 
                        
            
الشاعر الشيخ عبَّاس فتوني
نُظِمَتْ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ فِي ذِكْرَى وِلادَةِ خاتَمِ الأَنْبِياءِ، مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الله صلى الله عليه وآله وسلم
| أَقامَ المَدَى أَزْكَى الصَّلاةِ وأَنْشَدا | مَتَى ذَكَرَ الشَّادِي النَّبِيَّ "مُحَمَّدا" | 
| لَعَمْرُكَ لا تَحْيَا الرَّوائِعُ دُونَهُ | وَلا كُلُّ مَمْدُوحٍ سِواهُ لَهُ صَدَى(1) | 
| هَلُمَّ نَصُوغُ الدُّرَّ مِنْ نَفَحاتِهِ | وَنَنْظِمُ أَبْياتاً تُضارِعُ عَسْجَدا(2) | 
| هَلُمَّ نُغَذِّي الطِّرْسَ نُوراً فَإِنَّما | تَرَاءَى الرَّبِيعُ الطَّلْقُ يَحْمِلُ مَوْلِدا(3) | 
| أَفاقَ الْخُزَامَى بَعْدَ طُولِ رُقادِهِ | وَباتَ عَلَى مَرِّ الزَّمانِ مُسَهَّدا(4) | 
| يُدَغْدِغُهُ حَبُّ الرَّذاذِ تَرَقْرُقاً | فَيَرْفُلُ نَشْواناً، وَيَمْرَحُ مُزْبِدا | 
| وَ"مَكَّةُ" تَرْنُو الْعَنْدَلِيبَ مُحَلِّقاً | يُرَفْرِفُ فِي رَوْضِ الْحُبُورِ مُغَرِّدا | 
| تَجَمْهَرَتِ الأَحْداقُ فِي غَمْرَةِ السَّنا | تُعَانِقُ مِشْكَاةَ الْهِدايَةِ "أَحْمَدا" | 
| تَبَدَّتْ لَدَى الْبَدْرِ الْبَهِيِّ خَوَارِقٌ | قُبالَتَها حُكْمُ الطَّغامَةِ أُرْعِدا | 
| بَدَا رَعِشاً إِيوَانُ "كِسْرَى" كَناقَةٍ | تَمَايَدَ عِطْفَاهَا عَلَى نَغَمِ الْحُدا | 
| وَأُسْقِطَتِ الأَصْنامُ تِلْقا وُجُوهِها | وَمَا جَلْمَدٌ فِي الرَّوْعِ آزَرَ جَلْمَدا | 
| وَغاضَتْ مِيَاهُ الْفُرْسِ فِي فَلَوَاتِها | وَطَوْدٌ مِنَ النِّيرانِ رِيعَ فَأُخْمِدا | 
| لِتَنْطَفِئِ الأَضْواءُ خَجْلَى كَلِيلَةً | فَنُورُ الْهُدَى فِي الْخافِقَيْنِ تَوَقَّدا | 
| وَتَوْراةُ "مُوسَى" بِالْبِشَارَةِ انْتَشَتْ | وَإِنْجِيلُ "عِيسَى" بِالْوِلادَةِ أُسْعِدا | 
| "مُحَمَّدُ" شَمْسُ الْحَقِّ يَسْطَعُ نُورُها | بِطَلْعَتِهِ لَيْلُ الضَّلالِ تَبَدَّدا | 
| "مُحَمَّدُ" خَيْرُ الأَنْبِيَاءِ سَجِيَّةً | حَبَاهُ إِلَهُ الْكَوْنِ مَجْدًا وَسُؤْدُدا | 
| تَأَبَّطَ شَأْوَ الْعِزِّ تَحْتَ جَنَاحِهِ | فَخَرَّتْ لِعَيْنَيْهِ الْمَلائِكُ سُجَّدا(5) | 
| عَلَيْهِ أَمَارَاتُ النُّبُوَّةِ تَزْدَهِي | تَلَقَّفَهَا الْقَلْبُ الْمُتَيَّمُ مُنْشِدا | 
| رَسُولٌ مِنَ الرَّحْمَنِ أَوْمَضَ نَجْمُهُ | بِغُرَّتِهِ طَيْفُ الْعَلاءِ تَجَسَّدا(6) | 
| "قَضَى الله لِلْعَلْياءِ أَنْ تَتَجَسَّدا | فَقَالَ لَها: كُونِي، فَكَانَتْ مُحَمَّدَا" | 
| وَأَقْرَأَهُ "جِبْرِيلُ" آيَةَ رَبِّهِ | فَرَتَّلَ آيَاتِ الْكِتَابِ وَجَوَّدا | 
| تُرَوِّي غَلِيلَ الرُّوحِ مِنْ نَفَحَاتِهِ | وَتَسْتَافُ مِنْ أَخْلاقِهِ عَبَقَ الْهُدَى | 
| أَبادَ عُرُوشَ الْقَاسِطِينَ حُسَامُهُ | وَشَقَّ طَرِيقاً بِالْفَلاحِ وَعَبَّدا(7) | 
| بِهِ بَيْرَقُ الإِسْلامِ رَفْرَفَ شَامِخاً | وَلَوْلاهُ مَا صَلَّى امْرُؤٌ وَتَشَهَّدا | 
| لَكَمْ حاوَلَ الأَعْداءُ قَتْلَ مُحَمَّدٍ | فَكانَ عَلِيٌّ في الخُطُوبِ لَهُ الفِدا | 
| عَلِيٌّ بِهِ رُوحُ النَّبِيِّ تَجَسَّدَتْ | فَطُوبَى لِمَنْ والَى عَلِيّاً وأَحْمَدا | 
| أَيا سَيِّدَ الأَكْوانِ يا قِبْلَةَ الْحِجَى | غَدَوْتَ عَلَى أُولِي السِّيادَةِ سَيِّدا | 
| "مُحمَّدُ" أَنْتَ الطُّهْرُ وَالْحُبُّ وَالنَّقا | وَأَشْرَفُ خَلْقِ الله خُلْقاً وَمَحْتِدا | 
| أَيَا أُمَّةَ الإِسْلامِ حَسْبُكِ مَنْعَةً | فَوَحْدَتُكِ الْغَرَّاءُ أَرْعَبَتِ الْعِدَى | 
| لَئِنْ مَزَّقُوا الْقُرْآنَ حِقْداً فَإِنَّهُ | سَيَبْقَى بِأَعْمَاقِ الْقُلُوبِ مُخَلَّدا | 
| وَيَبْقَى رَسُولُ الله مَشْعَلَ وَحْدَةٍ | وَلِلْعَابِدِ الْوَلْهَانِ مَهْوًى وَمَوْرِدا | 
| وَإِنْ سَارَتِ الدُّنْيا عَلَى نَهْجِ "أَحْمَدٍ" | فَإِنَّ عَدُوَّ الحَقِّ يَهْوِي مُصَفَّدا | 
| جِهادُ الأُباةِ الثَّائِرِينَ بِعامِلٍ | أَعادَ وَشِيكاً ذَا الْفَقَارِ مُجَدَّدا | 
| وَوَقْفَةُ شَعْبِي كَالْجِبالِ مُؤَازِراً | أَقامَ صُراخَ الطَّائِراتِ وَأَقْعَدا | 
| مُقاوَمَتِي رُوحُ الْبِلادِ وَنَبْضُها | جَعَلْتُ ثَرَاها لِلنَّواظِرِ أُثْمُدا(8) | 
| لَنا قائِدٌ، بِالنَّصْرِ تَوَّجَ عَصْرَهُ | وَكانَ مِنَ الرَّبِّ الجَلِيلِ مُسَدَّدا | 
| "مُحَمَّدُ" يا خَيْرَ الأَنامِ تَحِيَّةً | إِلَيْكَ، يُحاكِي عَذْبَ أَحْرُفِها النَّدَى | 
| نَسَجْتُ عَلَى نَوْلِ الْوَلاءِ مَدائحاً | لَعَلَّ تُغَشِّينِي شَفاعَتُكُمْ غَدا | 
| عَلَيْكَ سَلامُ الله ما لاَحَ كَوْكَبٌ | وَما سَبَّحَ الْكَوْنُ الْفَسِيحُ وَوَحَّدا | 
1- الرَّوائع : مفردها الرائعة، وهي عمل بارز مجلٍّ في الأدب أو الفنِّ أو الصناعة اليدويَّة أو نحوها.
2- تضارع : تشـابه.
3- الطِّرْس : الصَّحيفة أو الكتاب الَّذي مُحي ثم كُتب.
4- الخُزامَى : زهر متعدِّد الألوان طيِّب الرَّائحة.
5- الشَّـأْو : الغايـة.
6- بغرَّته : بوجهـه .
7- القاسطين : الجائرِينَ المائِلِينَ عَنِ الحَقِّ .
8- الأُثمد : حجر يُكتحل به، وهو أسود إِلى الحمرة.