الشيخ حسن حمادي
يعتبر الخمس عند الشيعة الإمامية من أهم التشريعات المالية التي تساهم في تأمين موارد مالية ضخمة يساعد إنفاقها السليم في (ضمان نفقات دولة كبرى ذات سيادة وليس سد رمق بعض الفقراء والسادة منهم خاصة) على حد تعبير الإمام الخميني قدس سره.
والخمس واجبٌ على كل مكلف ذكر وأنثى حيث يتوجب عليه شرعاً دفع عشرين في المئة سنوياً من صافي أرباحه وعوائده بعد إخراج المؤونة فيما يحتاجه من أمور المعيشة له ولعياله، والخمس واجب شرعي وتكليف إلهي كالصلاة والصوم والحج والجهاد بل كثيراً ما تتوقف صحة الصلاة أو الحج وقبولهما على إخراج الخمس وأداء هذا التكليف العبادي الاقتصادي، ويقوم المؤمنون بالمسارعة بالدفع إلى الحاكم الشرعي (وهو الولي الفقيه في الأصل والمراجع بالنسبة لمقلديهم بحسب الواقع) من دون أي حاجة إلى الإلزام والمتابعة والإكراه فالمسألة تتعلق بالجانب الاعتقادي والإيماني للمؤمنين، فمن شروط صحة وقبول الخمس نية الإخلاص والتقرب إلى الله تعالى، فالأخذ بالإكراه يساوي عدم سقوط التكليف من خلال فساد العبادة، والمؤمنون عادة يتبركون عندما يسلمون الخمس إلى ولي الأمر ووكلائه ويستلمون الإيصال الموقع بخاتمه الشريف ولعل بعضهم يوصي بدفنه معه تبركاً وللشهادة أمام الله تعالى وملائكته! تدليلاً للانصياع والرضا بهذا التكليف الشاق إلا على المؤمنين، هذا من حيث تكليف المؤمنين بالدفع والتسليم إلى الولي بشكل عام ويبقى موضوع المصرف وإعادة التوزيع وكيفية الإفادة من هذا المورد المالي الضخم؟ وهنا بيت القصيد...
فرغم وجود الآراء العديدة في إطار التشريع إلا أن المشكلة الأساس في التطبيق الفاسد والذي كثيراً ما يخرج عن إطار كل الآراء الفقهية سواء في أصل المصرف أو في حجمه وتوقيته وكيفيته والحقيقة أن بعض الآراء الفقهية في هذا المجال فضلاً عن التجاوزات خارج أطر التشريع إنما نشأت بسبب الأوضاع السياسية التي عصفت بدءً من صدر الإسلام الأول ووصولاً إلى قرون طويلة دافعة المذهب الإمامي عن ممارسة دوره في إدارة شؤون المجتمع تحت ظل دولة وسلطة عادلة إلى الظل وضمن تجمعات بشرية صغيرة ومتفرقة تتعامل مع واقعها بحسب ما تراه من حجم ودور وكيانات اجتماعية متناثرة تعمل على حفظ الوجود والمبادئ والعقيدة كل في بلده ومدينته وقريته، وقد ساهم هذا الواقع من جهة في استنباط تشريعات فقهية مالية ضيقة بضيق الواقع ومن جهة ثانية فتح الباب واسعاً أمام إشكاليات تطبيقية عدة تلتقي عند نقطة التفريط أو عدم الاستفادة المطلوبة والمتناسبة مع هذا المورد المالي الضخم وتسريبه في اتجاهات متعددة ولأسباب عديدة تتقابل أحياناً في خلفية إخلاص النية وعدمها ولن نخوض طويلاً في هذا التفصيل لنقول أن الأصل في تشريع الخمس وكما عبر الإمام الخميني قدس سره "إنما هو لضمان نفقات دولة ذات سيادة"، والخروج عن هذا الأصل كان بسبب فقدان الدولة والتشكيلات الحكومية والإدارية العادلة إذ يعتبر وجودها ضرورة لتحقق ذلك عملياً (راجع كتاب الحكومة الإسلامية للإمام الخميني رضي الله عنه فصل الأحكام المالية ص29) .
واليوم بعد تحقق مشروع الدولة الإسلامية العادلة جغرافياً في إيران الإسلام وسياسياً في كل أنحاء العالم الإسلامي من خلال تصدي الولي الفقيه العادل ـ الممثل اليوم بولي أمر المسلمين دام ظله لقضايا وشؤون الأمة الإسلامية جمعاء فاللازم العمل المخلص والدؤوب للعودة إلى الأصل التشريعي المالي المشار إليه ولم يعد مقبولاً ولا منطقياً استمرار الوضع السابق في مصرف الخمس والتعاطي معه على أساس ما يشبه المكتسبات الشخصية والفئوية الضيقة والمأمول أن تلتقي تلك الجداول الصغيرة والعذبة لتشكل نهراً اقتصادياً كبيراً يمكن مع وجوده التخطيط والمباشرة في تأسيس مشاريع استراتيجية وكبيرة والتي سوف تعود حكماً لتغذي الجداول ثانية وبلا انقطاع أو ذعر لوجود مادة النهر الكبير المعتصم، ولن يكون دور الولاية المركزي مصادراً لمصالح الأطراف والأقاليم على الإطلاق، بل دور المنسق والراعي لمصلحتها جميعاً بكل تشكيلاتها وأفرادها. نعم يمكن أن يصادر هذا التنظيم الرائع للخمس المصالح النفعية لفاقدي نية الإخلاص والقربى وهذا هو المطلوب!!
أمّا أولئك العاملين الذين انطلقوا من إخلاص النية لله تعالى فسوف يكون رائدهم وقدوتهم ذلك المرجع الكبير والرشيد الذي ذاب في الإمام الخميني وفي قيادته ومرجعيته قبل أن يوصي مقلديه وأتباعه "إن ذوبوا في الإمام كما ذاب هو في الإسلام".