مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أهل البيت عليهم السلام .. التفوق الشامل


بسم الله الرحمن الرحيم‏
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. إن الحديث عن أهل البيت عليهم السلام هو حديث عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وذلك لأنهم عدل القران كما عبَّر رسول الله صلى الله عليه وآله عندما قال: "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي"
.

والنبي عندما يأمرنا بالانقياد لكتاب الله ولأهل البيت عليهم السلام معاً يريد أن يؤكد لنا أن هؤلاء قد عصمهم الله سبحانه وتعالى كما عصم كتابه، فكما أن الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كذلك أهل البيت لا يمكن للباطل أن يتطرق إليهم لا من قريب ولا من بعيد، وهذه المسألة ليست مسألة اعتقادية نظرية فحسب، وإنما هي مسألة عملية يريد رسول الله صلى الله عليه وآله من خلالها أن يوصل الأمة إلى درجة التكامل وذلك لأن قول الله عزَّ وجل ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ لم يكن مسألة نظرية مجردة عن المثل وعن القواعد الإلهية، وإنما هي مسألة تحتاج معها الأمة إلى طي المراحل لتصل إلى ذلك المستوى، وهنا لا بد لنا أن نرجع الأمور إلى نصابها لنقول أن البناء الاجتماعي لأي مرحلة من المراحل لا يمكن أن يكون ناجحاً إذا أحكمنا قواعده النظرية فحسب، بل إن هذا البناء الاجتماعي ينبغي أن يكون محكوماً بالمثال الأعلى، والمثال الأعلى على أساسه يمكن أن نصيغ الأفراد، فإذا وقف فرد في زمان أو مكان أو موقف ما وقف إنسان أخر في نفس الزمان وفي نفس المكان ولكن في الموقف المختلف ينبغي لنا أن نضع أنفسنا أمام هذا أو أمام ذاك أو بينهما أو خارج كليهما وذلك لأننا نعتقد أن الله تبارك وتعالى لا يترك الأمة من دون أن يكون فيها هادٍ يهدي إلى سبيله سبحانه وتعالى.

وكان هذا المثل الأعلى متجلياً برسول الله صلى الله عليه وآله وهو سيد أهل البيت عليهم السلام وكان إكمال هذه المهمة وهذا الدور غير مرتبط باستمرار الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله لأن الشق النظري والقواعد الرئيسية للإسلام قد اكتملت "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" إلاَّ أن استمرارية الإسلام لا تكمن في بقاء كتاب الله بين الناس لأن بقاء هذا الكتاب كما عبَّر القران الكريم قد يكون في وقت تكون الأمة فيه بعيدة عن هذا الكتاب ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا وليست هجرة القران هنا بمعنى أنه كان بعيداً عن المتناول فقد يكون هذا القران يزين المكتبات والغرف والبيوت ولكنه يستعمل للزينة فقط وينبغي على القران أن يزين القلوب وهذا ما لا يمكن أن يحصل إلاَّ من خلال الفهم الحقيقي لكتاب الله سبحانه وتعالى وهذا بدوره لا يمكن أن يحصل إلاَّ من خلال وجود مفسرين حقيقيين لكتاب الله سبحانه وتعالى وهم أهل البيت عليهم السلام .

ولم يكن الذي يميز أهل البيت عليهم السلام عن الأمة الإسلامية وجميع أفرادها هو القرب النسبي لرسول الله وذلك لأن رسول الله أراد أن يوضح هذه الحقيقة وهي أن المسألة ليست العلاقة النسبية برسول الله وذلك لأن رسول الله بذاته لم يكن إلاَّ رسولاً مرسلاً من قِبل الله سبحانه وتعالى "وما محمد إلاَّ رسول قد خلت من قبله الرسل" فعظمة النبي إنما هي لكونه يمثل هذا المقام عند الله سبحانه وتعالى وأما موقع الأبوَّة والبنوَّة والأخوَّة والمصاهرة والزوجية فهذا ما أوضح الله سبحانه وتعالى أنه لا يقدم ولا يؤخر والله تعالى يقول: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وهو عزَّ وجل يقول أيضاً عن ابن نبي الله نوح: "قال إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" وإنما الانقياد لأهل البيت عليهم السلام إنما هو لأنهم انقادوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وبالتالي انقادوا لله سبحانه وتعالى وعملية الانقياد لأهل البيت عليهم السلام لا يجوز أن تكون في شي‏ء دون بقية الأشياء وإنما ينبغي على المرء أن يرى نفسه في الموقع العلمي وفي الموقع الجهادي وفي موقع السنن والآداب وفي الموقع السياسي والاجتماعي هل هو منقاد لأولئك الأشخاص أو ليس كذلك ولا يجوز هنا التجزئة بين شي‏ء وشي‏ء يتعلق بأهل البيت عليهم السلام فلا يجوز لنا أن نأخذ ببعض الكتاب ونترك البعض الآخر كما فعل بنو إسرائيل ولعنوا على لسان الأنبياء لأنهم أخذوا شيئاً وتركوا آخر وذلك لأن التفوق عند أهل البيت عليهم السلام ليس تفوقاً عرضياً وإنما هو تفوق ذاتي لأنهم ربطوا أنفسهم بالله سبحانه وتعالى فكان لهم التفوق الكامل في كل شأن من الشؤون النظرية والعملية على حد سواء ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وآله يقول في مورد "أفضلكم علي" وفي آخر "أتقاكم علي" وفي ثالث "أولاكم علي" وفي رابع "أقضاكم علي..."

