إذا أردنا أن نقيم حركة الإمام التي بدأت قبل عشرات السنين من النصر، فإن الصورة الواضحة التي تصبغها هي صورة الإعلام والتبليغ. فالإمام رضوان الله عليه لم يتحرك بحركة عسكرية أو تنظيمية سرية كما هي أكثر حركات التحرر في العالم، وإنما اعتمد في أساس نهضته وقيامه على الكلمة والدعوة ولأنه اتبع في ذلك طريق الخلوص للحق فقد جاءت كلمته من التأثير بحيث بعثت في الملايين روحاً جبارة أسقطت أعتى عروش الظلم والطغاة في المنطقة.
فالكلمة تستطيع أن تفعل ما لا تفعله الدبابات والأسلحة الفتاكة بل والتنظيمات التي تتحرك في غاية الدقة والسرية. ولذلك نجد الإمام قدس سره يلفت الأنظار إلى ضرورة الحركة الإعلامية- التبليغية وهو في العديد من بياناته وخطبه أكّد على هذا الأمر وبينّ أصولها ومناهجها وعوامل نجاحها وأسباب فشلها. فجاءت توصياته هذه مشفوعة بتجربة عظيمة قدمها للبشرية وللمسلمين الثوار بشكل خاص. فإلى أي مدى استطعنا أن نفهم ما يريده الإمام في هذا المجال. في أماكن عديدة ينبه الإمام إلى خطر الإعلام والتبليغ وضرورته، يقول: "التبليغ كثير، وأنتم إلتفتوا إلى ذلك وقوموا بالتبليغ مقابل كل تلك التبليغات" وأيضاً: "إن التبليغ والتعليم نشاطان مهمان وأساسيان عندنا. وعلى الفقهاء أن يبلغوا عقائد وأحكام ونظم الإسلام ويعلموها للناس".
ومعنى الإعلام الذي يؤكد الإمام عليه هو في جملة له: "إن الإعلام- الذي هو تعريف الحسن والحث على القيام به وإراءة القبيح وبيان سبل النجاة منه- هو من الأصول المهمة جداً للإسلام العزيز"
وهذا التعريف الذي قدمه الإمام للإعلام الإسلامي يشكل القاعدة الكلية التي ينبغي أن يقوم عليها سواء في مجال الإعلام السياسي أو الثقافي أو الفكري المحض.
بعد ذلك نجد أن الإمام عندما ينسب الإعلام إلى الأعداء يبين مدى الاستفادة منه في تحقيق مآربهم، وفي ذلك حث لنا ودعوة للاهتمام أكثر بالإعلام وإعطائه مكانه الصحيح، حتى ليندر أن لا يشير الإمام إليها كلما تحدث في هذا المجال، كدور العلماء ومسؤوليتهم في التبليغ وحفظ الإسلام. أما الآن فإننا نشير إلى بعض الخصائص التي يعتبرها الإمام أساسية للإعلام إذا فصلت عنه فإنه يفقد مقومات النجاح والنفوذ.
1- "فليكن تبليغكم لله، لأن التبليغ أمر مهم"
2- "وبالتأكيد فيجب أن يكون الإعلام قائماً على أساس المعنويات، لأن المعنويات أساس الإسلام، فاسعوا إلى زيادة حجم المعنويات والتقليل من التشريفات (المجاملات)"
3- "ينبغي أن يكون الإعلام صحيحاً، وعليكم أن تعرضوا الإسلام كما هو للعالمين، فإن الشعوب إذا عرفته فحتماً سوف تنجذب إليه، ونحن لا نريد شيئاً سوى إقامة أحكام الإسلام في العالم".
4- "فليكن إعلامكم دائماً على أساس الصدق"
5- "على الخطباء العظام الذين يبلغون الإسلام، وعلمائنا الأعلام، وطلابنا الأعزاء، والفئات الأخرى التي تعمل في هذا المجال الشريف، أن يزيدوا من سرعة عملهم ويضيفوا السرعة على أعمالهم، وبالتأكيد أن يكون ذلك على أساس موازين وأنظمة ومؤسسات، لأن هذا سوف يكون أفضل بالطبع".
وفي النهاية فإن النتيجة التي يمكن أن يحققها الإعلام الصحيح لا تقتصر فقط على الأجيال الحاضرة بل يمكن أن تتعداها إلى اللاحقة منها، مما يضمن حياة الإسلام ومستقبله: "نحن إذا قصرنا في التبليغ (والإعلام)، وقصرنا في القول والكتابة والشعر والنثر وكل أساليب الكتابة والخطابة فإننا مدينون للأجيال اللاحقة التي يمكن أن تستيقظ وتصحو من خلال كتاباتكم وكتابات المؤلفين الأعزاء وأشعارهم، وتطّلع بالتالي على ما جرى على هذه الأمم في هذا العصر".
