نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الحب والأطفال والتربية



في نفس الإنسان حاجات أساسية بعضها فطري وبعضها الآخر مكتسب، تبدأ مع ولادة الإنسان ثم تنمو وتتدرج حتى تتكامل عملية البناء وتثبت. وأيضاً فإن بعض الحاجات تتراجع أو تنتهي، كما أن بعضها يطرأ في مراحل مختلفة. وكذلك ففي كل المراحل هناك آفات وعقد وانحرافات. وما نريده في موضوعنا هو تناول هذه المسائل على حلقات نأمل أن تكون متتابعة. أما في هذه الحلقة فإننا سنتحدث عن الحب وأهميته وعناصر توفيره في حياة الأطفال من الناحية التربوية.


* الحب والفطرة

الحب أمر فطري، وميول نفسية عاطفية، أي أنها حاجات غائرة في النفس تدفع نحو عبادة الجمال وهو أمر يحصل المرء منه على غاية النشوة واللذة. ولقد روي عن الإمام الصادق أنه سئل عن الحب فأجاب: "وهل الدين إلا الحب". وفي الحقيقة فإن الحب هو سر التدين، وليس الدين غير الميول الدفينة والداعية إلى تعلق النفس بربها. الذي هو الجمال المطلق الكامل. وكل جمال الوجود بعض جماله سبحانه وتعالى. وكل جمال الكون يسبح في محراب الجمال الإلهي جذلاً مسروراً.

* المرأة والرجل

عندما ننظر إلى الجبال فإننا نستطيع أن نرى لبعضها جمالاً ساحراً يجتذب السياح والمتنزهين، وقد نرى لبعضها الآخر جلالاً ومهابة وعظمة لها ذات الجاذبية والسحر، ولكن مع الفارق طبعاً، إلا أن لهذا وذاك مجالاً للالتقاء.

في عالم العائلة نجد المرأة ونجد الرجل، نجد الجمال الرقيق، ونجد كذلك الجلال والمهابة والقوة، إلا أنهما أيضاً إنما تزاوجا ليتكاملا وأيضاً فإن الطفل يتكامل بهما، إلا أنه ينمو بح الأم أكثر بمرات من نموه بحب الأب، فالطفل بحاجة لثلاث رضعات من عشق الأم، وفي المقابل بحاجة إلى جرعة واحدة من حب الأب: ففيما يروى أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله من أبُرّ؟
قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أباك.
إن الطفل وبهذين الجناحين يطير إلى عالم مفتوح الآفاق على الله والحرية، ومن دون ذلك فإن الطفل ستضمر شخصيته ويتعقد ويصبح فيما بعد رجلاً فاشلاً.

* حليب الثدي

عندما يولد المولود فإنه يبكي، يبتغي الثدي والحضن الدافئ، ترى لماذا يحصل هذا؟ أليس هو نموذج العشق والحب بين الطفل وأمه؟
وأليس ذلك سر إستيناس الطفل لحظة ارتشافه الحليب من ثدي أمه؟
لقد سعى خبراء التغذية كثيراً من أجل إقناع الأمهات بعدم استبدال حليب الأم بحليب المعلبات مهما كان نوعه، وليس السبب في ذلك إلا بعد اكتشافهم أن حليب الثدي غذاء كامل للطفل ولا بديل عنه البتة في بناء جسم سليم يمتلك مناعة كافية من كثير من الأمراض الخطيرة.

وكذلك علماء النفس فقد كان لهم ملاحظات من جانب آخر أشد أهمية وأشد تعقيداً، وهذا الجانب هو الجانب النفسي والعاطفي للطفل، حيث يترك رضاع الثدي لدى الطفل نشوة لا تعادلها نشوة وسعادة تجعله ينشد إلى حضن أمه الذي يرتوي فيه من معين الحب الأمومي بأعذب الشراب، أنه شراب الحب. وفي حليب الثدي ثمة مسألتان: الأولى هي الغذاء الكامل جسدياً والثانية هي تأثيرات هذا الغذاء على النفس. يقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس للصبي لبن خير من لبن أمه".

والذي يبدو لي أن خير هذا اللبن لم يقصد به المنادي دون المعنوي والنفسي، ومما لا شك فيه كم لحليب الثدي من تأثير في طمأنينة الطفل، بل أنه بالحقيقة فإن الحب الذي تزرعه عملية الرضاعة من الثدي هي التي تعطي هذه الطمأنينة، لذلك يقول تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون وهذه الآية التي تربط بين السكن والطمأنينة وبين المودة، إنما تؤكد على أهمية الرضاع من الثدي في تأمين الطمأنينة.

لذلك يدعو القرآن الكريم إلى تمديد فترة الرضاعة إلى عامين كاملين، يقول تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير "البقرة/233" ومن البديهي أن تكون لهذه الفترة الطويلة آثارها العظيمة على مستوى قوة البنية البدنية والنفسية للطفل.

