- الفصل الثاني-
مع ازدياد التطور العلمي والتكنولوجي في العصر الحديث، يلاحظ أن شعوب العالم الثالث- يوماً بعد يوم- تزداد فقراً وبؤساً وتخلفاً.
فعلى الرغم من امتلاك هذه المنطقة من العالم للمواد الأولية وغناها بالمنابع الحيوية والثروات المادية والمعدنية القيمة والأصيلة، لم تستطع هذه الشعوب أن ترقى إلى مستوى متقدم من الرفاهية وبسط العيش مقارنة بالغرب. في الواقع، أن الاستعمار الغربي هو المسؤول الأول عن ذلك، حيث أنه يبذل جهوداً جبارة من خلال الألاعيب السياسية لإبقاء المنطقة في حالة التخلف والاضطراب. والنجاح الكبير الذي خلفه الاستعمار في هذا المجال يعود إلى عاملين أساسيين:
أ- توجيه الاستثمارات نحو البلدان الصناعية الغربية.
ب- دعم الحكومات العميلة والفاسدة.
فعلى سبيل المثال، نجد أن توزيع الإنتاج العالمي مجحف جداً بحق دول العالم الثالث. ففي وقتنا الحاضر، تستغل 10% من شعوب العالم (الدول الصناعية الغربية) أكثر من 60% من مجموع الإنتاج العالمي، وتتوزع الـ 20% على 90% من شعوب العالم. إن هذا التوزيع غير العادل يقوم على أصل تقسيم العالم بالقهر والغلبة إلى مناطق صناعية ومناطق أخرى لا تعود مهمتها إنتاج المواد الخام فقط. بناءً على ما مر، ينبغي لنا أن نتعرف السياسية الشيطانية التي يستفيد منها الاستكبار لتقوية موقعه ونفوذه في بلادنا وبالتالي لنهب ثرواتنا وتوهين اقتصادنا لصالح نمو اقتصاده. وهي عبارة عن:
1- التسلط على الأفكار العامة عن طريق الإعلام المرتبط
بديهي أن مواقف الناس من أمر ما- قبولهم أو اعتراضهم وميلهم أو نفورهم من هذا الأمر- يرتبط إلى حد كبير بالمعرفة الدقيقة والإطلاع الواسع على هذا الأمر. فلو وضعنا شخصاً ما في مكان وقطعنا عنه كل صلة بالخارج، يمكننا من خلال ما نملي عليه من أفكار ومعتقدات خاصة أو معلومات ومعارف موجّهة أن نصبغ شخصيته باللون الذي نريد ونصوغ له القيم والمثل بالصورة التي نشاء. إن الاعتراف بهذا الواقع- وإن لوحظ بعض الاستثناءات- يوضح أهمية المطبوعات، الراديو، التلفزيون، السينما ووسائل الإعلام المختلفة. في هذا الفصل سوف نتحدث باختصار عن هذه الأمور التي تلعب دوراً أساسياً في صياغة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لمجتمعات هذا العصر.
أ- الوكالات العالمية
يعتمد نجاح النشريات الإخبارية- خصوصاً الجرائد اليومية- بشكل أساسي على السبق في التقاط الأخبار وسرعة تحصيلها ونشرها بين الناس. فالجريدة الأسرع في نشر الأخبار هي الأوسع انتشاراً ومبيعاً بين الناس. ولو لم تكن السرعة هي العامل الوحيد فبالتأكيد هي من أهم العوامل في نجاح الوسائل الخبرية.
ولما كان تأسيس هيئة منظمة لكسب الأخبار يحتاج إلى تكاليف باهظة جداً وإلى خبراء وذوي تجربة واسعة في هذا المجال، لا يمكن لكثير من الوسائل الخبرية- خصوصاً المحلية- توفيرها، ولذا فإنها تعمد إلى استقاء أخبارها من وكالات الأنباء العالمية. فمع صعوبة الاستقلال في معرفة الأخبار والمعلومات يتضح جلياً أن وكالات الأنباء العالمية من العوامل المؤثرة جداً في استمرارية عمل المطبوعات في العالم. يوجد عدة وكالات أنباء عالمية مهمة تعتبر من المصادر الأساسية في تحصيل المعلومات وتلقي الأخبار. حيث أن آلاف النشريات ومئات المحطات من الراديوهات والتلفزيونات ووسائل الإعلام الخبرية المختلفة تتغذى بالمعلومات والأخبار عبر هذه المؤسسات العظيمة والتي أهمها: الأسوشيتد برس الونايتد برس الأميريكيتان، ووكالة رويتر الإنكليزية، فرانس برس الفرنسية، والوكالة الألمانية للأنباء، ووكالة تاس الروسية.
ب- الراديو والتلفزيون
إلى جانب الوكالات العالمية، تقوم محطات الراديو والتلفزيون بدور أساسي في نقل اخبار ونشرها بين الناس، إلا أن الدور الأهم هو تبليغ العقائد والمفاهيم الباطلة والمضلة للتأثير على الأفكار العامة حيث أن كثيراً من أوقات الفراغ عند الإنسان- خصوصاً في المدينة- يققضيها على الراديو والتلفزيون. وإذا ما عرفنا أن معظم هذه المحطات تابعة لسياسة الدولة في الغرب- وإن بدت ظاهراً أنها خاصة ومستقلة في اختيار برامجها- فالدول الاستكبارية- خصوصاً الغربية- تستخدم هذه المحطات لتوجيه الرأي العام- محلياً وعالمياً- بما يتناسب مع مصالحها ويخدم سياستها.
ج - السينما والمسرح
تلعب الفنون التمثيلية من قبيل السينما وغيرها في حياة إ نسان القرن العشرين دوراً أساسياً في بناء شخصيته وصياغة أفكاره ومعتقداته، خصوصاً بعد إدخال هذه الوسائل ف برامج التعليم من مرحلة الطفولة والتعليم الابتدائي حتى مراحل الحداثة والشباب والتعليم الثانوي والجامعي. وكذلك في كثير من مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها. ويصرف الإنسان الكثير من أوقاته في مشاهدة هذه الأنواع من الفنون.
إن التأثيرات الكبيرة والمهمة لهذه الوسائل الفنية استعدت الكثير من الخبراء وعلماء النفس والاجتماع الغربيين أن ينكبوا على دراستها والتحقيق في تأثيراتها المختلفة على حياة الإنسان. من هنا يجب أن نتعرف على هذه البحوث والتحقيقات أو نقوم بمثلها حتى نتجنب الكثير من السموم التي يبثها الغرب من خلال مسرحياته وأفلامه السينمائية.
د- المطبوعات
تعمل المطبوعات من جرائد ومجلات وغيرها على تحويل الثقافة العامة للمجتمع إلى ثقافة مكتوبة ومصورة. ويلعب هذا الأمر دوراً أساسياً في رقي هذه الثقافة وتطويرها. ويمكن القول أن أهم وظيفتين تؤديهما المطبوعات في مجتمعات العصر هما الإخبار وتبليغ العقائد. تتميز المطبوعات اليومية بالطابع الإخباري، بينما تركز المطبوعات الأخرى- المجلات الفلسفية، الاقتصادية، السياسية، التاريخية، الفنية، والعلمية- على ترويج العقائد والأفكار العامة وصياغة ثقافة خاصة للمجتمع. يقول المفسر الأمريكي المشهور والتر ليبمن في بيان أهمية المطبوعات وأثرها على الأفكار العامة: "مع ازدياد التطور العلمي والتكنولوجي في العصر الحديث، يلاحظ أن شعوب العالم الثالث- يوماً بعد يوم- تزداد فقراً وبؤساً ". في الغرب تقع معظم الوسائل الإعلامية الرئيسية من محطات الراديو والتلفزيون والسينما والمطبوعات وغيرها تحت نفوذ الصهيونية إما بشكل مباشر أو من خلال إقامة المعاهدات والاتفاقات الضخمة مع هذه الوسائل. والجميع يعمل بشكل فردي وجماعي لخدمة مصالح الإمبريالية ونشر آرائها ومعتقداتها الخاصة بين شعوب العالم.
بعض هذه الشبكات مجهزة بالتكنولوجيا المتطورة وبخبراء النفس والاجتماع كشبكة البي بي سي وصدى أمريكا. وتنتج مثل هذه الشبكات برامج خاصة لكل بلد وباللغة المتداولة فيه وتعمل على تحريف الأخبار وقلب الحقائق والوقائع، وتستخدم الكلمات الرنانة مثل: الحرية، الصلح، العدالة، الأمن والإسلام... الخ، في خداع الشعوب وتحقيق أهدافها الاستعمارية المشؤومة. وفي الشرق أيضاً لا يختلف حال الوسائل الإعلامية عنه في الغرب، حيث أن معظمها يقع تحت سيطرة الأحزاب الشيوعية وتعمل على نشر أصول الشيوعية والاشتراكية والدفاع عنها ومهاجمة الرأسمالية والامبريالية والمعتقدات الأخرى.
2- إيجاد التفرقة والاختلاف
من أهم الأصول الاستراتيجية العملية للسياسة الاستكبارية إيجاد التفرقة والنفاق والعداوات بين الأقوام والمجموعات المختلفة في المجتمع الواحد من خلال إثارة النعرات المذهبية والقومية والعرقية وغيرها. ورد في القرآن الكريم أن إحدى أهم سياسات الأنظمة الاستكبارية والفرعونية تقسيم الشعوب إلى أحزاب وطوائف للتمكن من استضعاف كل طائفة على حدة.
﴿وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم﴾. يقول العلامة الطباطبائي رحمة الله عليه في تفسير هذه الآية الكريمة: "الشيع جمع شيعة وهي بمعنى الفرقة... وكان المراد بجعل أهل الأرض فرقاً إلقاء الاختلاف بينهم لئلا تتفق كلمتهم فيثوروا عليه ويقلبوا عليه الأمور على ما هو من دأب الملوك في بسط القدرة وتقوية السلطة". إن هذا الأسلوب الاستعماري الماكر يؤدي في أغلب الأحيان إلى الحروب الداخلية والأهلية في البلاد التي يسيطر عليها الاستكبار بغض النظر عنالتوجه العقائدي والسياسي للقوى الاستكبارية المذكورة. لو استقرأنا تاريخ ما عبد حملة المغول والإطاحة بالخلفاء العباسيين، تنكشف لنا حقيقة الأدوار الخبيثة التي بها القوى السياسية الكبرى في العالم لبذر الشقاق والائتلاف بين الشيعة والسنّة. إن أكثر ما يخيف الاستكبار ويهدد مصالحه ووجوده في بلادنا هو إيجاد الوحدة والتلاحم بين المسلمين، ولذا تراه يبذل الجهود الجبارة والمبالغ الضخمة لتفريق الوحدة وزيادة الاختلاف.
ففي إيران مثلاً، كانت سياسة التفريق المذهبي والفتن الدينية الطائفية سائدة طوال فترة 135 عام من حكم القاجاريين. فدعم الفرق المذهبية المتنوعة- بل إيجاد الكثير منها وهي في الواقع فرق سياسية بلون مذهبي- مثل البابية والبهائية والقاديانية والوهابية وأمثالها لم تكن إلا لتضليل المسلمين وحرفهم عن الشريعة الإسلامية الحقة والقرآن الكريم. إن قوى الاستكبار الشرقي والغربي تعلم جيداً أن للمسلمين الثقل الأكبر بين شعوب العالم. ولو لم يعملوا على تمزيق هذه القوة العظيمة وتفريقها فإنها سوف تشكل سداً منيعاً أمام أطماعهم ومصالحهم في بلادنا، بل إنها سوف تضع حداً لكل أشكال الظلم والتجاوز والعدوان على المستضعفين في كل بلدان العالم. ولذلك فهم يتوسلون بكل حيلة لبذر النفاق والشقاق والاختلاف بين المسلمين من خلال إذكاء الخلافات والنعرات المذهبية والقومية والعشائرية وغيرها. القرآن الكريم يؤكد بشدة على أهمية الوحدة واجتناب الفرقة والاختلاف. يقول تعالى:
﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾. فالفتن الداخلية وإثارة الاختلافات المذهبية ليس فقط يشعف قوة المسلمين و يذهب ريحهم بل يجعل الأهداف الكبرى والتي تقع على رأسها مقارعة الظلم والعدوان في طي النسيان. ولذلك نرى أن الإمام الخميني قدس سره منذ بداية الثورة وحتى أواخر عمره الشريف كان يؤكد دائماً على الوحدة. ومما قاله في هذا المجال:
"أنا لا أشك أبداً أن التفرقة من الشيطان والوحدة من الرحمن".
