نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

السيدة المعصومة عليها السلام الهداية والقدوة

الشيخ شفيق جرادي


سير الحياة قناطر ومعابر يقطعها الإنسان بأشواط من عمره المحدود؛ ويواجه فيها ألف لغز وسؤال وعقبة؛ إلاّ أنّ نداءً في باطنه يبقى يخاطبه ويناجيه؛ يؤرقه بالتماعات خاطفة نحو مطلقٍ في الوجود هو كلّ الوجود؛ بل قل: إنّها لمعات بوارق جاذبة نحو الحقيقة والسعادة والخير والكمال؛ لا تزيد في المرء إلاّ الحاجة وشغف اللقاء، وشوق المعرفة، والعطش الذي يحتاج إلى الماء العذب السلسبيل النابع من عين الحياة "ولا يحيطون به علماً، وعنت الوجوه للحي القيوم".

ومن هنا أيضاً ينبع القلق، وهو شرط الحاجة والتفكّر والطلب؛ وعليه لا بدّ من هادٍ يُمثّل صوت الفطرة التي جُبل عليها الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربّهم؛ وليحوّل القلق إلى سكينة واطمئنان (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) فيكون الهادي هو الذاكر والذكر والمذكور؛ (يا أيها النبي إنّنا أرسلناه هادياً...) (وبالحقّ أنزلناه وبالحق نزل..).

الهداية والقدوة إذا كانت الهداية هي انتفاق الذات على مخزون ما عندها "من لم يكن له من نفسه واعظ لا تنفعه المواعظ" الباقر عليه السلام. فإنّ التحرّر من أسر قيودها أمرٌ فيه الكثير من نزعات الموت المدمّر لهيكل عرش المدينة الظالم أهلها (وهو القلب المتقلّب بين الضلالة والغواية)...

ولتحقيق هذا الطلب العظيم لا بدّ من أمرين:
أ-الاستسلام لنزعة الضياء وبوارق الذات.
ب- الاقتداء بطاعة للهادي، والتأسّي به.. (ولكم في رسول الله أسوة حسنة...).
"والأسوة والإسوة كالقِدوة والقُدوة وهي الحالة التي يكون الإنسان عليها من اتباع غيره إن حسناً وإن قبيحاً وإن سارا وإن ضاراً...
ويقال تأسيت به... والأسوأ إصلاح الجرح وأصله إزالة الأسى، مفردات الراغب الأصفهاني.
من هنا لا فرق بين القدوة والأسوة من حيث المعنى والنتيجة.. وبهما إصلاح الذات إن كان الاقتداء والتأسّي بالحسن.
لذا جاء في المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إنّي تاركٌ فيكم الثقلين؛ ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي".
فضمان الهداية وسبيلها وباباها إنما هم آل بيت النبي وأوصياؤه عليهم السلام، وقد جاء في كتاب الكافي: "الأوصياء هم أبواب الله عزّ وجل التي يؤتى منها ولولاهم ما عُرف الله عزّ وجل وبهم احتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه".

* مميزات القدوة عند المسلمين:
ممّا تقدّم من الرواية الواردة في الكافي نستنتج وجود ميزتين للقدوة:
أولاهما: أنّهم سُبل معرفة الله سبحانه وتعالى، ودلائل خلقه عليه، وآياته التي تجلّت بها أسراره جلّ شأنه؛ لذا جاء عن الإمام الصادق عليه السلام "نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله".

ثانيتهما: أنّهم حجّة الله على عباده؛ إذ بهم قد أوصل الباري ما أراده من خلقه؛ وأبلغ ما سنّ من سنته وأحكامه؛ لكي لا يكون لأحدٍ من الخلق حجّة واعتذار أو اعتراض يتقدّم به أمام عزّة الرب المالك يوم الدين..
وهاتان الميزتان أكسبتا القدوة خصائص يكلّ عن إحصائها المحصون، نذكر منها على سبيل المثال والإشارة.

أ-العزّة وهي منعةٌ معنوية تظهر في مسلك الإنسان وحياته وقراراته بحيث أنّه تعصمه عن أيّ ذلة ومهانة، خاصّة إن كانت مستقاة من عزّة الباري سبحانه وتعالى "يا من خصّ نفسه بالسمو والرفعة فأولياؤه بعزه يعتزون"، من دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام...

ب- جمعهم بين المتضادات في الصفات الظاهرة والتي تخرج من حقيقة واحدة وهي الفناء عن الذات بالبقاء بالباري سبحانه..
"يا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين"، من دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام.
فهذا الاستغفار والتذلّل لا يكون إلاّ لله وبين يديه، أمّا الموقف تجاه غير الله فليس إلاّ الهيبة والوقار والقوّة.
ولا يخفى أنّ جمع المتضادات من الصفات بشكلٍ يصدر عن وحدة من الذات والنفس العادلة في توزّعها الخُلقي؛ المتوازنة في إدارتها وآثارها وأفعالها هي محطّ جذب لكلّ مقتدٍ ومسترشد...

ج-الاستغناء عن كلّ ما عدا الله سبحانه وتعالى "اللهم إنّك من واليت لم يضرره خذلان الخاذلين، ومن أعطيت لم يُنقصه منع المانعين"، عن الصحيفة السجادية.

* المرأة والقدوة:
هنا قد يبرز سؤال: هل القدوة أمرٌ منحصر بالرجل – بحسب الفكر الديني – أم أنّه يشمل المرأة أيضاً؟
والجواب قد يتوقّف على بعضٍ من المقدمات.
أولها: أنّ عنوان الإنسانية في الفكر يشمل المرأة والرجل (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها) فالرجل والمرأة متساويان في معنى الإنسانية..

ثانيهما: إنّ أمانة الباري سبحانه التي عرضها على كلّ خلقه فرفضوها لعدم قابليتهم.. وأشفقن منها لعدم سعتهم.. قد حملها الإنسان – الرجل والمرأة – لتوافر الشرطين لديهما ...

ثالثهما: إنّ هناك مصاديق حيّة قد أورد القرآن ذكرها كنماذج لعطاءات الله سبحانه وتعالى؛ ومن هذه النماذج السيدة مريم عليها السلام التي كان يأتيها رزقها من العلم والمعاش من عند الله (كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت: هو من عند الله).
وبالتالي فمن حقّ المرأة بحسب تكوينها أن تأخذ نفس ما يُفاض على الرجل .. على أن تجاهد جهاده..
(والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا). فيمكن لنا بذلك أن نتحدّث عن المرأة الهادية والقدوة...

* السيدة فاطمة عليها السلام القدوة:
إنّ من الأمثلة الناضحة بالهداية والقدوة في الفكر الديني هي شخصية السيدة المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام فهي:
أ-من العطاءات الإلهية الخالصة؛ حورية من الجنّة وكوثر نبع الحياة السلسبيل (إنّا أعطيناك الكوثر)، راجع لذلك قصة ولادتها عليها السلام.
ب-لها ما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فاطمة بضعة منّي" للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
ج-هي مظهر رضا الله وغضبه "يرضى الله لرضا فاطمة ويسخط لسخطها"، النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
د-هي مستودع سرّ الله وباب دعائه: "اللهم إنّي أسألك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها وبحقّ السرّ المستودع فيها".
ويكفي السالك المسترشد من حياة السيدة المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام ومن ولايتها على باطن العباد، دليلاً هادياً لقدوتها وقيادتها في الوصول إلى سبيل الحق والرشد الإلهي.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع