد تمّ التركيز في الفيلم على حياة النبيّ الأكرم حتى سن 12 سنة، لأنّ هذه الحقبة
متفق عليها ما بين السنَّة والشيعة، ولهذا فإنّ كلّ الدراسات قد تركّزت على تلك
الحقبة، لتأتي الأجزاء المستقبليّة للفيلم متناولة باقي الفترات الزمنيّة من حياته
الكريمة. وقد كان ذلك، كما قال المخرج الذي جمعته ومدير المشروع السيّد محمد مهدي
حيدريان جلسات مطولة مع المراجع والمجتهدين الأفاضل وتحت عنايتهم مثل آية الله
السيستاني، آية الله جوادي الآملي، وآية الله وحيد الخراساني، ولا ننسى الوليّ
الفقيه السيّد عليّ الخامنئي الذي كان يتابع الفيلم، خطوة بخطوة، من خلال تقارير
دوريّة كان يرفعها المخرج إلى سماحته لأنّه كان الداعم الأبرز لهذا العمل ماديّاً
ومعنويّاً. ويذكر مجيدي أن القائد هو أوّل من شاهده مع أهل بيته بالكامل حيث بلغت
مدّته ثلاث ساعات، كما إنّه زار مدينة التصوير حيث قضى فيها يوماً كاملاً على خلاف
عادته.
*عناصر الفيلم الأساسيّة
في جولة سريعة على بعض عناصر الفيلم الأساسيّة نستعرض الآتي:
المشاهد الخاصّة: كانت من تصميم "سكوت أندرسن" Scott Anderson الذي
حرص خلال تسعة أشهر على تصميمها. ويذكر أنه قد نال جائزة أوسكار عام 1996 عن فئة
أفضل مؤثّرات بصريّة خاصّة، كما رشّح أكثر من مرّة لنيل جائزة الأوسكار.
موسيقى الفيلم: كانت من تأليف "آي. آر. رحمان" A. R. Rahman
الموسيقار الهندي الذي نال جوائز أوسكار عديدة عن أفلام له منها: "مَنْ سيربح
المليون" الذي نال شهرة واسعة.
ويذكر أنّ المنشد الإسلامي العالمي سامي يوسف قد عبّر عن إعجابه بفيلم محمّد وقال
إنه الأفضل حتى الآن بين كافة الأفلام التي تناولت حياة الأنبياء الكرام، وإنّ كل
ما يقال حول الفيلم يدخل في خانة الرأي السياسي لأنه أكيد أنّ كل من قدّم رأيه
المخالف حول الفيلم لم يشاهده، وعندما يفعل ذلك فإنه سيكون له رأي آخر.
الغرافيك: لقد حرص مجيدي أن تنال الأعمال الغرافيكية لفيلمه جائزة أوسكار، ولهذا
فإنه حرص على دعوة عدد كبير من المصمّمين لاختيار الأفضل بينهم، ومن بين ألف و600
عرض قُدِّمت تمّ اختيار الثلاثة الأوائل، ولأنه قد وقع في حيرة أيضاً وقع الاختيار
على "جليل رسولي" لينال شرف تصميم كل غرافيك الفيلم. ولمن لا يعرف رسولي فهو خطّاط
محترف منذ خمسين عاماً يمسك الريشة بأنامله فيبدع ولكنه عندما بدأ بتخطيط أعمال
فيلم محمّد رسول الله كانت هناك صعوبة كبيرة، وقد جرّب تصميم الاسم من خلال أشكال
عديدة ولكنّه لم يكن راضياً حتى توسّل بالرسول الأكرم راجياً مساعدته، وذات يوم
تمكّن من تصميم الاسم مع أنّ يده كانت ترتجف بشدة ورهبة وهيبة.
*الاستعانة بمبدعين من أرجاء العالم
كثيرة هي الأمور الجديرة بالحديث عنها حول الفيلم، ولكن مراعاةً للاختصارات نذكر أن
مجيدي قد استعان بمبدعين من كافّة أرجاء العالم، من مصوّري الفيلم إلى مصمّمي
الماكياج، ومنهم الإيطالي جيانيتو دي روسي Giannetto De Rossi الذي قام بتصميم
ماكياج فيلم "Apocalypto" من إخراج الممثل والمخرج العالمي "ميل غيبسون" كما عمل
"دي روسي" مع ممثّلين عالميّين من هوليوود.
يذكر أن مشاهِد "حادثة الفيل وجيش أبرهة" قد صوّرت بالكامل في أفريقيا، وتمّ
الاستعانة بفريق كبير من الكومبارس والممثّلين الأفارقة لتجسّد الواقعة كما لو
أنّها تحدُث بالفعل مع مراعاة كافّة التفاصيل الصغيرة.
*حول ميزانيّة الفيلم
كانت تكلفة الفيلم 9 مليارات تومان من أجل التجهيزات والمعدّات، كما صُرفت موازنة
ضخمة أيضاً من أجل الأعمال الفنيّة والمؤثّرات البصريّة. وقد تولّت شركة الإنتاج
السينمائيّة "نور تابان" دفع تكاليف الإنتاج التي قدّرت بأكثر من عشرين مليون دولار
أمريكي، وهي تعادل أضعاف إنتاج أيّ فيلم إيراني آخر.
*أرباح فاقت التوقعات
عُرض الفيلم في أكثر من دولة منها كندا حيث عُرض في افتتاحية مهرجان مونتريـال
ولاقى رواجاً واسعاً. وقد تمّ عرضه في أكثر من قاعة سينما. يُذكر أنّه قد حقق
أرباحاً فاقت التوقعات في عرضه الافتتاحي في قاعات السينما الإيرانيّة وتصدّر قائمة
شبّاك التذاكر.
تعرّض الفيلم لانتقادات من قبل علماء سعوديين ومن علماء الأزهر مع أنّه قد اعتمد
على روايات موثّقة عند علماء السنّة ولكن كان ذلك ضمن خانة الرأي السياسي البحت،
لأنّ الفيلم قد حاز على اهتمام أهمّ الصحف الأجنبيّة والعالميّة، كما تحدثت عنه
المواقع التي تعنى بالسينما وهو من الأفلام المرشحة بقوة لجائزة الأوسكار كونه
مقبولاً اجتماعيّاً ويراعي كافة الجوانب الإنسانيّة.
يذكر أن الفيلم كان له مؤخراً عرض افتتاحي في لبنان، بحضور المخرج الإيراني
"مجيد مجيدي" وبعض فريق العمل.