 إلى غير ذلك من التعابير التي تشير إلى الجوانب التفصيلية لأمير المؤمنين عليه السلام وذلك لأن رسول الله كان يعلم بأنه سوف يأتي من يقول بأن الأفضلية الإجمالية لأمير المؤمنين عليه السلام قد تكون أفضلية نسبية بمعنى أن أمير المؤمنين عليه السلام بالمحصلة العامة هو أفضل من غيره ولا مانع من أن يكون غيره أفضل منه في بقية المواضع ودفعاً لهذا الأمر لجأ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بيان كل التفاصيل التي يبدو فيها أمير المؤمنين عليه السلام صاحب الفضل وصاحب الفرق الشاسع بينه وبين الآخرين وهذه منَّة إلهية قد أُعطيت لأمير المؤمنين ومنه إلى بقية الآل الأطهار وهذه المنحة الإلهية ليست من أجل أن يتنعَّم أهل البيت عليهم السلام بذلك المقدار من النعيم في حياتهم الدنيا فكلنا يعلم بأن أمير المؤمنين عليه السلام الذي مدح بذلك المديح المنقطع النظير على لسان النبي صلى الله عليه وآله وفي تفسير كثير من آيات الله عزَّ وجل ما حصل عليه من الدنيا أنه شتم على منبر المسلمين ثمانين سنة مع أن هذه المنابر قامت بسواعد أمير المؤمنين وبجهاده بين يدي النبي الأعظم صلى الله عليه وآله.

فليس المقام مقاماً دنيوياً لأهل البيت عليهم السلام وإنما هو مقام أخروي سوف يلقى أهل البيت عليهم السلام جزاءه عندما ينتقلون عن هذه الدنيا وكما حصل مع أمير المؤمنين عندما نزل السيف على رأسه الشريف قال: "فزت ورب الكعبة" وهي في نفس الوقت تعطينا الهداية والسبيل لأن نطلع إلى أولئك النفر الذين من خلالهم تحصل عملية التكامل ولا يمكن للإنسان أن يتكامل إلاَّ بالاعتماد على كتاب الله الصامت من جهة وهو القران العظيم وعلى الشق الآخر وهو الشق العملي المتمثل بأهل البيت عليهم السلام الذين يمثلون المثل الأعلى في خط هداية الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى على أن هذه المسألة التي ينبغي على المسلمين أن يفكروا فيها لا يجوز لهم أن ينطلقوا فيها من زاوية التفريق بين أفراد الأمة الإسلامية وذلك لأن أهل البيت عليهم السلام لم يكونوا أئمة للبعض من الناس وإنما كانوا أئمة للبشر بأجمعهم.

وهذه المرتبة لأهل البيت عليهم السلام هي التي جعلتهم على مدى وجودهم في هذه الحياة عرضة للاضطهاد والتنكيل من أهل الدنيا الذين لم يكونوا ليسمحوا لبعض الأشخاص الإلهيين أن يكون لهم تلك المكانة في الحياة الدنيا، صحيح أن أهل البيت عليهم السلام تخلوا عن الدنيا بكل ما فيها ولكن أهل الدنيا لا يريدون لهم أن يتخلوا عن دنياهم فحسب، لأنه عند ذلك سوف تبقى الصورة الصافية للمثل الأعلى ماثلةً في أذهان الأمة الإسلامية بل هم يريدون أن لا يبقى هناك صورة لأي واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام فيجري عليهم ما جرى إلى أولهم إلى آخرهم. وليس هذا موضع بحثنا وإنما الهدف هو بيان مقدار ما لأهل البيت عليهم السلام من ميزة على أهل الدنيا والقضية هنا لا ينبغي أن تأخذ من الناحية النظرية فحسب، وذلك لأن منزلة أهل البيت عليهم السلام هي منزلة كتاب الله سبحانه وتعالى وإنما علينا أن نلجأ إلى قول النبي صلى الله عليه وآله عندما حدد المنزلة في موقع آخر "مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من تمسك بها نجا ومن تخلَّف عنها غرق وهوى" والتمسك لا يكون مجرد اعتقاد لأن الاعتقاد بنجاة السفينة الراسخة في البحور الهائجة لا ينجي وإنما التمسك العملي هو الذي ينجي الإنسان من ظلمات البر ومن ظلمات البحر.

