مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الذين جاهدوا فينا لنهدينهم

الشيخ خضر ديب

تحدَّث علماء الأخلاق عن موانع تقف أمام طريق تهذيب النفس؛ فلكلّ طريق عقبات لا بدَّ للسالك أن يجاهد نفسه لإزالتها، وإلَّا فلن يصل إلى هدفه، نذكر منها:


1 - المانع الأوّل: عدم قابلية القلب:

فالقلب الملوَّث بالمعاصي والذنوب لا يمكن أن تدخله ملائكة الرحمة. وبالمعصية تسير النفس وتتحرّك بعكس السير المطلوب. فلا بدَّ من تطهير النفس من الذنوب والآثام بالتوبة منها، حتّى تصبح هذه النفس قابلة للسير إلى الله تعالى بتلقّي الفيوضات والإشراقات الإلهيّة.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أذنب الرجل خرج من قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً"(1).

2 - المانع الثاني: التعلّقات الدنيويّة الماديّة: كالمال والثروة والبيت والجاه وسائر وسائل الراحة:
وهذه التعلّقات بالمعنى المتقدّم في حبِّ الدنيا تكون رأس كلّ خطيئة، إنْ أنستنا، أنستنا ذكر الله ويوم الوقفة بين يدي الله تعالى للحساب.
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أوّل ما عُصي الله تبارك وتعالى بست خصال: حبُّ الدنيا، وحبُّ الرياسة، وحبُّ النساء، وحبُّ الطعام، وحبُّ النوم، وحبُّ الراحة"(2).

3 - المانع الثالث: اتّباع هوى النفس وميولها وشهواتها:

إنَّ من يسعى ليل نهار لإرضاء غرائزه وشهواته لا يستطيع أن يحلّق نحو مقام القدس الإلهيّ.
قال تعالى: ﴿ولَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ (ص: 26).
وعندما ينفذ الهوى إلى قلب وعقل وإحساس الإنسان، فإنّه يرى الأشياء كما يريد الهوى، بل وينفذ الهوى إلى ضمير الإنسان، وهنا ينفصل بالإنسان عن محور العبودية لله، ويربطه بمحور الهوى، بحيث يتعرّض لردَّة كاملة في شخصيّته من عبوديّة الله إلى عبوديّة الهوى(3).
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أشجع الناس من غلب هواه"(4).

4 - المانع الرابع: الامتلاء بالأكل:
لأنَّ هذا يمنع من العبادة والدعاء والتوسّل والتضرُّع.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا أراد الله صلاح عبده، ألهمَه قلَّة الكلام وقلَّة الطعام وقلَّة المنام"(5).

5 - المانع الخامس: الكلام غير الضروريّ وغير المفيد:

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنَّ كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب، إنَّ أبعد الناس من الله القلب القاسي"(6).
وعن الإمام الرضا عليه السلام: "من علامات الفقه: الحلم والعلم والصمت، إنَّ الصمت باب من أبواب الحكمة. إنَّ الصمت يكسب المحبة، إنَّه دليل على كل خير"(7).

6 - المانع السادس: حبُّ الذات:

على السالك إلى الله أن يبدِّل حبَّ ذاته بحبّ الله، وأن يؤدّي كلّ أعماله بداعي الرضا الإلهيّ، فيأكل لأنَّ الله سمح له بدوام الحياة كما يصلّي لأنَّ الله أمر بذلك... وهكذا.

7 - المانع السابع: ضعف الإرادة:

وهو ما يمنع من البدء بالعمل، والشيطان يعمل جادّاً لإضعاف إرادتنا فيصوّر عبر الوهم أنَّ العبادة صعبة، أو أنَّ السلوك إلى الله غير مطلوب، أو أنَّ المهم هو العبادة الصوريَّة الخالية من المضمون.
والحلّ هو بتقوية الإرادة التي تحتاج إلى جهاد وتضحية كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت: 69).

*الشباب نقطة البداية
يركّز الإمام الخميني قدس سره على تهذيب النفس، وخاصّة في مرحلة الشباب؛ لأنها هي الفترة التي يمكن فيها ذلك. أمّا مرحلة الشيخوخة فتصعب فيها هذه المهمّة. يقول الإمام قدس سره: "إلى ابنٍ يتمتّع بنعمة الشباب متاحة أمامه فرصة لتهذيب النفس، وللقيام بخدمة خلقه. عليك أن تنتبه إلى أنَّ التوبة أسهل على الشبّان، كما أنّ إصلاح النفس وتربيتها يتمّ بسرعة أكبر عندهم، في حين (أنَّ) الأهواء النفسانية، والسعي للجاه، وحبّ المال، والغرور أكثر وأشدّ بكثير لدى الشيوخ منه لدى الشبّان. أرواح الشبّان رقيقة شفّافة سهلة القيادة"(8).

ما ينبغي تركه:
1- عدم طلب الشهرة والجاه: يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "فاسمع يا ولدي العزيز الذي أسأل الله أن يجعل قلبك مطمئناً بذكره لنصيحة أبٍ قلقٍ محتار، ولا تتعب نفسك بالانتقال بطرق هذا الباب أو ذاك، للوصول إلى المنصب، أو الشهرة التي تشتهيها النفس، فأنت مهما بلغت من مقام فإنك سوف تتألّم وتشتدّ حسرتك وعذاب روحك لعدم بلوغك ما فوق ذلك...".

2- الابتعاد عن مجالس السوء:
يقول الإمام قدس سره: "واسعَ أن تتجنّب المجالس التي توقع الإنسان في الغفلة عن ذكر الله، فإنَّ ارتياد مثل هذه المجالس قد يؤدّي إلى سلب التوفيق، الذي يعدّ بحدِّ ذاته خسارة لا يمكن جبرانه".

3- عدم إنكار مقامات أهل المعرفة:
يقول الإمام قدس سره: "ولدي ما أوصيك به بالدرجة الأولى هو أن لا تنكر مقامات أهل المعرفة، فالإنكار سُنَّة الجهَّال، واتّقِ معاشرة منكري مقامات الأولياء فهم قطَّاع طريق الله تعالى".

4- عدم الاهتمام بجمع الكتب،
بل الأهم هو العمل: يقول الإمام قدس سره لابنته: "الليلة الماضية سألتِ عن أسماء الكتب العرفانيّة، ابنتي اهتمّي برفع الحُجُب لا جمع الكتب، إذا نقلت الكتب العرفانية والفلسفية من السوق إلى المنزل... أو جعلت نفسك مخزناً للألفاظ والاصطلاحات... وأصبحت زينة المجالس وتبعك لا سمح الله غرور العلم والعرفان... فهل بهذه المحمولات الكثيرة زادت الحُجُب أم خفّفتها؟ أورد الله عزَّ وجلَّ لإيقاظ العلماء الآية الشريفة: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة: 5) ليعلموا أنّ اختزان العلوم حتّى إذا كان علم الشرائع والتوحيد لا يخفّف الحُجُب، بل يزيدها"(9).

*الابتعاد عن الموارد التي يحتمل أن يضعف فيها
بما أنّ الإنسان يتأثّر بالأمور التي تحيط به، فإنه من الممكن أن يضعف في بعض المَواطن، أو الحالات التي تتهيَّأ فيها أجواء المعصية، كمجالس الفسق والفجور ومراكز السوء، والخلوة بالمرأة الأجنبية والمزاح معها، والنظر إلى المشاهد المثيرة للغرائز والشهوات، من هنا كان عليه أن يبتعد عن تلك الموارد التي يقوى فيها الشيطان عليه، حتى لا يقع في المعصية، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إذا أبصرتِ العينُ الشهوة، عمي القلب عن العاقبة"(10).


1- الكافي، الكليني، ج2، ص272.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج7، ص94.
3- من كتاب الهوى، محمد مهدي الآصفي، ص50 - 51، ملخّصاً.
4- بحار الأنوار، م.س، ج7، ص76.
5- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج16، ص213.
6- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج8، ص536.
7- الكافي، م.س، ج2، ص113.
8- من وصية الإمام الخميني قدس سره لولده السيد أحمد (رض).
9- م.ن.
10- غرر الحكم، صفحة 155، حكمة 4.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع