مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أصول التحليل السياسي

بعدما أشرنا إلى أن المحلل السياسي يشترط فيه امتلاك رؤية سياسية واضحة وسليمة، وأن عليه التأني والروية في إصدار الأحكام والمواقف السياسية بالإضافة إلى وجود استعداد ذهني يؤهله فهم الأحداث وترابطها، ومعرفته باللغة السياسية المتداولة، نشير في هذه الحلقة إلى مجموعة من الأصول والمعايير التي تساعد في الوصول إلى الحد الأقرب من الصواب.
وهذه الأصول أعم من الأساليب والمسائل السياسية، وبتعبير آخر هي من العلوم المقدماتية التي ينبغي على المحلل السياسي أن يبحث بشأنها لأنها تساعده في فهم الواقع والأحداث المختلفة، وتحليلها تحليلاً صحيحاً، وفهم وجوه الاختلاف في التحليلات المتباينة تبعاً لاختلاف الأساليب وتنوعها.


1: الرؤية الكونية:

الرؤية الكونية عبارة عن نظرة الإنسان إلى الكون: أصل وجوده، مصيره النهائي، ومعرفة الفائدة من الموجودات مجموعة وأفراداً.
وهي تتضمن الأجوبة عن الأسئلة التالية:
هل للإنسان والعالم هدف أم لا؟ وفي حال وجود الهدف، فما هو؟ هل يوجد أصول وسنن ثابتة حاكمة على نظام الخلق أم أنه تابع لظروف البيئة وشرائطها؟
ما هي العوامل المؤثرة في حياة الإنسان والهدف من الحياة؟ التكامل الأخلاقي، الرفاه المادي، السعادة الأخروية، و... أي منها يمكن أن يكون هدفاً معقولاً للحياة؟ بشكل عام، ما هو دور الإنسان في مجموع ظواهر الوجود؟ هل الأصالة للإنسان أم للاقتصاد أم للقيم الدينية والأخلاقية؟ ما هو دور السياسة في حياة الإنسان؟ هل يوجد فصل بين السياسة والدين أم أنهما متحدان؟

الجواب عن هذه الأسئلة وأمثالها يشكل الرؤية الكونية عند الإنسان، ولها دور فعال في مواجهة الأحداث السياسية، ولذا فالذين يمتلكون رؤية سياسية معينة يختلفون اختلافاً كبيراً، في تفسير ظاهرة سياسية ومواجهتها عن الآخرين الذين يمتلكون رؤى كونية مغايرة.
وعليه، ففي تحليل الحوادث، يجب أولاً أن يلتفت المحلل إلى الرؤية الكونية التي يمتلكها، وثانياً أن يطلع على الرؤى الكونية المختلفة التي تلعب دوراً أساسياً في المجال السياسي.

فعلى سبيل المثال لو أخذنا فتوى الإمام قدس سره بإعدام رشدي كحدث سياسي. لقد تناقلت الجرائد السياسية في البلدان المختلفة، بل في البلد الواحد، هذا الحدث وكان لكل واحدة منها تحليلاً مغايراً للأخرى فالصحف التي لها ميول إسلامية اعتبرت أن الفتوى متفق عليها عند جميع الفرق الإسلامية.
ومع الالتفات إلى الخلفية التآمرية للاستكبار بهذه الرواية الشيطانية، فإنها تدافع بقوة عن هذا الحكم وفي المقابل اعتبرت الجرائد التي لها ميول غربية أن إصدار هذه الفتوى لا يتناسب مع مصالح الجمهورية الإسلامية الاقتصادية لأنه سوف يؤدي إلى قطع العلاقات مع أوروبا الغربية، كما أنها رأت فيها اعتداء على حرية الكتابة والتعبير.

وهكذا يعتبر الغرب أن الإساءة إلى معتقدات مليار ونيف من المسلمين لا يخرج عن إطار حرية الرأي، أما قيام مليار مسلم للدفاع عن دينهم ومعتقداتهم فهذا خارج عن إطار الحرية.
ويمكن أن يوجد جرائد من نوع ثالث تابعة للاستكبار الشرقي فتتخذ موقفاً محايداً، كأن تعتبر الكتاب إهانة واعتداء على معتقدات الآخرين إلا أنها لا تؤيد فتوى الإعدام وتعتبرها ظلماً بحقه.
في فهم الحدث لا بد من الالتفات إلى الرؤية الكونية التي يمتلكها المحلل السياسي.
وهكذا نرى أنه وبغض النظر عن أي عامل آخر يمكن وجود أكثر من تفسير وتحليل لظاهرة سياسية استناداً إلى الرؤية الكونية التي يمتلكها المحلل.
ويمكن اعتبار أن الرؤى الكونية المؤثرة في التحليل السياسي تنقسم إلى خمس أساسية.
1- الرؤية الغربية.
2- الرؤية الشرقية.
3- الرؤية الالتقاطية.
4- الرؤية الاستبدادية.
5- الرؤية الإسلامية.

فأصحاب هذه الرؤى قد تختلف فيما بينها في تفسير حدث سياسي حتى ولو تساوت معلوماتهم وسائر العوامل المؤثرة في تحليل هذا الحدث.
المذهب الغربي مبني على أساس أصالة الفرد والتوجه إلى البعد المادي للإنسان والحياة المرفهة. أمام المذهب الشرقي فيبتني على أساس أصالة المجتمع وكون الاقتصاد بيد الدولة وتفسير أية ظاهرة على أساس المادية التاريخية.
والمذهب الاستبدادي مبني على عنصر القوة والقهر. والمذهب الالتقاطي- وهو من أسوأها على الإطلاق. لأنه لا يعتمد على أي أصل وإنما يلتقط من كل مذهب شيئاً ولذلك لا يمكنه الوصول إلى تحليل صحيح البتة.
أما المذهب الإسلامي فهو يعتمد على السنن الإلهية الثابتة والحاكمة على المجتمعات الإنسانية ومنها الإمدادات الغيبية والوعود الإلهية.
فالمذهب الإسلامي يستخدم أكمل الأساليب وأدقها على الإطلاق لأنه يستفيد من جميع العوامل المادية (السنن الإلهية الحاكمة) والمعنوية (الوعود الإلهية بنصر المؤمنين) والموضوعية (التقوى والعدالة) في تحليل وتفسير ظاهرة سياسية وأخذ الموقف المناسب بإتمامها، ومن خلاله يمكن الوصول إلى التحليل الأقرب للصواب، إن لم نقل، الصواب بعينه. ورد في القرآن الكريم ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً.. (الأنفال/29).

ويخلص بعض المحققين في المبحث المذكور إلى وجود ثلاثة مذاهب أساسية في التحليل السياسي هي:
1- المذهب الشرائطي (الظواهري).
2- المذهب المثالي (الإطلاقي).
3- المذهب الوجودي (الواقعي).

ويذكرون في إطار شرح المذهب الشرائطي أنه "في هذا النوع من التحليل، تجعل الشرائط أصلاً وأساساً للتحليل والمعرفة. وبتعبير آخر يتخذ المحلل من العلامات الظاهرية والمؤشرات السطحية أساساً لإدراكه وفهمه للواقع. ويصطلح على التحليل الشرائطي بالتحليل العلمي، إلا أنه في الواقع سطحي وهو أساس كل المدارس المادية سواء الماركسية منها، أم الليبيرالية أم الرأسمالية.
المذهب الشرائطي لا يقوم على أسس محكمة ومشخصة وسرعان ما يتغير مع تغير الشرائط".

أما المذهب المثالي فهو: "الأسلوب الذي يغض النظر عن الشرائط والمسائل الخارجية ويبني رؤيته على أساس ما يتوهمه الذهن ويحلل المسائل على أساس ذلك. طراز التفكير الأرسطوئي والتحلي المطلق من خصوصيات هذا المذهب".
وفي شأن المذهب الواقعي: "معرفة القوانين الثابتة الحاكمة على العالم وحركة المجتمعات البشرية والتاريخ والإيمان بالأصول الثابتة والمستقلة عن الذهن والأخذ بعين الاعتبار وجود الشرائط كحقيقة واقعية موجودة، شئنا أم أبينا، لكن في نفس الوقت لا تُعطي الأصالة للشرائط الظاهرية بل قد يجب السعي لتغيير الشرائط لكي. تتوافق مع الأصول والقوانين الثابتة الحاكمةعلى الحوادث والظواهر".

يُلخصون الخصائص التي يتميز فيها هذا المذهب إلى عدة أصول:
1- الحادثة (الظاهرة).
2- الاعتماد على جوهر الحوادث.
(يعني في كل حادثة ومسألة سياسية يوجد أجزاء عديدة، بعضها يشكل عاملاً أساسياً وجوهرياً للقضية وبعضها الآخر يكون معلولاً لها، وللحصول على تحليل سليم يجب معرفة الجواهر (الأمور الجوهرية) والاعتماد عليها).


2: أصل تسلسل الحوادث:
إن الظواهر والحوادث السياسية ليست مجزأة ومنفصلة عن بعضها البعض، بل ترتبط كحلقات السلسلة، فكل ظاهرة سياسية معلولة لظاهرة سياسية أخرى يطلق عليها "العلة السياسية"، وهذه العلة ذاتها معلولة بدورها لظاهرة أخرى وهلم جراً.
وعلى هذا الأساس، في تحليل الحوادث يجب الالتفات بفطنة وذكاء إلى سلسلة العلل. فالثورة الإسلامية كظاهرة جديدة ليست مجردة عن مجزرة 15 خرداد ولا عن الثورات الإسلامية في المئة سنة الأخيرة، الحرب العراقية ضد إيران في أيلول عام 1980 لم تكن أيضاً من دون مقدمات وواقعة كربلاء لا يمكن أن نفصلها عما جرى في السقيفة.

ورد في هذا الشأن في كتاب "مقتل الحسين عليه السلام" أنه في يوم عاشوراء جاء نداء من السماء إلى الناس ورد فيه أن قتل الحسين كان يوم الاثنين. فلو أن هذا المقطع جاء عقب كلام المنادي فهو شاهد على أصل تسلسل الحوادث.
لأن أكثر علماء الفريقين يعتقدون أن ارتحال سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم إلى عالم البقاء كان يوم الاثنين، وكان ما جرى يوم السقيفة أيضاً في ذلك اليوم، ومن جهة أخرى كانت شهادة الإمام الحسين عليه السلام حسب الظاهر يوم الجمعة وليس يوم الاثنين، إذا نستنتج أن ما جرى في السقيفة، كان العامل الأساسي في إيجاد الخط المنحرف عن الصراط المستقيم الذي أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالاستمرار عليه، ونصب أمير المؤمنين علي عليه السلام بأمر من الله في غدير خم لحفظ هذا الصراط وحراسته.

وعليه فإن نقطة البداية في الانحراف عن الإمامة الحقة أخذت بالاتساع، وعلا غبار الشرك وعاد الناس إلى عصر الجاهلية.
وجلس الممثل الشرعي للإسلام المحمدي الأصيل حبيس البيت. وصار المسلمون يرجحون معاوية ويزيد بالدراهم والدنانير على اللياقة الذاتية والشرافة النسبية لآل بيت الرسالة. وعلى أثر هذا الاضطراب. تهيأت الأرضية لإجبار الإمام الحسن عليه السلام على الصلح وقتل الإمام الحسين عليه السلام عندما رفض مبايعة يزيد. وعندما سألهم الإمام عليه السلام سبب اجتماعهم لحربه وقتاله أجابوه دون حياء: بغضاً منا لأبيك.
وعلى هذا الأساس، يمكن أن نعتبر أن السقيفة وما جرى فيها هو علة العلل لما جرى في كربلاء.

ولنعد إلى أصل البحث فنقول أولاً أن الحوادث ترتبط فيما بينها كحلقات السلسلة () علة (ب) علة (ج) و(ح) علة (د) وهكذا. ثانياً لا يمكن أن توجد ظاهرة سياسية دون أي عامل أو علة، نعم يمكن أن تكون عوامل وعلل متعددة موجودة لظاهرة سياسية واحدة. (طبعاً هذه في العلل الناقصة).
مثلاً: ثورة 1917 الروسية لم تكن ناشئة من العامل الاقتصادي فقط كما يحلو للماركسيين أن يحلّلوا "بل لو أردنا أن نكون، واقعيين في تحليل الثورة الروسية ونحقق بعمق في مجرياتها نصل إلى نتيجة وهي أن علة العلل في وقوع الثورة في ذلك البلد ليس شيئاً سوى الفساد الحاكم على البلد والظلم والقهر اللامحدود الممارس ضد الشعب.

ثم انكسار روسيا في حرب 1904 واستمرار القتل والتعذيب بعد ثورة 1905 وما جرى في الحرب العالمية الأولى (1914) كل ذلك لم يدع خياراً أمام الناس سوى الثورة والقيام ضد الحكومة الفاسدة ولو قام شخص غير لينين مهما كان مذهبه الفكري والعقائدي بقيادة الثورة، لثارت الجماهير معه حتماً ودون تردد.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع