الدرس السادس: التحليل السياسي
* أهمية المسائل الاقتصادية في سياسة الدول
عندما تقع أزمة سياسية بين دولتين أو تتنازع مجموعة من الدول على منطقة جغرافية فإن الناحية الاقتصادية تكمن وراء مثل هذه لأزمات. ويمكن القول أن الجانب الاقتصادي هو المحرك الأساس لتوجهات وسياسات الدول كافة، وإذا استثنينا الدول العقائدية، نجد أن معظم الأنظمة الحاكمة في العالم ترسم سياساتها وتقيم تحالفتاتها على أساس الموارد الاقتصادية ومسائل الإنتاج والأموال ومن جانب آخر فإن الهيمنة الاقتصادية أضحت من أهم الوسائل التي تستخدمها الدول المستكبرة للسيطرة على الدول المستضعفة ويكفي في هذا المجال أن نأخذ إحدى دول أمريكا اللاتينية كمثال على الهيمنة الاقتصادية التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية لإسقاط نظامها الحاكم أو حكومتها المسيطرة فقد قامت إحدى الشركات الأميركية المرتبطة بسياسة البيت الأبيض بالدخول إلى تلك الدولة التي تعتمد بشكل أساسي على الأبقار ونتاجها، ثم أعلنت بطرقها الدعائية المعهودة عن استعدادها لشراء البقرة الواحدة بسعر مرتفع جداً عن السعر المطروح في الأسواق، وما كان من المزارعين المساكين في تلك الدولة إلا أن قاموا ببيع أبقارهم ظناً منهم أنهم سوف يشترون البقر المعروض بسعر أقل ويربحون الفارق. لم يشعر ذلك الشعب الغافل بتلك المؤامرة إلا بعد فوات الأوان. بعد أن تبين أن الشركة كانت قد ذبحت تلك الأبقار الكثيرة وحولتها إلى لحوم، فتم ضرب العصب الأساسي في الناتج القومي للدولة وسقوط اقتصادها في الحضيض.
على المحلل السياسي أن يضع الأمور الاقتصادية نصب عينيه لأنها تشك عاملاً أساسياً في المسائل السياسية، وعند تحليله لأزمة ناشبة فلا ينسى أن التكاليف المالية والأهمية الاستراتيجية التي تكتسبها منطقة غنية بالنفط أو المعادن تقع في أولويات النقاط المطروحة.
7 - المفاوضات السياسية والمؤتمرات
تشكل المفاوضات السياسية والمؤتمرات التي تعقد بين أقوى والدول المختلفة نقطة يمكن للمحلل السياسي أن يقرأ من خلالها مسار الصراع أو التجاذب أو الالتقاء في الحركة السياسية ففي المفاوضات يطرح كل فريق مطالبه التي تعكس أهدافه وبمراقبة مسار الاجتماعات نفهم قوة كل فريق ونقاط ضعفه والأوراق التي يمسكها. وفي المؤتمرات يفهم المراقب المبادئ العامة وتفاصيلها وكذلك تتضح لديه المسائل المرتبطة بالموضوع المطروح. إذا تابع المحلل مؤتمراً حول نزع الأسلحة الكيميائية فسوف يطلع على إحصاءات ومعلومات مهمة إضافة إلى توقيت المؤتمر والداعي إليه الذي يفهم منه سياسة الدولة وظروف الدعوة.
8 - الالتفات إلى سياسة "الحك"
عندما يريد الصائغ أن يتعرف على قيمة الذهب أو عياره فإنه يحكه. وفي عالم السياسة يختبر السياسيون وأصحاب القرار الأطراف الأخرى أو الرأي العام من خلال أساليب يعتمدونها لمعرفة رد فعلهم أو ميزان قوتهم أو مواجهتهم للمشروع المطروح. قد يطلق أحد الزعماء السياسيين تصريحاً حول قصية ما يكون تمهيداً لمشروع مستقبلي... فالمحلل السياسي يقرأ ما بين السطور ويتمكن من معرفة خلفية التصريح وهذا ما يجعله أقرب لإدراك الواقع. ويوجد في هذا المجال طريقة يستخدمها هؤلاء عبر دفع بعض الشخصيات غير الرسمية للتصريح بدلاً عنهم حتى يسهل التهرب منها أو عدم اعتبارها صادرة عنهم.
9 - الإلمام بمناهج الحكومات وسياساتها العامة
في كل نظام حاكم هناك نهج يسيطر على السياسة المعتمدة، وما لم يعرف المحلل هذا المنهج لن يتمكن من تفسير الكثير من التحركات التي تقوم بها، وقد يقع ضحية بعض الظواهر الإعلامية. ربما يظن لأول وهلة أن فرنسا بإيوائها للحركات السياسية والمنظمات المعارضة (حتى) للدول الرأسمالية بلدٌ حرٌ ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وخاصة إذا شاهد إصراراً منها على عدم طردهم، وقد يظن أن الجزائر التي تعمل كعرّاب وساع لحل الأزمات الإقليمية دولةٌ مهادنة مصلحة، ولكن بالإطلاع على مناهج الدول وسياستها يفهم أن تلك الظواهر هي ضرورات تتوافق مع المصالح الأساسية.
لقد حملت أمريكا شعار تحرير شعوب العالم والديمقراطية قبل الحرب الثانية وما زال هذا الشعار يطرح عند كل حملة انتخابية، ولكننا نعلم جيداً أن أمريكا بهذا الشعار قد خدعت شعبها وشعوب العالم لتمرير مخططاتها ومشاريعها التوسعية.
إن الإسلام دينٌ سياسته عينُ عبادته وعبادته عين سياسته.
الإمام الخميني قدس سره