وفي خطبة له في المسجد الأعظم لقم المقدسة (1 أيلول 1965) أشار إلى المؤامرات المشتركة للاستكبار العالمي لتجزئة الامبراطورية العثمانية وفصل المسلمين عن بعضهم البعض ومنعهم من الاتحاد والتلاحم، فقال:
"يجب على رؤساء الدول الإسلامية أن يلتفتوا إلى أن الاختلافات الموجودة فيما بينهم سوف تقضي عليهم جميعاً. يجب عليهم أن يعقلوا أنهم باسم المذهب وباسم الإسلام سوف يزيلون الإسلام من الوجود. إن الأيدي الخبيثة التي تعمل على إيجاد الاختلاف بين المسلمين ليست من الشيعة ولا من السنة..."، ويؤكد الإمام أن أساس التفرقة والاختلاف هو اتباع هوى النفس أمارة بالسوء، ويقول: "لو اجتمع 124 ألف نبي في مكان واحد هل يحصل بينهم اختلاف؟ كلا، لأنهم تغلبوا على أهواء نفوسهم وسيطروا عليها، ولا تعني لهم اللغة والعرق والقبيلة شيئاً، فكلهم عبيد الله". إن الاستكبار العالمي اليوم منزعج وقلق أكثر من أي وقت مضى من الوحدة والانسجام في مجتمع الثورة الإسلامية المباركة. والجميع يعلم أن الحافظ لهذه الوحدة هو الإيمان والعمل من أجل الإسلام والابتعاد عما نهى عنه الإسلام من التنازع والتحاقد وغير ذلك.
في النظام السابق حاولوا استخدام القاعدة الصهيونية المشهورة (فرّق تسد) إلى أبعد الحدود بين طبقات المجتمع وخصوصاٍ بين طبقات علماء الدين وطبقة المثقفين الجامعيين. فالأولى كانت تتهم الطبقة المثقفة بالانحراف عن الدين والجهل بالمعتقدات والأحكام الدينية المقدسة، والثانية تتهم علماء الدين بالتحجر والتخلف وعدم الإطلاع على البحوث والاكتشافات العلمية الحديثة. ولذلك فقد حذف عملياً تدريس المعارف الدينية في مدارس التعليم الكلاسيكي وحلّ محله نظرية التضاد بين العلم والدين وبين الوحانيين والجامعيين وطرح موضوع فصل الدين عن السياسة، وسوف نعود لهذا البحث في مكان آخر. لقد تفطن الإمام الخميني قدس سره إلى الأبعاد الخطيرة لمؤامرة نظام الشاه هذه، ولذلك طرح مسألة الوحدة بين الحوزة والجامعة عام 1978 حيث كان لها الأثر الكبير في إحباط المؤامرة. وبعد انتصار الثورة الإسلامية وللتأكيد على أهمية هذا الأمر أعلن يوم الثامن عشر من كانون الأول من كل عام والمصادف لذكرى شهادة الأستاذ الكبير الدكتور مفتح يوماً للوحدة بين الحوزة والجامعة. إن انتصار الثورة الإسلامية المباركة وديمومتها وثباتها أمام قوى الاستكبار العالمي هو ثمرة من ثمار الوحدة الإسلامية. إن الوحدة والانسجام بين مختلف أجهزة النظام في الجمهورية الإسلامية والتلاحم ين مختلف صفوف الشعب وطبقاته والتفافه حول هذا النظام من أبرز المميزات والخصائص التي تميز إيران عن سائر الأنظمة السياسية في العالم. وإن أحد أهم الأهداف الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية المعظمة في إيران إيجاد الأخوّة والانسجام بين المسلمين وتحقيق العدالة الاجتماعية ومقاومة أسباب النفاق والشقاق والاختلافات القومية والمذهبية والعرقية واستئصال آثارها الهدامة. وقد خطت خطوات مؤثرة إلى الآن في تطبيق هذه الاستراتيجية المقدسة داخل إيران وفيما بين الكثير من الشعوب.
إن الشعوب الإسلامية لو قدر لها أن تتحدد وتتلاحم فيما بينها، وهي تشكل ما يقارب من ربع السكان في العالم، لما استطاعت أقوى قوة في العالم أن تقف بوجهها أو تسومها الذل والهوان. وإن أكثر ما يؤلم الملتزمين بالإسلام هو هذا التشتت والاختلاف والشقاق الموجود في العالم الإسلامي. والكل يعلم أن نبي الإسلام العظيم قد جاهد جهاداً عظيماً لهداية الناس في عصر الجاهلية ودعوتهم إلى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وتوحيد الكلمة
﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ حتى استطاع أن يذل قوى الكفر العالمية في ذلك العصر (فارس والروم).
3- تأسيس الهيئات والمنظمات الدولية
ازدادت في الآونة الأخيرة أخطار الحروب والصراعات الدولية وبلغت إلى حد تهديد وجود المجتمع البشري برمته. فلو أن حرباً أهلية تحدث شبيهة بالحربين اللتين حدثتا في النصف الأول من القرن العشرين، فمن المؤكد أنها سوف تلغي الوجود الإنسانية من خارطة الوجود. ولذلك فإن الشعوب اليوم مدعوة بإلحاح أكثر من أي وقت مضى إلى وجوب التعاون والتآزر وفض الخلافات والنزاعات الطرق السلمية بدلاً من الاحتكام إلى السلاح. أن حب البقاء والميل نحو الراحة والأمن والتطلع نحو السلام- وكلها مما جبل عليه الإنسان- دفع ببلدان العالم أجمع إلى الاجتماع للتوافق على صيغة حقوق عالمية من سلام وأمن وحرية وعدالة وسيادة واستقلال وحق تقرير المصير وغيرها من الحقوق العالمية للإنسان. إذاً فالدافع الأساسي لتأسيس الهيئات والمنظمات الدولية هو تأمين السلام العالمي وحفظ الأمن بين الشعوب، بالإضافة إلى تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، وهكذا ولدت هيئة الأمم المتحدة.
* هيئة الأمم المتحدة
هي من أكبر المنظمات الدولية، تشكلت عام 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وفشل عصبة الأمم السابقة في حفظ وحماية الصلح والأمن بين الشعوب. اشترك فيها ممثلون عن خمسين دولة اجتمعوا في مدينة سان فرنسيسكو. وحتى نهاية عام 1986 قِبلت عضوية ما يقارب من 159 بلد في الأمم المتحدة. إلا أن الدول الكبرى استطاعت بمكرها أن تفرغ المضمون الأساسي من تأسيس هذه الهيئات وتستخدمها كأفضل وسيلة للضغط على البلدان المستضعفة والمحرمة ولتحقيق أهدافها ومآربها الخاصة، حيث تتكفل الدول الخمس الكبرى بما يزيد عن 60% من مصاريف هيئة الأمم (أمريكا فقط تدفع 30- 32%) وتختص بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن فمجلس الأمن الدولي يتألف من 15 عضواً، خمسة منهم أعضاء دائمون، والعشرة الآخرون ينتخبون حسب التقسيم الجغرافي كأعضاء غير دائمين ولمدة سنتين. والأعضاء لمجلس الأمن هم: أميركا، روسيا انكلترا فرنسا، والصين. تتخذ قرارات مجلس الأمن باتفاق تسع أعضاء من أصل خمسة عشر عضواً على أن تكون جميع الأعضاء الدائمين من بين الأعضاء التسعة. وعليه، فإن مخالفة أمر الأعضاء الدائمين يحول بين صودر أي قرار وهذا ما يسمى بحق النقض (الفيتو).
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن كل الهيئات التي توجدها القوى العظمى هي من أجل خدمة أهدافها. فهذه هيئة الأمم ومجلس امن وغيرها وسائل لخدمة هذه القوى، كل الهيئات والمنظمات التي يعطونها عناوين براقة وجذابة يستخدمونها لتحقيق مصالحهم. ونحن نشيء الظن بهذه القوى إلى الحد الذي نرى فيه أنهم يخفون وراء آية مطالب محقة وعادلة مآرب خاصة ومنافع ذاتية يريدون تحقيقها". طبعاً إن الاشتراك في عضوية هذه المنظمات وخصوصاً هيئة الأمم المتحدة لا يعني تأييد القرارات التي تتخذها. فالجمهورية الإسلامية في إيران عندما قررت الانتساب إلى هذه الهيئات الدولية لم تكن أبداً في وارد التخلي عن سياسة اللاشرقية واللاغربية أو إعطاء الشرعية للظلم والعدوان. فالانتساب إلى هيئة الأمم شيء وقبول قراراتها والرضى بها شيء آخر. وعلى العكس من ذلك، فقد كان وسيلة جيدة للتعرف على توجهات مختلف القوى السياسة العالمية عن كثب، ومنبراً عظيماً لبيان معتقداتنا الحقة وأفكارنا السامية وفضح حقيقة أنظمة التسلط والظلم في العالم. قد كانت أيضاً فرصة كبيرة لعرض الحلول الناجعة لمشاكل الشعوب المستضعفة والمحرومة واستنهاضها ضد المستعمرين. إن نفس حضور ممثلي الجمهورية الإسلامية في مجلس الأمن يبعث على نفي الشائعات والسموم التي تبثها القوى المتجبرة حول الإسلام والجمهورية الإسلامية. لقد شكلت المواقف القاطعة والصريحة والشجاعة للجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة مصدر قلق كبير للقوى الكبرى وسببت لها المشاكل والاضطرابات السياسية في أكثر من نقطة في العالم.
4- حماية الأنظمة العميلة وقمع الحركات المعارضة
نمت في العقود الأخيرة الحركات الشعبية والثورية الداعية إلى التحرر والاستقلال بشتى الوسائل والسبل من قمع وتهديد واعتقال وتعذيب ولكن دوى جدوى. ولم يبق أمام القوى المستكبرة سوى الانسحاب من المواجهة المباشرة وتسليم السلطة إلى عملاء ومأجورين تربى معظمهم في جامعاته ومعاهده العلمية. وإلى جانب بث التفرقة والاختلاف، كان الاعتماد على مجموعة من العملاء المأجورين وإيصالهم إلى مراكز السلطة في البلاد من أهم الأساليب السياسية للقوى الاستكبارية استطاعت من خلالها القضاء على حركات التحرر المعارضة لها والحفاظ على مصالحه الخاصة، وهذا ما حصل فعلاً في كثير من البلدان الإفريقية مثل الكونغو، غانا ومصر.
فالدسائس والمؤامرات التي حيكت لإسقاط حكومة الكونغو الوطنية برئاسة باتريس لومومبا- أحد قادة نهضة التحرر في جنوب أفريقيا- لا يمكن أن ننسى تاريخ أفريقيا. فبعد إعلان استقلال الكونغو عن بلجيكا، تسمل باتريس لومومبا، زمام الحكم في البلاد. وقد كان له مواقف حاسمة أمام الملك البلجيكي، "بودوان" الذي شارك في حفل جلاء الجنود البلجيكيين عن الكونغو. فبعد خطاب الملك البلجيكي، صعد لومومبا المنبر وصاح علياً: "لا يمكن لأي مواطن شريف أن ينسى أنه بالكفاح حصلنا على استقلالنا، بالكفاح السمتمر أظهرنا قوتنا أمام المستعمر وأكدنا رفضنا للاحتلال والحرمان مهما كلفنا من تضحيات وبذل دماء...". ولكن، في اليوم التالي، جمع قائد القوات الشعبية الجنرال "بانسين" الزعامات الإفريقية وكتب على لوح أسود: ما بعد الاستقلال = ما قبل الاستقلال".
وهكذا لم تمض أربعة أيام على تسلم لومومبا السلطة حتى وصلت الاضطرابات إلى أوجها، وانتشر الجيش ف العاصمة وأعلن موسى جومبا- أحد عملاء الاستعمار البلجيكي- انفصال مقاطعة كاتانفا وهي من أغنى المناطق في العالم بالمعادن والمواد الأولية حيث كانت تختص ب 70% من إنتاج الماس العالمي، و60% من الكوبولت، بالإضافة إلى غناها باليورانيوم والقصدير والزنك والمنغيز والكاديوم. وأخيراً سلم الجيش السلطة لزعيم يدعى موبوتو بحجة الحفاظ على الأمن والنظام والمنع من القتل العام للأوروبيين وقساوسة الدين. ولم يلبث أن وقع لومومبا في قبضة جيش موبوتو بعد محاولة يائسة للفرار ثم أعدم على أيدي عملاء جومبا، تسلم موبوتو الحكم من بعده من خلال انقلاب عسكري. هذه هي قصة استقلال بلد يدعى اليوم زائير. ونظرا ذلك ما حصل من دسائس ومؤامرات على حكومة مصدق في إيران. فبعد أن ألغت شركة الصناعة النفطية الوطنية امتياز شركة النفط البريطانية، ثارت ثائرة انكلترا وأمريكا وقادوا انقلاب 28 مرداد لإسقاط حكومة مصدق وإعادة الحكم الملكي البائد. هذا الانقلاب الذي سماه روزفلت ب "عمليات الجزمة" كان من العوامل المهمة التي حمت مصالح أميركا والغرب في إيران إلى وقت طويل وتركت بصماتها على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.