مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام الخامنئي: الـعلم والإيمان أساس الاقتدار(*)


لدينا رسالة هي الإسلام، وقضية هي مسؤوليّة الرسالة تجاه البشرية. فالبشريّة، ومنذ الأزمنة الماضية، تعاني من ابتلاءات كبرى. إذا كنا نستطيع أن نزيل غبار الهمّ عن الناس، وإذا كنا قادرين أن نتقدم خطوةً من أجل نجاتهم، ولم نفعل، نكون قد أذنبنا، فهذه مسؤولية، تماماً كما أنّ لكل واحد منا مسؤولياتٍ مشتركةً عليه القيام بها تجاه أسرته ومدينته ووطنه. بهذه النظرة ينبغي أن نتطلع إلى قضايا البشرية وقضايا العالم. ولذلك علينا السعي للحصول على القدرة، وهي ليست في الآلات العسكرية، ولا في القدرة على الإنتاج والتقدم التكنولوجي، وإنما توجد في أمرين اثنين، هما: العلم والإيمان.


*العلم سلطان
فالعلم أساس القدرة؛ كان كذلك على مرّ التاريخ؛ وسوف يبقى كذلك في المستقبل. هذا العلم قد يؤدي أحياناً إلى ابتكارٍ أو اختراعٍ ما. كما أن المعرفة أساس الاقتدار؛ وبها تصنع الثروات؛ وتؤدي المعرفة أيضاً إلى الاقتدار العسكري والسياسي. ففي روايةٍ قيل: "العلم سلطان، مَنْ وجده صال به، ومن لم يجده صيل عليه". إذاً للقضية بعدان: إذا كنتم تمتلكون العلم يمكن أن تكون لكم الكلمة العليا واليد العليا -وهذا معنى "صال"- وإذا لم تمتلكوا ذلك فلا توجد حالة برزخية، بل "صيل عليه". الذي يمتلك العلم تكون له اليد العليا عليكم؛ وسوف يتدخل في ثرواتكم وفي مصيركم... إن كنوز المعارف الإسلامية مليئةٌ بمثل هذه الكلمات.
الأمر الآخر هو الإيمان؛ حيث إن موضوع الإيمان شأنٌ آخر، ويحتاج إلى بحثٍ مفصّل.

بناءً عليه، يجب الاعتماد على العلم. وما يُتداول عن تطوّر العلوم مهمٌّ جداً؛ فالعلم قد يتطور في ظل الاستبداد أو الدكتاتورية ولكنه أبداً لا يحقق ذلك في ظل التبعيّة. نابليون، على سبيل المثال، كان دكتاتوراً ولكنه كان يؤسس المعاهد الثقافية وقد تحقّقت في عهده، الذي امتد لمدة خمس عشرة سنة تقريباً، تطوراتٌ علمية كبرى. ولا زالت هذه التطورات حتى زماننا أساساً لافتخار الفرنسيين. ولكن هناك وقتٌ تكون هذه الدكتاتورية نفسها مصحوبةً بالتبعية وبصفات العبيد، وهذا أمرٌ لا يُساعد أبداً على التقدّم أو التطور.

*العلم يحقّق السعادة والعدالة
العلم يتطلّب مقدّمات كثيرة لكي يُنشر بين الناس ولكي يصبح أوسع وأعمق، ووسيلة جديدة في ابتكار العلوم. فالعلوم لا تنحصر بما هو موجود الآن بين الناس. يوجد الكثير من العلوم في الواقع، وسوف تصل إليها البشرية حتماً؛ مثل كثير من العلوم الإنسانية التي لم تكن موجودة قبل مئة سنة كالعلوم ؛ والتحقيقات العلمية في تلك الفروع أيضاً. إن القابلية للمعرفة والإدراك، عند البشر، هي أكبر من هذه الأمور بكثير.

علينا أن نتقدم في هذه المجالات مهما أمكن؛ وأن نفهم أكثر، وأن نجعل العلم وسيلةً لسعادة البشرية. وهذا الاختلاف موجود بين نظرة الدين أو الإسلام إلى العلم ونظرة العالم المادي لهذا الأمر. فنحن نريد العلم لسعادة البشر وتكاملهم وتفتّح استعداداتهم واستقرار العدالة التي هي أكبر الأماني عند البشرية منذ القدم.

لا توجد عدالة في العالم، بل يوجد ظلم! توجد أنواعٌ من الظلم لا يمكن للإنسان أن يعترض عليها. وبمجرد أن يعترض يخفون صوته بتلك الوسائل والإمكانات العلمية، وخاصة العلوم المتعلقة بالاتصالات التي تتطور على الدوام، وتقمع كل صوتٍ معارض.

*دور الجامعة والأستاذ
ينبغي التوجه إلى قضية الثقافة بتدبّر. فالتعلّم ثقافة. وإذا قمنا بذلك في الجامعة يصبح طلابنا من الراغبين ومن الساعين نحو العلم والبحث، فلا يكون سعيهم لمجرد تحصيل الشهادات. وكذلك يخرج أساتذتنا من حالة الأداء الوظيفي، وهو ما قد يبتلى به بعضٌ إذ لا ينبغي أن يتحول التدريس إلى مجرد أداء وظيفي؛ بل ينبغي أن يكون عشقاً وحباً للعلم واندفاعاً نحو تربية الطالب، بأبويّة وأخويّة.

وهذه الحالة موجودة اليوم لحسن الحظ في الحوزات العلمية؛ لأنه من الأعراف الحوزوية أن يكون الأستاذ مستعداً بشكلٍ تام لقبول مجيء الطالب وسؤاله وتحقيقه حيث يمده بالعون. وقد يمشي الطلاب مع الأستاذ، حتى يصلوا معه إلى البيت، ويجلسون معه فيسألونه ويتباحثون معه وقد تصل المدة أحياناً إلى ساعات عدّة على هذا المنوال. هذه حالةٌ جيدة؛ ومثل هذا الأمر يحتاج إلى التعبئة الثقافية، لأن هذا يُعد عملاً ثقافياً ولا يمكن أن يحصل من خلال المقررات المدرّسة.

*العامل الأساس
إنّ أهم الاختراعات التي تحققت على يد الإنسان هي التي حصلت من خلال البحث والمثابرة والتضحية؛ ولم تكن من خلال التوصيات والأموال. أحياناً يكون ذلك الباحث تحت ضغوطٍ صعبةٍ جداً، ويقضي سنوات طويلة لكي يصل إلى النتيجة المتوخاة. ولا شك في أنه بعد أن يصل إليها تقبل عليه أيضاً الشهرة والمال؛ لكن العامل الأساس يرتبط بحماس هذا الباحث والعشق والرغبة عنده للبحث والتعمق. وهذه الثقافة مهمّة ويجب أن تُعمّم.

نحن نستطيع أن نربي هذا الشاب الباحث على الصبر والقناعة والرغبة بالعمل، والبحث، والعمل الجماعي، وأن يغلّب عقله على أحاسيسه فيكون منصفاً، وعارفاً بالوقت، وصاحب وجدان في العمل؛ ويمكن أن نكون ممن يضخ فيه عكس هذه الصفات. في الواقع إن هذا الشاب الجامعي الذي يكون بعمر الثامنة عشر أو التاسعة عشر، يكون مستعداً لهذه التربية. ويمكنكم أن تؤسسوا لجيلٍ يمتلك هذه الخصائص الأخلاقية، وهذا يتطلب تخطيطاً؛ لأن مثل هذا الأمر لا يتحقق بالملصقات، والمقررات وأمثالها؛ بل يجب أن تكون البرامج ناشئة من داخل الجامعات.
أضف إلى أن قسماً مهماً من العمل الثقافي هو عمل ديني؛ الأنس بالدين والعبادة والالتذاذ بها لها دورٌ كبير في تعميق المعرفة الدينية.

ومن ذلك الأنس بالقرآن والتدبّر فيه، التدبر أيضاً في الأدعية المأثورة، والمعتبرة في الصحيفة السجادية، كل ذلك له دور مهم جداً. فقد يأتي شخص، وبدافع العاطفة، يشارك في صلاة الجماعة والاعتكاف ومجالس العزاء الحسينية، وفي بعض المظاهر الدينية، لكنه يكون فاقداً لهذه المعرفة في عمق وجوده؛ فيزلّ وينحرف عند أوّل منعطف. ومن الواضح أن ذلك يكون لأنه لا يمتلك قاعدةً صلبةً وأرضيةً محكمة. لهذا فإن تعميق المعرفة الدينية أمر في غاية الأهمية؛ والأنس بالمعارف الإسلامية مهم جداً. هذا أحد أقسام العمل الثقافي الذي ينبغي أن يروّج وينتشر.


(*) نص الخطاب الذي ألقاه سماحة الإمام الخامنئي دام ظله لدى لقائه وزير العلوم وأساتذة جامعة طهران.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع