تحقيق: زهراء عودي شكر
تؤطّر الحياة البشريّة، المهنيّة، والسلوكيّة والتفاعليّة بمعايير أخلاقيّة وقانونيّة وعرفيّة لا يمكن التغاضي عنها بأي شكل. لا، بل إنّ خرقها يضع المخطئ في دائرة الذنب وقد يطاله القانون في مواضع معيّنة. والصحافة كأي مهنة أخرى لا يتعيّن على أصحابها مراعاة شروطها وقوانينها فحسب، بل أكثر من ذلك، احترام أخلاقيّاتها النابعة من الآداب العامة والمواثيق التي انبثقت من مجموعة مبادئ، نختصرها بالحقيقة والدقة والموضوعية والحياد والتسامح والمسؤولية أمام القراء. ومسيرة الأخلاقيات تلك تبدأ من لحظة الحصول على المعلومة إلى لحظة التغطية والتحرير وتوصيلها للجمهور، والشعار دائماً "إلحاق أقلّ ضرر بالجمهور".
*الصحافـة والمسؤوليات الأخلاقية والقانونية والميثاقية
لكلّ مهنةٍ أخلاقيّات وآداب عامة حددتها القوانين واللوائح الخاصة بها. ويقصد بآداب وأخلاقيات المهنة مجموعة من القواعد والأصول المتعارف عليها عند أصحاب المهنة الواحدة، بحيث تكون مراعاتها محافظة على المهنة وشرفها. وتختلف المسؤولية القانونية عن المسؤولية الأخلاقية باختلاف أبعادهما، فالمسؤولية الأخلاقية أوسع وأشمل من دائرة القانون لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره، فهي مسؤولية ذاتية أمام ربه وضميره وقرّائه.
وفيما خصّ المواثيق الأخلاقية الصحافية، نجد أن أشكالها تتنوّع بين مواثيق خاصة بوسائل الاتصال نفسها كالصحافة والكتب والسينما والمسرح والإذاعة ووسائل التواصل الإلكتروني، وبين مواثيق تهتم بجوانب المضمون الاتصالي، وبين أخرى تتناول وسيلة أو أداة الاتّصال وجوانب صناعتها، وهنا نعني التحرير والإعلان والتوزيع والترويج.
إذاً، الأخلاقيّات الإعلاميّة يجب أن تكون ذاتية تنم عن ضمير صاحٍ، وعلى الإعلامي انتقاء معلوماته وأخباره من مصادر موثوقة عالية المصداقية بحيث يكسب فيها ثقة الجمهور. فشعوره بالمسؤولية لا يفرضه القانون وحده، بل يأتي من رقابته الذاتية والتزامه بمعايير المهنة الرفيعة، فمتى كان الإعلامي متفانياً في مهنته ملتزماً بقوانينها حصل على احترام وثقة الآخرين زملاء كانوا أو جمهوراً.
*حول الإعلام وتغطياته
ربما لسنا بحاجة كبيرة إلى التجوال لمعرفة رأي الشارع بالإعلام عموماً واللبناني خصوصاً، ولاكتشاف مدى رضا الناس على ما يبثّه من برامج إخبارية وترفيهية وثقافية واجتماعية وغيرها، فآراء زوارنا ومن حولنا لربما تعكس لنا موقف الناس من الإعلام وتقييمهم لمسلكياته الأخلاقية والمهنية.
فها هي ردينة (طالبة إعلام)، تطلق العنان لغضبها من الإعلام اللبناني قائلة: "وهل هناك من يعير أهميّة للأخلاق في يومنا هذا؟ فالإعلام الذي نشاهده لا يهتم سوى بالسبق الصحفي ولو على حساب الناس ومشاعرهم وسمعتهم، وبالتشهير في بعض الأحيان. فالصحافة الصفراء (المشوّهة والكاذبة) باتت تُمرَّر في الكثير من الرسائل الإعلامية، هذا ناهيك عن التعمية على بعض الأخبار أو فضح بعضها الآخر حسبما تقتضي المصالح المادية. وأخيراً أقول: إن الصحافي اللبناني قد تسقط الملامة عنه في وطن شرذمه الفقر والطائفية والحرب والخلافات السياسية اللامتناهية".
وترى السيدة سناء أن الإعلام يجب أن يكون أكثر عناية وحذراً بالنسبة لما يعرض وينشر من صور وأخبار خصوصاً في وقت الانفجارات والكوارث. "حال حدوث انفجار نهرع إلى القنوات الإخبارية لمعرفة ما جرى، وسرعان ما أضع يدي على وجه ابنتي كي لا تشاهد صور الدم والضحايا والأشلاء، التي باتت أمراً عادياً في الإعلام، الذي ما عاد يراعي مشاعر الجمهور".
أما الأستاذ قاسم فينتقد الجسم الإعلامي، ولكن مع التبرير له، "الإعلام اللبناني ليس سيئاً ومخلّاً بالأخلاق إلى حدّ عدم مشاهدته، فلا ينكر المتابع وجود أخطاء تخرق أدبيات وأخلاقيات المهنة إلّا أنّ هذا التقسيم الواضح في الأرضية اللبنانية ربما يدفع الصحافي إلى إبراز ميوله السياسية مثلاً أو الإيحاء بها، فالمشاهد اليوم بات يسأل ويعرف اتجاهات معظم الصحافيين السياسية، وهنا ضُرب بالمهنية عرض الحائط".
*الأخلاقيّات الصحافيّة
تعدّ أخلاقيّات المهنة الصحافيّة بمثابة مبادئ ترتكز عليها القرارات المهنيّة في مختلف المواقف والموضوعات التي يواجهها الإعلامي أثناء عمله خصوصاً في أوقات الأزمات. وهذه الأخلاقيات هي مجموعة من المبادئ والقيم المنظمة التي يمكن حصرها بعناوين عريضة تشمل:
1 - الصدق والدقة.
2 - احترام الكرامة الإنسانية.
3 - النزاهة.
4 - المسؤولية: أن يتحمل الإعلامي مسؤولية الصحة من أخباره والتحري، والتزام الدقة.
5 - العدالة: التي تقتضي توخي الحكمة في عرض الأخبار والصور والابتعاد ما أمكن عن أساليب المبالغة والتهويل والإثارة الرخيصة.
*مراعاة الأخلاق في العلاقات الإعلامية
أما فيما يخص أخلاقيات العلاقات، فهي تشمل:
1 - أخلاقيات تعامل الإعلاميين فيما بينهم ومع الجمهور: وذلك يعني عدم الاعتداء على زملاء المهنة بالمعاملة السيئة أو سرقة المواد الإعلامية وانتحال آراء الآخرين.
2 - أخلاقيات خاصة بالإعلان: وهي تحثّ على مراعاة مضمون الإعلان للقيم والسلوكيات التي تتفق مع معايير ومبادئ المجتمع، وأن لا يضلّل مضمون الإعلان الجمهور.
*الأخلاقيات الصحافية وقت الأزمات
حال وقوع الأزمات والأحداث الساخنة، يتحول اهتمام الناس بشكل أساسي إلى الشاشة الصغيرة، فتجدهم يتسمّرون أمامها لساعات كي يتابعوا مجريات الأحداث، ولكن ماذا يحصدون خلال فترة مشاهدتهم؟ للأسف، إن نتاج الحصاد ليس صافياً، بل إن العنف والفساد والفضائح تشوّهه. والمشكلة الإعلامية ليست محصورة بالمشهد اللبناني والعربي، فحتّى أكبر المؤسسات الإعلامية عالمياً تقع في فخّ الأخطاء التي ترتكب بسبب التوق إلى تسجيل "سكوب" أو سبق صحافي.
*أين الدين من الأخلاقيات الإعلامية؟
ولما كان الدين جزءاً لا يتجزّأ من المنظومة الإعلامية في العديد من المؤسسات ذات التبعيّة الدينيّة والعقائديّة، تَحتَّم على تلك المؤسسات مراعاته والأخذ بمعاييره إلى أقصى الحدود. وهنا كان لنا وقفة مع مدير مديرية التوجية الديني ورئيس اللجنة الفنية في قناة المنار، سماحة الشيخ خضر الديراني الذي كان له شرح خاص حول هذه النقطة.
يعتبر الشيخ خضر أن أهم الأسس التي تقوم عليها المدرسة الإعلامية في الإسلام هي الأخلاق، "إن الأخلاق جزء لا يتجزأ من الهوية الذاتية والعامة للإعلام. وهذا النموذج قدمه الأنبياء عبر التاريخ. ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد عرفه الناس قبل النبوة بالصادق الأمين وهاتان قيمتان أخلاقيتان عظيمتان.
فالإعلام مع أخلاق يُصبِح بناءً ومحصناً للمجتمع وللأسرة، بينما من دونه يتحول إلى إعلام مدمر للمجتمع ومفكك للأسرة، ومهلك للأفراد، وهذا ما لعبه ويلعبه الإعلام اليوم في المجتمع الإنساني".
*لا حيادية في الإعلام بين الحقّ والباطل
وفيما يخصّ موقعية الدين من الأخلاقيات الإعلامية، يقول: "إنما الدين الأخلاق"، وبما أن الإعلام جزء من الدين فإنه يصح القول إنما الإعلام الأخلاق. ولكنّ الأخلاقيّات المهنيّة المتعارفة حالياً مأخوذة من المنظومة الفكرية التي أنتجت هذه الرؤية الإعلامية، فالنظرية الاشتراكية أو الليبرالية أو غيرها تترجم مفاهيمها وقيمها في المعايير المهنية في الإعلام وغيرهما وهذا أمر طبيعي. وكذلك فإن المدرسة الإسلامية يجب أن تعكس قيمها وأخلاقياتها في رؤيتها الإعلامية وممارساتها. ومثالاً على ذلك -الموضوعية والحيادية- كقيم وأخلاقيات إعلامية هي لا تتناسب مع الأخلاق الإسلامية في موارد كثيرة، مثلاً عندما يكون هناك صراع بين الحق والباطل ليس صحيحاً أن يكون الإعلام حيادياً".
"وكذلك ممارسة الموضوعية بنقل الرأي والرأي الآخر لا سيما إذا كان رأي أهل الباطل أقوى ظهوراً بسبب إمكاناتهم وتضليلهم".
*قِيَم في مجال الإعلام
ويحصر الشيخ الديراني أهم المبادىء والقيم التي ركز الإسلام عليها في مجال الإعلام بالآتي:
1. الصدق (الصدق رأس الدين).
2. الأمانة (الصادق الأمين).
3. حفظ الأسرة.
4. تقديم مصلحة الجماعة على الفرد.
5. الأمل بالمستقبل (دولة العدل الإلهي).
6. القيم والأخلاق الإنسانية وغيرها الكثير...
ختاماً نقول بما أن الأخلاقيات هي امتداد للأخلاق السامية التي دعت إليها الأديان كما الأعراف، وقد صِيغت بشكل متلائم مع المهن على تنوّعها، فحريٌّ بنا أن ننهي الكلام بأحسن الكلام، كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم حيث قال: "أكثر ما يثقل ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق"، و"أفضل الناس إيماناً، أحسنهم أخلاقاً".