الشيخ بسّام محمّد حسين
تربّى الإمام الباقر عليه السلام في حجرها الطاهر، فأغدقت عليه من شعاع روحها الزكيّة، وغذّته بقيمها المثلى، حتّى صارت جزءاً من كيانه ونفسه، وبفضلها انحدر عليه السلام من نسلٍ لا مثيل له؛ فهو حسنيّ من ناحية الأمّ، وحسينيّ من ناحية الأب. هي تلك الوالدة الجليلة الطاهرة، بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، التي سنتعرّف إليها في هذا المقال.
* الأمّ الحَسنيّة
هي أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، اشتهرت بهذه الكنية، ويُقال: أم الحسن(1)، ويُقال: أم محمّد(2)، وفي المناقب وغيره أنّ اسمها فاطمة(3). وقد ذكرها الشيخ المفيد في أولاد الإمام الحسن عليه السلام، وذكر اثنتين من بناته غيرها باسم فاطمة، إحداهما: فاطمة، أمّها أمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيميّ، والأخرى: فاطمة، أمّها أمّ ولد(4). فلعلّ إحداهما كنّيت بأمّ عبد الله تمييزاً لها عن الأخرى، قال السيد الأمين رحمه الله: وأمّه فاطمة بنت الحسن بن علي عليهما السلام، وتُكنّى أمّ عبد الله(5). وفي المناقب: أمّه: فاطمة أمّ عبد الله بنت الحسن(6).
* نشأتها وزواجها
عاشت بعد شهادة أبيها الإمام الحسن عليه السلام في كنف عمّها الإمام الحسين عليه السلام، كبقيّة أولاده الذين أوصاه بهم عند شهادته: "... فإنّي أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك، أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً..."(7).
تزوّج منها الإمام زين العابدين عليه السلام في حدود سنة 56 للهجرة، فهو صهر عمّه الإمام الحسن عليه السلام (8)، ويبدو أنّها كانت الزوجة الأولى في حياته(9). ويظهر أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يقوم بنفسه بتزويج بنات أخيه الإمام الحسن عليه السلام (10)، كما يبدو أنّه كان حريصاً على المصاهرة مع أولاد أخيه، حيث نجد أنّه قد زوّج ابنتيه أيضاً، فاطمة وسكينة عليهما السلام من ولدي الإمام الحسن عليه السلام عبد الله، الذي استشهد في كربلاء، والحسن، المعروف بالحسن المثنّى الذي جُرح في كربلاء، وبقي حيّاً بعد واقعة الطف.
* أولادها
وقد أنجب منها ولدين: الإمام الباقر عليه السلام، وأخاه عبد الله الذي لُقِّب بالباهر بجماله، إذ ما جلس في مجلسٍ إلا بهر جماله وحسنه مَن حضر(11). وقيل: ثلاثة(12)، وقيل: أربعة، بإضافة حسن وحسين(13).
فالإمام الباقر عليه السلام هاشميّ من هاشميَّين، علويّ من علويَّين، وفاطميّ من فاطميّين، لأنّه أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهما السلام(14)، من الأئمّة عليهم السلام.
فأولاد الباقر عليه السلام هم أبناء الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، ومن هنا ورد في زيارة السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: "السلام عليكِ يا بنت الحسن والحسين"(15). وبذلك صحّ أن يكون الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف من ذريّة الإمام الحسن عليه السلام أيضاً.
وقد أنجبت الإمام الباقر عليه السلام في حدود سنة 57 للهجرة، الذي أدرك جدَّه الإمام الحسين عليه السلام، فعن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قد أدركت الحسين عليه السلام ؟ قال: "نعم..."(16).
وفي رواية أخرى عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، قال: قال أبي: "أجلسني جدّي الحسين عليه السلام في حجره، وقال لي: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُقرئك السلام"(17).
* حضورها واقعة الطفّ
وقد حضرت هذه السيدة الجليلة واقعة الطفّ، ومعها ولدها الإمام الباقر عليه السلام، فقد روي عنه عليه السلام قوله: "قُتل جدّي الحسين عليه السلام ولي أربع سنين، وإنّي لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت"(18). ولذا ذكروا أنّه كان ممّن حضر الطفّ مع جدّه الإمام الحسين عليه السلام (19). وهو من رواة هذه الواقعة.
وشاهدت والدته كبقيّة النسوة الهاشميّات ما جرى على أهل البيت عليهم السلام من المصائب والرزايا، ورأت ما حل بهم من بلايا، وكانت مع بقيّة النسوة ممّن تداوي زوجها الإمام زين العابدين عليه السلام وترعاه في مرضه، وسُبيت مع النساء من بلد إلى بلد حتّى قدموا بهنّ إلى الشام.
وقد نصّ على حضورها إلى الشام، ابنُ عساكر الدمشقيّ، حيث قال: "أمّ محمّد بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشميّة، زوج عليّ بن الحسين، قدم بها مع أهل بيتها حين قُتل الحسين بن عليّ من العراق إلى دمشق"(20).
* الصِّدِّيقة
كان الإمام زين العابدين عليه السلام يسمّيها الصِّدِّيقة(21). وعبّر الإمام الصادق عليه السلام بذلك حين تحدّث عنها بوصفها جدّته أمّ أبيه، فقال: "كانت صدِّيقةً، لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها"(22).
والصدّيقة، صيغة مبالغة في الصدق، بمعنى شدّته، والمراد تصديقها بالله تعالى وأنبيائه وحججه وكتبه. وقد وصف الله تعالى من النساء السيدة مريم عليها السلام التي كانت إحدى سيّدات نساء العالمين بالصدّيقة، فقال سبحانه: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِه الرُّسُلُ وَأُمُّه صِدِّيقَةٌ﴾ (المائدة: 75).
وهي صفة تُقال للشخص الذي يحيط الصدق كلّ وجوده، وينعكس الصدق في أفكاره وأقواله وأعماله وكلّ حياته، وهذا يعكس لنا أهميّة مقام الصدق(23).
* من كراماتها
ومن هنا، لا استبعاد لما روي عن ولدها الإمام الباقر عليه السلام من كرامة لها: "كانت أمّي قاعدة عند جدار، فتصدّع الجدار وسمعنا هدّة شديدة، فقالت بيدها: لا وحقِّ المصطفى ما أَذِنَ الله لك في السقوط، فبقي معلّقاً في الجوّ حتّى جازته، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار"(24). وقد كانت راوية للحديث، فقد ذُكر لها في الكُتب بعض الروايات(25).
ويظهر اهتمامها بالقرآن ممّا روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: "إنّ أمّ عبد اللَّه بنت الحسن(26) أرادت أن تكتب مصحفاً واشترت ورقاً من عندها، ودعت رجلاً فكتب لها على غير شرط، فأعطته حين فرغ خمسين ديناراً..."(27).
* وفاتها
لم نعلم بالدّقة تاريخ وفاتها، لكنّ ابن الأثير ذكر وفاة فاطمة بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام سنة 117 للهجرة، في السنة نفسها التي توفيت فيها السيدة سكينة عليها السلام(28)، وإذا قلنا إنّ الاسم ينصرف إلى الأشهر، فتكون هي المقصودة والله العالم.
1- دلائل الإمامة، الطبري الإمامي، ص 217.
2- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 70، ص 261.
3- دلائل الإمامة، (م. س.)، ص 217. المجدي في الأنساب، ص 143.
4- الإرشاد، المفيد، ج 2، ص 20.
5- أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج 1، ص 650.
6- مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 4، ص 210.
7- الأمالي، الطوسي، ص 159.
8- المحبّر، البغدادي، ص 57.
9- تهذيب الكمال، المزّي، ج 20، ص 387.
10- المصنَّف، الصنعاني، ج 6، ص 188.
11- سرّ السلسلة العلوية، البخاري، ص 50.
12- تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، ج 2، ص 305.
13- المجدي في الأنساب، ص 20.
14- مناقب آل أبي طالب، (م. س.)، ج 4، ص 208.
15- بحار الأنوار، المجلسي، ج 99، ص 266.
16- الكافي، الكليني، ج 4، ص 223.
17- سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 4، ص 404.
18- تاريخ اليعقوبيّ، (م. س.)، ج 2، ص 320.
19- عيون المعجزات، حسين بن عبد الوهاب، ص 66.
20- تاريخ مدينة دمشق، (م. س.)، ج 70، ص 261.
21- دلائل الإمامة، (م. س.)، ص217.
22- الكافي، (م. س.)، ج 1، ص 469.
23- الأمثل، مكارم الشيرازي، ج 1، ص 59.
24- الكافي، (م. س.)، ج 1، ص 469.
25- أصول الحديث، الفضلي، ص 195.
26- معظم المصادر ذكرتها أم عبد الله بن الحارث أو الحرث، ولكن بعض المصادر ذكرتها بهذا الاسم.
27- الوافي، الفيض الكاشاني، ج 17، ص 248.
28-يراجع: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 5، ص 195.