الشيخ علي معروف حجازي
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى الفرائض وأشرفها، وبهما تقام الفرائض، والتارك لهما أو غير المبالي بهما، مأثومٌ وله عذاب أليم.
تعدّ هاتان الفريضتان من الواجبات التي أجمع عليها علماء الإسلام، بل وجوبهما من ضروريّات الدين الإسلاميّ.
وقد ورد الحثّ عليهما في القرآن الكريم والأخبار الشريفة، قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران 104)، وعن النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله عزَّ وجلَّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له. فقيل: وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر"(1).
1- وجوبهما كفائيّ
أ- تجب هاتان الفريضتان وجوباً كفائيّاً، فيجب التصدّي لهما ممَّن تتحقّق بهم الكفاية؛ فلو قام بهما من به الكفاية، سقط الوجوب عن الباقين، ولو لم يقم بهما من به الكفاية، كان كلّ من اجتمعت فيه الشروط تاركاً للواجب وآثماً.
ب- لو توقّف الوجوب على تصدّي مجموعة أو أكثر، وجب الاجتماع بقدر الكفاية، ولو اجتمع عدّة أشخاص دون مقدار الكفاية ولم يجتمع معهم البقيّة، ولم يكن المجتمعون قادرين على جمع البقيّة، سقط الوجوب عن المجتمعين، وبقي الإثم على المتخلّفين.
ج- لو قام شخص واحد أو أكثر بالواجب دون إحداث أي تأثير، واحتمل آخر أو أكثر التأثير، وجب عليهم القيام بهذه الفريضة مع اجتماع الشروط.
د- يجب القيام بالأسلوب المناسب بصيغة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- حدودهما
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليفان شرعيّان، وواجبان اجتماعيّان إنسانيّان على عموم المكلّفين، ولا علاقة للوجوب بحالات المكلّف، من كونه متزوّجاً أو عازباً، ولا يختصّ الوجوب بفئة أو شريحة من الناس، بل يشمل جميع من تتوفّر فيهم الشروط، ويجب حتّى على الزوجة والأولاد، فعند مشاهدة ترك معروف أو فعل حرام من قِبَل الوالدين أو الزوج، تجب المبادرة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع توفّر شروطهما.
3- قصد القربة
لا يشترط فيهما قصد القربة. نعم، لو قصدها، يُثاب عليها.
4- شروط وجوبهما
شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أربعة:
الأوّل: العلم بالمعروف والمنكر.
الثاني: إصرار العاصي على الذنب.
الثالث: احتمال التأثير.
الرابع: عدم احتمال المفسدة.
وفي ما يأتي، تفصيل لتلك الشروط.
أوّلاً: العلم بالمعروف والمنكر
1- يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حينما يكون الشخص المُخالف عالماً بالحكم الشرعيّ ويخالفه متعمّداً. وأمّا من يرتكب الذنب لجهله بالحكم الشرعيّ، فيحتاج إلى إرشادٍ وهداية، ولا يجب في حقّه الأمر والنهي، وكذلك من يرتكب الذنب غافلاً أو جاهلاً بالموضوع، إلّا إذا كان الموضوع من الأمور المهمّة جدّاً عند الشارع، فيجب حينئذ أن يُلفت نظره إلى الحكم الشرعيّ أو انطباقه على الموضوع.
2- يجب على الآمر والناهي أن يعرفا المعروف والمنكر، وإلّا لا يجب عليهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما يجب تعلّم شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حتّى لا يقعا في المنكر أثناء الأمر والنهي.
3- إذا علم المتصدّي، أو احتمل، أنّ المكلّف لا يعتقد -اجتهاداً أو تقليداً- بوجوب فعلٍ أو حرمته، فلا يجب أمره ونهيه، بل لا يجوز، حتّى إن كان المتصدّي يَعدّ أن ذاك المكلّف ترك واجباً أو فعل حراماً.
ثانياً: إصرار العاصي على الذنب
1- لو علم المتصدّي، أو احتمل، أنّ العاصي ليس مصرّاً على المعصيّة، ولن يستمرّ عليها دون أن يتدخّل أحد في أمره ونهيه، فلا يجب أمره ونهيه.
2- يجب التوبة من الذنب؛ فلو ارتكب المكلّف حراماً، أو ترك واجباً، فتجب عليه التوبة فوراً، ومع عدم ظهورها منه، وجب أمره بها.
3- لو حصل العلم أو الاطمئنان أنّ فلاناً يريد ارتكاب معصية، فيجب نهيه.
وتتمّة الشروط في العدد المقبل بإذن الله.
1.وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث 5.