الشيخ علي معروف حجازي
بعض أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتبطٌ بعلماء الدين ورؤساء المذهب، نختم بها سلسلة مقالاتنا حول هذا المبحث المهمّ.
النهي عن البدع
لو وقعت بدعةٌ في الإسلام، وكان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب موجباً لهتك الإسلام، وإضعاف عقائد المسلمين، يجب عليهم الإنكار بأيّ وسيلة ممكنة، سواء أكان الإنكار مؤثّراً في قلع الفساد أم لا. وكذا يجب الإنكار لو كان سكوتهم عن إنكار المنكرات موجباً لذلك، ولا يُلاحظ الضرر والحرج، بل تُلاحظ الأهمّيّة.
سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب
1- لو كان ثمّة خوف، بسبب سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب، في أن يصير المنكر معروفاً أو المعروف منكراً، يجب عليهم إظهار علمهم، ولا يجوز السكوت حتَّى لو علموا عدم تأثير إنكارهم في ترك الفاعل لفعله، ولا يُلاحظ الضرر والحرج، مع كون الحكم ممّا يهتمّ به الشارع الأقدس جدّاً.
2- لو كان في سكوتهم تقويةٌ للظالم وتأييدٌ له، يحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الإظهار حتّى لو لم يكن مؤثّراً في رفع ظلمه.
3- لو كان سكوتهم موجباً لجرأة الظَلَمة على ارتكاب سائر المحرّمات، وإبداع البدع، يحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الإنكار، حتّى وإن لم يكن مؤثّراً في رفع الحرام الذي يُرتكب.
4- لو كان سكوتهم موجباً لإساءة الظنّ بهم وهتكهم، وانتسابهم إلى ما لا يصحّ ولا يجوز الانتساب إليه -ككونهم أعوان الظَلَمة- يجب عليهم الإنكار؛ لدفع العار عن ساحتهم، حتّى لو لم يكن مؤثّراً في رفع الظلم.
عمل العلماء في شؤون الدولة
لو كان انخراط بعض العلماء في بعض شؤون الدولة، موجباً لإقامة فرائض أو فريضة، أو قلع منكرات أو منكر، ولم يوجد محذور أهمّ -كهتك حيثيّة العلم والعلماء، وتضعيف عقائد الضعفاء- وجب الانخراط وجوباً كفائيّاً، إلّا إذا لم يمكن ذلك إلّا لبعضٍ معيّن؛ لخصوصيّات فيه، فيتعيّن الوجوب عليهم.
الدخول في المدارس الدينيّة التي أسّستها الدولة
1- لا يجوز للعلماء وأئمّة الجماعات وطلّاب العلوم الدينيّة، الدخول في المدارس الدينيّة، التي أسّستها الدولة الجائرة، سواء أُجري المال عليهم من الصندوق المشترك أو من موقوفات المدرسة نفسها أو من غير ذلك؛ لمفسدة عظيمة يُخشى منها على الإسلام وعلى الحوزات الدينيّة والعلميّة في الآجل القريب.
2- لا يجوز لطلّاب العلوم الدينيّة الدخول في المدارس الدينيّة التي تصدّى لها بعض المتلبّسين بلباس العلم والدين من قِبَل الدولة الجائرة، أو بإشارةٍ من الحكومة، سواء أكان المنهج من الحكومة أم كان من المتصدّي، وكان المنهج دينيّاً؛ لمفسدة عظيمة على الإسلام والحوزات الدينيّة في الآجل.
3- لو وُجدت قرائن على أنّ مؤسّسة دينيّة أُسّست أو أُجريت مؤونتها من قِبل الدولة الجائرة ولو بوسائط، لا يجوز للعالِم التصدّي لها، ولا لطلّاب العلوم الدخول فيها، ولا أخذ راتبها، بل لو احتمل احتمالاً معتدّاً به لزم التحرّز عنها؛ لأنّ المحتمل ممّا يُهتمّ به شرعاً، فيجب الاحتياط في مثله.
4- يحكم المتصدّي لمثل تلك المؤسّسات والداخل فيها بعدم العدالة؛ إذ لا يجوز للمسلمين ترتيب آثار العدالة عليه، فلا يجوز الاقتداء به في الجماعة، ولا يصحّ جعله من الشاهدَين في الطلاق، وغيرهما ممّا تُعتبر فيه العدالة.
5- لا يجوز لمن انتسب إلى مؤسّسات الدولة الجائرة أخذ الخُمس من السهمَين، ولا يجوز للمسلمين إعطاؤه من السهمَين ما دام في تلك المؤسّسات، ولم ينتهِ ولم يتب.
6- لا يجب الاستماع إلى الأعذار التي تشبّث بها بعض المنتسبين إلى تلك المؤسّسات، حتَّى لو كانت وجيهةً عند أصحاب الأنظار السطحيّة الغافلة.
في صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر صفات يجب أن يتحلّى بها كالطبيب المعالج المشفق، وكالأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب. لذلك، ينبغي أن يكون:
1- لطيفاً ورحيماً على المرتكب خاصّةً، وعلى الأمّة عامّة.
2- مجرّداً قصده لله تعالى ولمرضاته.
3- مخلصاً في عمله؛ بحيث يجرّه من شوائب الأهواء النفسانيّة، وشوائب إظهار العلوّ.
4- متواضعاً؛ لا يرى نفسه منزّهة، ولا لها علوّاً أو رفعة على المرتكب؛ فربّما كان للمرتكب صفات وفضائل تُرضي الله، وإن أبغض بعض عمله، وربّما كان الآمر والناهي بعكس ذاك. لكن ذلك لا يدفعه للسكوت عن المنكر.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، كلٌّ حسب تكليفه واستطاعته.