وفي جانب آخر يحذر الإسلام من المرضعات السيئات أو الكافرات أو الأحمقات، فعن علي عليه السلام "توفوا على أولادكم... فإن اللبن يعدي". وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فإن اللبن يعدي". ولئن دلت هذه الروايات على شيء فإنها تدل على مدى اهتمام الإسلام بالرضاعة. وفيما يروى عن أم العلامة الشيخ مرتضى الأنصاري، أنها عندما مدح ولدها وعلمه أمامها، أجابت نعم ما كنت أقدر أقل من هذا، فإني لم أرضعه قط إلا على طهارة ووضوء، وإني كنت أقوم الليالي فلا أرضعه حتى أتوضأ.
ومما يستفاد من النصوص أن الحليب ينقل صفات المرأة وحالاتها إلى الطفل.

* حب الأولاد

من الأمور المهمة جداً حب الآياء لأولادهم، إذ أن الحب ينبت الحب، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من قبل ولده كتب الله له حسنة ومن فرَحه فرَحه الله يوم القيامة". وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان على المنبر يخطب بالناس فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويتعثران، فنزل رسول الله من على المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" كذلك فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم بحق البنات، فقال: "من ولدت له ابنة فلم يؤذها ولم ينهها ولم يؤثر ولده عليها ادخله الله بها الجنة".
وإن ليس كحب الآباء مدعاة للرضا والهدوء ونجابة الطباع لدى الأطفال.

* الوراثيات والأرحام
إن العلاقة الحميمة بين الأب والأم وكذلك تلك التي تكون بين الآباء وأبنائهم عميقة وحسنة، لها أكبر الأثر في بث وتغذية الميول العاطفية والمحبة والاحترام حيث لا تنفصل المحبة عن الاحترام وإلا لتشوه هذا الحب.
من جهة أخرى فإنه يسعى الغرب لجعل المسكن شركة بين شريكين الأب والأم بينما يترعرع الطفل وهو مشوه عاطفياً مشدوداً إلى الانفصال عن أبويه.
كذلك يسعى الغرب إلى عدم النظر إلى الوراء، بل التقليل من تأثير الجينات والعامل الوراثي.

بينما يدعو الإسلام إلى التراحم والصلة بين الأرحام، وهو ما يجعل الطفل مشدوداً إلى الماضي بينما يفكر بالمستقبل والطفل كلما كانت جذوره العاطفية والتربوية ضاربة الأعماق كلما كان مستقبله عظيماً ومنسجماً وغير منتقم، بل وسيكون اجتماعياً ودوداً ومحباً وأيضاً فإن الانشداد إلى الأجداد يبني الطفل بنية أصلية مشدودة إلى الماضي إذ من غير السهل وقت إذٍ انحرافه.

* دور الحضانة

لقد أصبحت أساليب الحياة الحديثة والانشغال الدائم من قبل الآباء والطعام والشراب والأثاث والرفاه غاية المنى لإنسان اليوم بينما أخذت المسائل الأساسية وتربية النفس وتغذية الميول والحاجات المعنوية والروحية طريقها نحو الإهمال بوتيرة سريعة. وهذا ما أدى إلى البحث عن بديل، ذلك هو الحاضنة ودور الحضانة والتي يعبر عنها اليوم برياض الأطفال وهي مرحلة إلزامية في تعليم الطفل.

أول ملاحظة: أن التعليم المبكر وبحسب التعاليم الإسلامي والتي يؤيدها علماء التربية والنفس التربوي، يؤدي إلى انحرافات في الشخصية نتيجة حمل هم الانشغال فترة منتظمة وكبيرة كل يوم وتعلم جملة من المسائل ولو البسيطة وهو ما ينبغي أن يبدأ بعد السابعة.

ثاني ملاحظة: أن التعليم المبكر ينقص من كمية وحجم العاطفة التي يتلقاها وهو إلى جانب أهله يلعب ويلهو وقد تظهر آثار ذلك سريعاً سيما وأن المعلمة لا تستطيع أن تكون إما كما أنها لن تستطيع أن تحب كأمه.

ثالث ملاحظة: الابتعاد المبكر للطفل في رياض الأطفال يدفع به نحو بناء شخصية لا تعبأ بالحضن العائلي كثيراً وبالمقابل أيضاً فإن الأب والأم ونتيجة العمل سيهملان أولادهما تدريجياً بنسبة كافية ليشعر الطفل بالاضطراب العاطفي وقد تؤدي به إلى عدم الإنتاجية في المدرسة.

الإسلام يؤكد على أن مجال عمل المرأة هو التربية. فالأم صاحبة مؤسسة تربوية صغيرة، ولقد اكتشف خبراء التربية أهمية أن يكون على كل صف مشرف واحد بل مشرفة واحدة. ونسأل أليس ذلك اعتراف بأن دور المرأة بيتها أو مدرستها الصغيرة.
إن ميدان نشاط وجهاد المرأة كما يؤكد أمير المؤمنين هو بيتها قائلاً: "وجهاد المرأة حسن التبعل".
ومما لا شك فيه بأن المرأة لو اعتنت بنفسها فحصلت الوعي بدورها التربوي والبناء فإن أبناءنا سيكونون بخير حتماً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع