نهى عبد الله
"إنّي لأقسم، إمّا لتأمرَّن برد الطرز إلى ما كان عليه، أو لآمرنّ بنقش الدنانير والدراهم وعليها شتم نبيّك. وإنّك لتعلم أنّه لا يُنقش شيءٌ إلّا في بلادي".
عرق جبينه، وضاقت به الأرض على إثر رسالة ملك الروم، وراح يتمتم: "أحسبني أشأم مولود ولد في الإسلام". حار عبد الملك في قصر الشام ماذا يصنع، أيعيد تطريز الثياب في بلاد المسلمين الموحدين بنقش الثالوث، أم يقبل بتداول النقد (الذي لا يملك إلّا تداوله) موصوماً بعار إهانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ أيّ الشرّين أهون؟ وبنو العباس يتربصون به، وسيعطيهم ذريعةً لانتقاص حكمه على المسلمين.
جمع أصحاب الرأي، وعرض مشكلته، لكنّه لم يجد حيلة لديهم، حتّى همس إليه أحدهم: "إنّك لتعلم المخرج، ولكن تتجاهله". أدرك قصد صاحبه، فهو لا يخشى إلّا ساكن المدينة، صاحب الحقّ الذي لم يعطَ، والغيث الذي لا يرد، أذعن أخيراً وطلب نجدته.
عندما وصل ساكن المدينة، وعرض عليه عبد الملك تهديد ملك الروم، قال له مطمئناً: "لا يعظم هذا عليك"، وأشار عليه ببداهة: "تدعو في هذه الساعة، بصناع يضربون سككاً للدراهم والدنانير، وتجعل النقش صورة التوحيد وذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم"، ولفته إلى أن يكون كلٌّ منهما على وجه للعملة، وأن ينقش على مدارها اسم البلد والتاريخ حيث يصنع النقد، وحدد له الموازين والمثاقيل لكل فئة، وأن يوحّد اللّون في بلاد المسلمين كافّة، ويأمر بالتعامل بها، ويلغي عملة الروم، وأن يعاقب كل من يتداولها.
ربما كان يصعب على حاكم الشام أن يصدّق أنّ التحرر من قبضة ملك الروم ممكنٌ إلى هذا الحد، لكنّ ما سجله التاريخ بعدها، أن ملأت الأسواقَ الدنانيرُ الذهبية مضيئةً بشعار المسلمين، في نظام وضعه باقر علوم أهل البيت عليهم السلام.