تحدثنا في الحلقة السابقة عن المقدمات الضرورية التي ينبغي لسالك طريق التحليل أن يحصل عليها أو يقوم بها.
وسوف نبدأ من هذه الحلقة بشرح الشروط الأساسية لعملية التحليل السياسي. وينبغي الإشارة هنا إلى بعض النصائح المفيدة.
منها أن يحاول المحلّل السياسي الاستفادة من الأسلوب الجماعي في التحليل وذلك عبر الدعوة أو المشاركة في حلقات منظّمة، ولكن مع الالتفات إلى ضرورة عدم تحول تلك الجلسات إلى ساحة لعرض الآراء وإبراز الأنا التي تحاول أن تستفيد كثيراً من هذه المحاضر. وتتحقّق الفائدة الكبرى، إذا جعلنا مديراً للحلقة، وأميناً للسر يكتب نتائج المناقشات ليعرضها على الجميع ليستفاد منها على صعيدين:
الأول: التعرف على الثغرات الذاتية.
الثاني: مراجعة النتائج للاستفادة منها في الحلقة المقبلة.
وعلى المدير أن ينظم اللقاء بحيث تتمّ أكبر استفادة في أقل وقت، فيعطي لكلّ واحدة مدّة زمنية محدّدة فلا يقاطعه أحد بالكلام، وبعد انتهائه يطلب المدير من الجميع توجيه أسئلتهم أو إشكالاتهم...
ولعلّ هذه الطريقة من أفضل طرق التحليل السياسي وقد ذكرناها هنا لأهميتها.
* الشروط الأساسية
1- امتلاك الهدف: يقعد الكثيرون من الذين يخوضون في وادي التحليل السياسي في متاهات الفوضى وشُبُهَاتِ الجهل عندما لا يُحدّدون لعملية التحليل السياسي هدفاً واضحاً. ولا نقصد بالهدفية هنا تحديد الهدف البعيد لأنّه من البديهيات فمن لم يكن مخلصاً في توجّهه قاصداً لله في نيته، بطُلت جميع أعماله. وإنّما نقصد تحديد الهدف القريب من التحليل وذلك بعد تحديد الموضوع الذي نريد الخوض فيه.
لنفرض مثلاً أنّنا نريد أن نحلّل ما يسمى"بعملية السلام" التي بدأت من مُؤتمر مدريد. هل ندخل مباشرة بعرض المعطيات تحليل النصوص والأحداث وتقليب وجوه الآراء؟ إنّ هذا العامل من شأنه أن يعطل أي حوار جدي ويسد طريق الاستفادة. وسوف نشاهد في تلك الحال تخبّط الجميع في المناقشات والوصول إلى النتائج. لذلك لا بدّ أن نطرح هدفاً واضحاً ومحدداً لا نعدو عنه طيلة جلسة التحليل، ونمنع أيّ مشارك من الاستطراد وراءه. كأن يكون الهدف مثلاً: "مستقبل عملية السلام" أو "الآثار المباشرة لعملية السلام على المسلمين في لبنان" وغيره من الأهداف المهمة. وهنا سوف يمكننا أن نحصر المحاور أيضاً. فإذا كان الهدف استقراء النتائج التي ستفرض على المسلمين في لبنان نستطيع أن نتجنب الخوض في قضايا أخرى وهذا ما يسهّل ويسرع الوصول إلى نتائج أو استنتاجات مفيدة.
2- وضع المحاور: عندما نقوم بمعالجة قضية ما لا بدّ من تقسيمها إلى محاور للبحث، وتوزيع تلك المحاور على نقاط أساسية ليسهل بالتالي إجراء النقاش. ويجب أيضاً أن نطرح الأسئلة المناسبة حول كلّ موضوع لنعرف ماذا نريد.
لنفرض مثلاً أنّنا كنا نعالج حرب الخليج التي كانت ستندلع بعد غزو صدام للكويت. فيجب أولاً بعد تحديد الهدف من التحليل تقسيمُ البحث إلى محاور أساسية. وهذا يتبع عادةً طبيعة القضية، وهنا نرى أن معرفة توجهات القوى الفاعلة والمؤثرة في مجريات القضية هي التي ستحدد النتائج المتصورة التي نريد الوصول إليها. فنضع لائحة بأسماء القوى الفاعلة. وكل قوة تعد محوراً للبحث.
ثمّ نطرح أسئلة حول كلّ محور: ماذا تستفيد أمريكا (مثلاً) من خوض الحرب ضد صدام؟ ما هي التوجهات المسيطرة على البيت الأبيض؟ و...
وبهذه الطريقة نجيب على كلّ سؤال من خلال الاستفادة من المعطيات الخارجية لا من الأمور التي نودّ أن تكون ونبتعد قدر الإمكان عن النصوص الوهمية أو التحليلات الغائمة.
عندما نتمكن من وضع المحاور الشاملة للقضية وتوجيه الأسئلة المحيطة بكلّ محور علينا أن نربط ما بين النتائج والأجوبة لنصل إلى الهدف المحدّد في البداية.
3- الاستفادة من مصادر المعلومات: تشكل المعلومات في عملية التحليل السياسي الزاد الحقيقي الذي يعيننا على الوصول إلى الأجوبة الصحيحة أو القريبة من الواقع. فكلّما كانت تلك المعلومات صحيحة ومستفيضة استطعنا أن نقترب من النتيجة أكثر.
ولا بدّ هنا من معرفة الأمور التالية:
أولاً: مصادر المعلومات.
ثانياً: صحة المعلومات.
لقد تشعبت مصادر المعلومات والأخبار في هذا العصر كثيراً وتعدّدت وسائلها إلى درجة كبيرة حتّى لقب هذا العصر بعصر المعلوماتية.
فهناك الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية والإذاعة والتلفزيون والأرشيف ومراكز الدراسات والمجلات التي تعنى بالدراسات والبحوث ووكالات الأنباء والمراسلون. وكلّ واحدة منها لها مميزات خاصّة إضافةً إلى ارتباطها بالحكومات والأحزاب والأجهزة المخابراتية.
في الحلقة المقبلة سوف نتحدث عن طبيعة مصادر المعلومات وكيفية الاستفادة الصحيحة منها إن شاء الله تعالى.
الخلاصة:
1-للتحليل السياسي شروط أساسية.
2-يُنصح بالاستفادة من الجلسات العامة.
3-من الشروط الأساسية: أ-تحديد الهدف. ب-وضع المحاور.
algerie
محمد سلام
2013-10-07 20:53:07
جزاك الله خيرا