* أدوات الإعلام
بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة حث الإمام على الاستفادة من كل الوسائل الإعلامية الممكنة التي كانت في السابق تحت أيدي الشاه وعماله، فالتلفزيون الذي كانت مشاهدته تعد من المحرمات هو عند الإمام (بعد النصر) من الوسائل المهمة جداً في عملية التبليغ والإعلام. يقول قدس سره: "إن التلفزيون يمكن الاستفادة منه لخدمة الناس إلى الدرجة التي لا تؤديها الجرائد والمجلات وسائر الأجهزة المختلفة". "إن التلفزيون هو أشد حساسية (خطراً) من كل الوسائل التبليغية وأدواتها". وإذا تحدث الإمام مع العاملين في الحقل الإسلامي في الخارج نجده يركز على قضية الإعلام وإحدى أدواته هي المجلة التي يمكن أن تؤدي رسالة عظيمة في مجال تبليغ الإسلام وتعريف الناس بحقيقة الوحدة الإسلامية، وإذا كان الإمام يشدد على ضرورة التعريف بالثورة فذلك لارتباطها الأصيل بحقيقة الإسلام في هذا العصر: "وأنتم (سفراء وطلاب في الخارج) فليكن لكم مجلة تكون الصور التي نعرضها والمواضيع التي تطرحها في خط الجمهورية الإسلامية، حتى تنفذ هناك بواسطة الإعلام الإسلامي". "يجب أن نزيد من حجم إعلامنا الثقافي وخاصة في الراديو والتلفزيون، لماذا؟ لأن الوضع صار تلآن بحيث أن الفلاح الذي يعمل في أقاصي القرى في حقله يستمع أيضاً إلى الراديو وينطبق هذا الأمر على التلفزيون في بعض النقاط أيضاً". وحول دور المسجد في عملية التبليغ والدعوة إلى الله تعالى يقول الإمام قدس سره: "إن المسجد مركز التبليغ".
أما اللغة التي هي وسيلة الاتصال عند الشعوب فيما بينها، فإن تنوعها واختلافها لا ينبغي أن يقف حائلاً أمام المبلغ، فيقتصر عمله نتيجة لذلك على التبليغ بين شعبه. يقول الإمام قدس سره: "إننا إذا تعلمنا كل اللغات لأجل تبليغ الإسلام فإن هذه عبادة عظيمة، فنحن لا يمكننا أن نطرح قضايا الإسلام وتعاليمه بواسطة لغتنا المحلية لشعوب أمريكا وسائر البلاد". وحتى هنا كان الحديث حول أهمية التبليغ والإعلام وضرورته والإشارة إلى بعض أدواته ووسائله التي ينبغي للعاملين في هذا الحقل الشريف أن يلموا بها ويلتفتوا إليها، وفي هذه المقالة الموجزة غضضنا النظر عن الكثير من المسلمات والتي تكثر في كلمات الإمام وخطبه. "إن مسألة الإعلام قضية فائقة الأهمية والحساسية، فالعالم اليوم يتحرك به، وأعداؤنا يستفيدون من سلاح الإعلام بما لا يستفيدون من غيره، وعلينا أن نولي هذه المسألة الاهتمام الشديد ونلتفت إليه أكثر من الأشياء الأخرى الموجودة، وهنا لا بد أن يكون إعلامنا الثقافي أكثر".
فاتضح لنا أن الإمام عندما يستعمل مصطلح الإعلام لا يفرق بينه وبين التبليغ المصطلح بين رجال الحوزة العلمية. وهو قدس سره يمزج بين الإعلام والتبليغ بحيث يجعلهما يتحركان في مسيرة واحدة تحقق الهدف المنشود وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور. فالإعلام يمكن أن يكون ثقافياً لا فنياً بحتاً وكذلك فإن عملية التبليغ يمكن أن تخدم الحركة السياسية في خط الثورة والمواجهة الإسلامية. يقول الإمام قدس سره: "تعلمون أن سلاح الإعلام (التبليغ) هو أحدّ من السلاح الذي يستعمل في ميادين الحرب". "إن قضية الإعلام من الأمور المهمة التي يمكن أن يقال أنها تقع على رأس أكثر الأمور".
وأيضاً: "إن قضية الإعلام من الأمور المهمة التي يمكن أن يقال أنها تقع على رأس جميع الأمور، ويمكن القول بأن العالم يقف على كتف الإعلام".
وعندما يربط بينه وبين الدراسة والتحصيل العلمي يقول قدس سره: "كما أن التحصيل (التعلّم) يعد تكليفاً فإن التكليف أعلى منه، والتعلم هو مقدمة للتبليغ، مقدمة لإنذار الناس".
* ضعف الإعلام الإسلامي
من بين بيانات الإمام قدس سره حول التبليغ، نجد جملاً تحكي وتشكو من ضعف وفتور المسلمين (وبالأخص نحن) في التبليغ. ولعل الإمام لم يتعرّض إلى وجود مثل هذا الضعف في مكان آخر مثلما أشار إليه في الإعلام والتبليغ، يقول قدس سره: "أمام كل هذه الأبواق الإعلامية للمستكبرين (في الخارج) الذين أرهبهم الإسلام نحن نفتقد للإعلام الصحيح". "إن قوتنا الإعلامية ضعيفة جداً وعاجزة، وأنتم تعلمون أن العالم اليوم يدار بواسطة الإعلام". "نحن مكلفون أن نعرّف الإسلام في كل العالم، فالإسلام في العالم مظلوم وغريب، وأما أيدينا فقصيرة وإعلامنا ناقص ومبلغونا قلة".
* النشريات
"كما تعلمون فإن دور النشر في كل دولة من أكبر الأدوار، فالمجلات والجرائد تستطيع أن تسير بالبلاد نحو التقدم والهداية وطريق الصلاح، وكذلك يمكن أن تقوم بالعمل المعاكس". "إن أهمية النشر كأهمية الدماء التي تراق في الجبهات (مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء). إن دماء الشهداء وإن كانت ذات قيمة عظيمة وبنّاءة، لكن الأقلام تستطيع أن تكون بنّاءة بنحو أكبر، وفي الأساس فإن الشهداء هم الذين تصنعهم الأقلام، والأقلام هي التي تربي مثل هؤلاء الشهداء".
* النظم في العمل الإعلامي
"يجب علينا أن نحفظ الانسجام والتنسيق في كافة الأمور وبالأخص الإعلام الذي يعد من أهمها".