ومن هذه الزاوية علينا أن ننظر إلى توجيهات أهل البيت عليهم السلام إلى مختلف أبناء الأمة الإسلامية فهم لم يقفوا موقفاً سلبياً تجاه الأحداث بل إنهم يحاولون قدر الاستطاعة أن يحققوا عملية نجاح للأمة الإسلامية ومن أراد أن يطلع على هذه المسألة بشكل تفصيلي فعليه أن يراجع دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام لأهل الثغور يعلم حقيقة أن الظلم الشخصي لأهل البيت عليهم السلام لا يمكن أن يكون حاجزاً بينهم وبين خدمة الرسالة الإسلامية التي من خلالها تحصل عزة الأمة الإسلامية بشكل عام. وإذا شئنا أن نطلع على بعض التفاصيل التي من خلالها تتضح منزلة أهل البيت عليهم السلام فلننظر إلى ما رواه ابن عباس عندما سئل يا ابن عباس ما علمك أمام علم علي؟ فقال: "ما علمي وعلم الآدميين جميعاً إلاَّ كنقطة في بحر علي بن أبي طالب" وابن عباس هو الذي يقول: "إن علياً عليه السلام قال له: ألا أعلمك الفاتحة؟ فقلت بلى يا أمير المؤمنين، فصلينا العشاء وجلسنا فطلع علينا الصبح ولا يزال علي في حرف الباء من  ﴿بسم الله الرحمن الرحيم هذه تدلنا على المقام العلمي الذي لا يمكن أن يدنو منه أحد على الإطلاق، وهذا ليس مختصاً بأمير المؤمنين عليه السلام وإنما هو أمانة الله تعالى من أمير المؤمنين إلى بقية الآل عليهم السلام الذين ارتبطوا مع الله سبحانه وتعالى ذلك الارتباط الكامل ليستمدوا علمهم من علم الله سبحانه وتعالى وتخلَّقوا بأخلاق الله لأنهم لم يروا لأنفسهم وجوداً وإنما الوجود الحقيقي هو لله سبحانه وتعالى.

ويمكن للإنسان على المستوى النظري أن يقول إن هذه المسألة ممكنة لأي إنسان، هذا صحيح إلاَّ أن الإمكانية العملية لهذا الوصول المطلق إلى الله عزَّ وجل تكمن فيه كل المشقَّات وكل الصعوبات وعلينا هنا أن نقول بأن الموضوع العلمي والنظري والفكري الذي ميَّز أهل البيت عليهم السلام فيما بعد تمكن مجموعة من العلماء أن ينهلوا من هذا المعين وأن يثروا الأمة الإسلامية بذلك الثراء العلمي الهائل ولكننا لا يمكن لنا أن نقول إن ما حوته المجاميع الفكرية لعلماء الإسلام عبر التاريخ وما تضمنته عقول العلماء وقلوبهم هو ما يعكس حقيقة المقام العلمي لأهل البيت عليهم السلام وإنما هو غيض من فيض أئمتنا الأطهار عليهم السلام وإذا أردنا أن نأتي إلى الحياة العملية لأهل البيت عليهم السلام فإننا نجد كل المقامات الأخلاقية التي وصلوا إليها هي القمة في كل شي‏ء قمة في الكرم، في الشجاعة، في التعامل مع الآخرين وهذه المسألة تنطلق أيضاً من منطلق الارتباط بالله عزَّ وجل فإن الإنسان الذي ينهل من العلم ويكتسب منه على أساس قدراته الشخصية سوف يبذل الكثير ليحصل على القليل وكذلك الحال في موضوع الأخلاق إذا أراد الإنسان أن تكون أخلاقه مأخوذة من التعامل الإداري بينه وبين الآخرين فانه يعطي الكثير ليأخذ القليل.

أما بالنسبة لأهل البيت عليهم السلام فلم يكن علمهم علماً كسبياً ولم تكن أخلاقهم أيضاً أخلاقاً قد اكتسبوها من نظام أخلاقي وإداري ارضي وإنما العلم والخلق على حد سواء هو موهبة ونعمة ومنحة من الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الذين اعطوا الله كل ما عندهم فأعطاهم الله ما يبهر القلوب وما يبهر الأبصار. إن المسألة التعاملية والأخلاقية منها بشكل خاص قد يوجد آثار لها في المجتمعات ولكنها مؤقتة ومحددة ومظروفة في مجموعة من المؤقتات والمحددات والظروف وذلك إذا أسي‏ء للإنسان المحسن في بعض الحالات من قِبَل إنسان أحسن هذا المحسن إليه فإن هذا قد يكون دافعاً لأن يتوقف المحسن عن إحسانه أما بالنسبة إلى أهل البيت عليهم السلام فإن كل الشواهد التاريخية كانت تدلنا على أنهم كانوا يحسنون إلى من أساء إليهم ولا يتوقف إحسانهم عند رد الإحسان بالإساءة من قِبَل الآخرين وذلك لأن العلاقة لم تكن علاقة مع الآخرين وإنما كانت علاقة مع رب البشر، مع رب العالمين مع الجهة التي تعطي ولا يوجد جهة يمكن لها أن تعطي ما يعطيه الله سبحانه وتعالى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع