مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تهذيب النفس سبيل السالكين

الشيخ ياسين عيسى

قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (الشمس: 9).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندما بعث سريّة عسكريّة ثمّ عادت: "مرحباً بقومٍ قضَوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر". قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: "جهاد النفس"(1).
إنّ تهذيب النفس عبارة عن إيصال النفس إلى مقامها الإنسانيّ المرجوّ؛ وذلك بتفعيل الأخلاق الحسنة، والأعمال الصالحة، مع عقيدة سالمة من الخرافات واللاعقلانية. عندها يتأهّل الفرد للقيام بالوظيفة المطلوبة منه أمام الخالق واتجاه الخلق.


*أهميّة تهذيب النفس
وتهذيب النفس كان من الأهداف الكبرى لحركة الأنبياء على الأرض، الذين كان جلُّ عملهم هو إيصال الأفراد والجماعات إلى هذا المقام، من أجل بلوغ السعادة والراحة في الدنيا، وكذلك الفوز بسعادة الأبد في الجنّة.
قال آية الله دستغيب قدس سره: "النجاة من المصاعب الدنيويّة والعقوبات الأُخرويّة، والفوز بالراحة الدنيويّة والثواب في المقام الأُخروي، مرتبط بجهاد النفس وترك هواها"(2).

وقال الفيض الكاشاني (رض):

لئن قهرت النفس في هواها فأنت في قهر العداة قمين [جدير](3)

وقال الإمام الصادق عليه السلام: "احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شيءٌ أعدى للرجال من اتّباع هواهم وحصائد ألسنتهم"(4).

*التهذيب للنفس انتصار بعد المعركة
وعمليّة التهذيب لا تتمّ إلّا من خلال جدل وصراع ومعركة بين العقل والشرع وقوى الرحمن من جهة، وبين الخيال والشهوات والأهواء وحبائل الشيطان، من جهة أخرى.
قال الإمام الخمينيّ قدس سره: "جهاد النفس هو الجهاد الأكبر الذي يعلو على القتل في سبيل الحقّ تعالى؛ وهو عبارة عن انتصار الإنسان على قواه الظاهريّة وجعلها تأتمر بأمر الخالق، وتطهير مملكة النفس من دَنَس قوى الشيطان وجنوده"(5).

إنّ هذه العمليّة سهلة ودقيقة في آن، وتقوم على ركيزتين:
أ- التصفية للنفس، بالتخلّي عن الأخلاق الذميمة والأعمال السيّئة وعبادة غير الله تعالى.
ب- الارتقاء، ويكون بالتحلّي بمحاسن الأخلاق والأعمال الصالحة وعبادة الرحمن.

وهاتان الركيزتان تؤخذان بَدْواً عند أيّ عملية استصلاح حتّى في النباتات إذ إنّ النبتة لا تنمو سليمة إلّا من خلال تزويدها بالماء والغذاء وصيانتها في آن من العَطَش والحرارة العالية والعبث ومن الحشرات الضارّة.

*السعادة في بلوغ مرتبة التكامل
ليست السعادة في جمع المال أو في رفاه الحياة أو في تحقيق الشهوات، وإنّما السعادة في بلوغ مرتبة التكامل المرجوّ. تماماً كما في "الوردة" فإنّ كمالها هو في وصولها إلى المرحلة التي تزهر فيها ويفيض أريجها وتتأهّل لإعجاب الناس بها.
ونحن البشر سعادتنا في وصولنا إلى المقام الإنسانيّ الذي يرضي الله، كما يرضي العباد، وذلك عندما نقوم بوظيفة العبادة بين يدي الله سبحانه، ونرتقي إلى مقام العشق الإلهيّ، والذي يؤهّلنا للفوز برضا الله تعالى، ونعيم الجنّة.

*طريق التهذيب
إنّ التهذيب ليس مفهوماً غريباً أو خيالياً، وإنّما هو حركة إراديّة ارتقائيّة وتغييريّة للنفس نحو الأفضل، وبلحاظ الهدف المنشود. وهذا يكون عندما تتوفّر الأمور التالية:

1- وضوح الهدف الذي من أجله خُلقنا، أيْ عندما نجيب عن هذين السؤالين: لماذا خلقنا الله؟ وماذا أراد منّا؟
2- توفّر الإرادة القويّة والواعية وطلب العون من الله.
3- الاعتماد على الجهة المرشدة، التي تكون بمثابة القدوة الصالحة، سواء كانت الأهل أو المرشد الصالح أو المؤمن المحترم الواعي. ونحن أغنياء بالقدوة الصالحة ولله الحمد، وعلى رأسهم محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ومن تَبعهم مِنَ الصالحين.
4- الاعتماد على برنامج المراقبة والمحاسبة، فنأخذ قراراً واضحاً بإصلاح النفس والتعرّف إلى ما يصلحها وما يضرّها، ثم نراقبها مع الحذر، فإذا التزمتْ بما هو صالح، فرِحنا وحمَدنا الله، وإذا صدر عنها ما يسيء، حاسبناها، ثم نلزم أنفسنا بالإصلاح من جديد وعدم العود إلى ما صدر عنها. وهكذا ما دام لنا مهجة وفسحة حياة.

*طُرُق تهذيبيّة
1- الثقة بالنفس.
2- الشكر لله على ما أنعم، وبشكل دائم.
3- الاستغفار الدائم.
4- عدم الدخول في المنازعات، مهما أمكن، وترك الغضب السلبيّ.
5- قراءة القرآن يوميّاً، ولو بمقدار عشر آيات.
6- عدم استماع النميمة والغيبة.
7- المواظبة على الدعاء.
8- حسن التواصل مع النبيّ وآله بالذكر، والزيارة والصلوات.
9- تعلّم الفقه(6).

*نموذج في التهذيب
(أخذ القرار والإرادة الواعية لدى بشر الحافي).
عندما مرَّ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام يوماً في بغداد بباب بِشْر، سمع أصوات الطرب والغناء، واتّفقَ أنْ خرجتْ من البيت في تلك اللحظة جارية، فسألها الإمام عليه السلام: صاحب هذا البيت عبدٌ أم حرٌّ؟ فأجابته بأنّه حرّ، وأنّه يمتلك غلماناً.
فقال عليه السلام ما مؤدّاه: أجل، إنّه حرّ، فلو كان عبداً لخاف مولاه.
ولما عادتْ الجارية إلى البيت، سألها بِشْر: مع من كنتِ تتحدّثين؟ فقالت: إنه شخصٌ قال كيت وكيت...
فأسرع بِشْر خلف الإمام عليه السلام حافياً، وتاب على يديه، وغدا من عبيد الله(7).


1- البحار، المجلسي، ج67، ص65.
2- القلب السليم، الشهيد دستغيب، ص504.
3- م.ن.
4- م.ن، ص355.
5- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني قدس سره، ص23 - 26.
6- عن بعض الأساتذة الكرام وممّا يستفاد من المواعظ العدديّة، ص381.
7- القلب السليم، م.س، ص351 - 352.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع