نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المرأة والإنسان الكامل

الشيخ محمد قبيسي


* الكمال والحرية:
أ‌- الإنسان
الإنسان بنظر الإسلام مخلوق كريم يتميّز عن غيره بالكرامة الإنسانية فهو ليس كمثل الدواب، وقد جعل الله له قوى وجعل له مرشداً وهو العقل، فالحيوان يحصل على لذائذه وكمالاته الضيّقة من دون إرادة ومن دون شريعة. فإذا استُغِلّ عقل الإنسان بمثل ما يشتغل الحيوان أصبح أكثر إغراقاً بالمتع من الحيوان وخسر سعيه للكمال والكرامة الإنسانية التي بها ارتفع عن باقي المخلوقات، وقد أشار الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إلى ذلك بقوله:﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾(الأنفال/22). وكما يقول العلاّمة الشهيد آية الله المطهري فإنّ الحيوان يولد متكامل القوى أمّا الإنسان فإنّه يولد أضعف من الحيوان وعليه أن يطوي مسيرته التكاملية بعقله وتفكّره من آفاق الوجود وفي نفسه إلى أن يهتدي إلى سرّ الوجود ويعرف غايته وطريقه ومساره.

ب‌- الكمال والحرية:
الله تبارك وتعالى هو سرّ الوجود ومبدؤه وهو أيضاً غاية الخلق، وإنّ قافلة الوجود سائرة إليه وعلى رأس هذه القافلة يسير الإنسان، نحو معبوده ومعشوقه الذي يجده في فطرته "أساس طينته وجبلته" فهو تائق شائق موله إليه ولولا غفلة الإنسان عن قبلة روحه لما اشتغل بغير حبيبه ألا وهو الله ذو الجلال والجمال الآسرين.
إنّ طريق كمال الإنسان يبدأ من التراب والطين والطبيعة إلى أن ينتهي به الأمر إلى التخلّي عن مؤثرات هذه الحياة المتواضعة فينتجبه الله أميناً وخليفة، والإنسان هو الخليفة الإلهي الذي لم يكن للملائكة لا علم ولا دراية بهذا المقام، وقد أشار القرآن الكريم لهذا الأمر بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة /30)، وأشار سبحانه وتعالى أيضاً إلى أنّه خلق هذا الإنسان من التراب ثمّ أهّله بقابليات بحيث أمر الملائكة بالسجود له قائلاً:  ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ  فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (ص 71/72) إن على الإنسان أن يستجيب لهذه النفخة، وعلى التراب أن يطيع وينجذب نحو خالقه وربه؛ فإذا خالف الإنسان وجعل قواه الباطنية والمعنوية غير المتناهية رهينة لقيود التراب والطين فإنّ هذه القوى الباطنية وبدل أن تتكامل فإنّها ستضمر بينما تصبح القوى الماديّة أعظم وأعظم ويسير الإنسان إلى عمارة الحياة الدنيا المحدودة في الزمان والمكان والمسرات المليئة بالشقاوات المتعاظمة.

وما لم تحرّر نفس الإنسان من المؤثرات المحدودة والملذات المحدودة فستكون ضامرة وفي ضنك مستمر ويكون عيش الإنسان في شقاء وقلبه في عمى وضيق ولن ينفتح باب الغيب اللامتناهي أمام قلبه ولن يتذوق من لذائذه وسعاداته شيئا، وما دام الإنسان مشغولاً بطعامه وشرابه وملذاته، فلن يذوق طعم الحرية بل سيبقى في الأسر الدائم وستبقى قواه المعنوية مكبوتة ميتة قد أغلق القفص البدني على نفسه.
إنّ الإنسان ينشد الخروج من هذا العالم الضيّق فهو في كلّ يوم يشعر بهذا الضيق، نفسه لا تحلّق في البحر ولا تحلّق في التراب إنّها تنشد عالماً آخر لا حدود له ولا قيود، ولكنّ الأوهام والآمال الخاوية والجهل يمنعه من الخروج والتحليق، وإنّ ما يسميه العالم الغربي حرية قد جعله أكثر أسراً وقهراً وشقاءً.

الحرية أن يخرج الفكر من الآراء الجماعية المسوّقة، ويكون حراً غير متأثر بالأوهام والأفكار الشائعة، والحرية أن تخرج النفس من الملذات والشهوات والمؤثرات المروجة بآلاف الوسائل الدعائية الرخيصة، الحر هو المستقيم الذي أخرج إصره الباطني ورفع أغلاله الظاهرية.
إنّ مقدار ما يحتاجه الإنسان من المسائل المادية والمعنوية إنّما يتحدّد من خلال نوع الهدف الذي ينبغي أن يتخذه لنفسه، قال تعالى:  ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾  (القصص /77). فالدار الآخرة هي دار التحرّر والخلود والسعادة، قال تعالى:  ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت/64). ولكن مع كلّ الأسف فإنّهم لا يعلمون، وإنّ الجهل والأهواء هما العدوان الأخطر للحرية فليست الحرية في أن يصبح الإنسان ريشة في مهب الرياح، أو قشّة تتقاذفها الأمواج الاجتماعية والعادات والمتع الآنية، فلقد استطاع الغرب أن يصنع من المرأة آلة للإنتاج ووسيلة للترويج وأداة للمتعة والفساد والرذيلة، وتوّجها بذلك تاجاً من ورق، فيما راح يفرغها من محتواها الفكري والروحي، حتّى عادت بلا هوية ولا شخصية كحصاة أمام سيلٍ جارف لا حول لها ولا قوّة.

* مكانة المرأة:
أ-الإنسانة: لقد أعطى الإسلام للمرأة دورين، دوراً في المجتمع ودور في الأسرة.
الأول: هو دور الإنسان الفعّال جنباً لجنب الرجال، وكما ينظر القرآن الكريم فهما متعاونان، قال تعالى:  ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة/71).
الثاني: وهو دور الزوجة الصالحة والأم المربية والبانية للأجيال وهو دور لا يقلّ أهمية عن الأول، والمرأة الرقيقة تتكامل بالرجل القوي، وكما أنّ وحدة حركة الكون والحياة تفرض أن تكون الشجرة شجرة والجبل جبلاً لتستقيم الحياة كذلك المرأة كزوجة وأم هي الأساس في الحياة والكمال الإنساني، حيث تشكّل الأسرة النواة والخلية الاجتماعية الأجمل والأعظم، والتي بتفكّكها سيتجه الوجود نحو الاندثار، وهذا ما بدأ يحصل في بلاد الغرب حيث تحوّلت الأسرة إلى شركة قابلة لفسخ العقد في أي وقت.

وفي كلا الدورين ينظر الإسلام إلى المرأة على أنّها إنسان له الكرامة تماماً كما الرجل، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ (الحجرات / 13).
وقد حضّ الرجل والمرأة ليأخذا دورهما في إصلاح المجتمع، قال تعالى: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ (النحل/17)، وفي ميدان الجهاد السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي وغيره أيضاً لها دور فعّال بل هو أحد واجباتها الكبرى، قال تعالى:  ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

وقد وقفت سيدات عظيمات مواقف مشهودة عبر التاريخ بلغت حدّ الشهادة. وعلى المستوى الآخر فقد جعل الإسلام للمرأة حقوقاً وواجبات كثيرة أبرزت مكانتها ومقامها، منها، حقّ التعلّم والمعرفة، وقد جعله فريضة من أعظم الفرائض، ومنها حقّ الجهاد السياسي في ميادين المواجهة والثورة، وإذا ما تطلب الأمر فعليها أن تتدرب وتنخرط في ميادين القتال العسكري، ولها أيضاً حقّ الانتخاب، ولها حقّ المشاركة في بناء المجتمع ومؤسّساته، ولها حقّ التربية والتعليم، ومن حقوقها حق اشتراط الطلاق في عقد الزواج في حال تبيّن سوء خلقه، فهي إذاً إنسان له حقّ في الكرامة الإنسانية، تعمل وتنتج، وتملك، بشرط أن لا يخالف ولا يلغي دورها الأساسي الآخر، وطبيعتها كأنثى وزوجة وأم مربية، وهذا ما يسعى ويعمل من أجله الإسلام بكلّ قوة، لتكون المرأة في المقام الأرفع والأسمى، وإذا كان الإسلام يحاذر شيئاً فإنّما يحاذر من أن تبقى المرأة فارغة وجاهلة غير عارفة بنفسها وعالمها، غير لائقة بدورها، تتقاذفها أهواء الرجال الفاسدين والمحتقرين للمرأة.

ب-الزوجة: لقد اعتنى الإسلام بوحدة المجتمع وصيغة بنائه العاطفي والسلوكي معتبراً عظمة نظام الزوجية وقدسيته، وقال كلاماً مفصلاً ليس هنا محله، فاعتنى باختيار الزوجة كإنسانة صالحة وقادرة على القيام بواجباتها، وصنف النساء لكي يسهل على الرجل أن يختار، فالزوجة هي سرّ من أسرار الدفء والاستقرار والسكن والتكامل، والزواج هو الخطوة الأولى في طريق الخروج من الأنانية، وقد جُعل التفاني بينهما والتواد إلى حدّ التوحّد سرّ الزواج وقد أشار تبارك وتعالى في كتابه الكريم إلى العلاقة بين الزوجة والزوج قائلاً:  ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم/21). وقد اعتبر المرأة محترمة في بيت الزوجية، وإنّ ظلم الزوج لزوجته من أفحش الظلم بل وعلى الرجل أن يكون القطب والحامي والراعي لها والأمين عليها.

ج-الأم: لقد بالغ الإسلام في تعظيم مقام الأم ودورها معتبراً أنّ لها ثلاث أضعاف ما للرجل من الفضل على أبنائهما، وقد اعتنى ببيان دور الأم كثيراً، من قبل الحمل وأثنائه وبعد الولادة حتّى القبر، ومن مراحل اللعب، وثم مراحل التعلم، إلى مراحل كسب الخبرة واحتمال أدوار التربية، ولا غرو في ذلك لأنّ مسيرة أيّ أمّة وتقدّمها إنّما تتوقّف على بناء جيل أطفالها بناءً صالحاً ومتيناً، وقد أوكل الإسلام للمرأة بناء الإنسان، فهي التي تستطيع أن تؤمن الحضن الرحيم والودود والمخلص والمتفاني، الذي يجعل من الإنسان إنساناً واثقاً مقداماً يشكل أساس المجتمع القادم، وإنّ بذرة هذا الإنسان وتسامقها إنّما يكون في أحشاء هذه الأم وتحت رعايتها وعنايتها، فهي بانية الأجيال وإنّها لمهمّة عظيمة وسامية، وقد قال في حقّها الإمام الخميني الراحل رضوان الله تعالى عليه ذاك الكلام المشهور: "المرأة كالقرآن كلاهما أوكل إليه صنع الرجال" وقال: "من أحضانهن يعرج الإنسان إلى الكمال".

* المرأة في ظلّ الجاهلية:
أ-الجاهلية الأولى: لقد اعتبرت المرأة في ظلّ الجاهلية قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام سبباً للعار والشنار، فعاشت محتقرة ليس لها حقّ حتّى بالحياة مهدّدة بالإستلاب عند أيّ غارة بين القبائل المتحاربة، حين كانت الحرب والقتال والبطولة شاغل الشباب والرجال، وإن بقيت فخائفة ذليلة، وإلاّ فتكون قد وئدت أول ما ولدت. وليس لها حقّ التعلّم ولا كرامة لها، بل اعتبرت عورة الرجل والمجتمع، وظلت هكذا إلى أن جاء الإسلام.

ب-الجاهلية الحديثة: إذا تطلّعنا إلى الغرب فسوف نجد عالماً عامراً بالبناء متلألئاً بالأضواء قد هيئت فيه أسباب الحياة من كلّ جانب أمّا الروح والفكر فقد بقيا خاويين، إنسان اليوم في الغرب هو إنسان خاوٍ تأكل قلبه الآلام المبرحة وتحطم روحه الآفاق الضيّقة، تعيش فيه المرأة بلا قيمة ففي بيتها الأسروي مهملة، فلا رعاية أبوية ولا أمومة، يفتك بها كلاب الحانات والطرقات فيما راح القانون يقرّ بذلك، وراح الإعلام يدفعها أكثر فأكثر في هذا النفق المظلم، كما دفعتها المخدرات والعلاقات الجنسية المفتوحة نحو الأمراض السارة والقاتلة. وحتّى إن كانت زوجة فهي تنتقل من حضن إلى حضن، ليس لها حامٍ ولا راعٍ، وتحت شعارات برّاقة عن الحريّة الكاذبة ترتكب اليوم في الغرب أبشع الجرائم، فبحجة حرية العمل – الذي هو حق – هجرت المرأة دور الأمومة والتربية وبحجّة استقلالها في حياتها الاقتصادية خسرت حياتها الزوجية الصادقة والمتفانية، فهي تهرب من شرك لتقع في آخر أشدّ وأعقد من سابقه، فيما المشكلات النفسية والجنسية تلاحق هذا الإنسان وهذا المجتمع باللعنات.

لقد دخلت المرأة إلى ميدان العمل لتجد نفسها فيما بعد ألعوبة بيد الرجال، وشركات المال والأعمال، حيث استعملت غالباً للترويج والدعاية والإغواء والبغاء، فهل هذا ما يدّعيه الغرب حرية، وهل بقي للمرأة شخصية أو كرامة؟ وما هي الأهداف المرجوّة من هذه الإباحية المفجعة؟ هل هذه الحياة الكريمة والمقام الرفيع الذي يدعيهما لها الغرب؟ هل تشعر المرأة الغربية اليوم بالرضا والسعادة؟ كلاّ ثمّ كلا وإلاّ فبماذا نفسّر الهروب نحو الهيرويين والكحول والجريمة والانتحار. هل تفكّر المرأة اليوم بشيء بغير المال والجمال الجسدي؟ هل تعرف حلاً لمشاكلها وهواجسها النفسية والعاطفية والاجتماعية من الشعور بالوحدة والفراغ؟ قد يتعجب القارئ إذا قلت إنّ هناك في الغرب مواسم للكآبة والشعور بالشقاء؛ ولست أدري ماذا حصلت المرأة من كلّ هذه الحرية المزيّفة.

في المرحلة الأولى من الجاهلية، وعندما جاء الإسلام فقد تعهّد المرأة تعهداً عالياً ورفع من شأنها ومكانتها وكرامتها وأعطاها دوراً لم تكن لتحلم به. واليوم فإنّ جاهلية القرن العشرين أحوج ما تكون فيه المرأة إلى الإسلام لتخلص من كلّ أنواع الوأد المعنوي الذي هو أشدّ من الوأد الجسدي السابق. إنّ أنواع الجرائم الروحية والنفسية اليوم هي عنوان هذه الحضارة، وإنّ انحطاط المرأة هو أساس كلّ أنواع الانحطاط الحضاري، فالمرأة أساس المجتمع إذ بفسادها يفسد وبصلاحها يصلح.

عندما أعلن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعوته بالإعلان الأول جاءت خديجة وآمنت به وبدعوته، وكانت أول من آمنت من النساء فكانت خديجة عليها السلام المسلمة المؤمنة هي زوجة النبي، وعندما أنجبت فاطمة عليها السلام وكان مجتمع الجزيرة العربية (مجتمع الرجال) ينتظر المولود الذكر الذي سيكون خليفة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولكن الله سبحانه أراد أن يجعل لهذه المرأة المكانة والسيادة على نساء العالمين وقدوة لهن، فكانت مثالاً للإنسانة الكاملة عبر أجيال النساء، وجعل الله لها مقام الأنبياء والخواص من أولي العزم وجعل لبعض الأولياء الكمل عليهم السلام مقامها، ولقد شكّل ذلك إعلاناً حضارياً عن عظمة مقام المرأة وإمكاناتها وقدراتها.

* الزهراء مظهر الكمال الإلهي:
لقد كانت الزهراء عليها السلام مثل الإنسان الكامل ولها مختلف حالاته وأبعاده وفي الرواية أنّ لها مقام ليلة القدر، فقد ورد في كتاب الكافي الشريف أنّ نصرانياً سأل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عن حقيقة تفسير آية (حم والكتاب المبين إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنا منذرين، فيها يفرق كلّ أمر حكيم)، فقال: أما (حم) فتعني محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمّا (الكتاب المبين) فهو أمير المؤمنين عليه السلام وأما (الليلة) ففاطمة عليها السلام وقد أوردها الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه في كتاب آداب الصلاة ص 329 وقد قال أيضاً بأنّ فاطمة عليها السلام لو كانت رجلاً لكانت نبياً.

ولقد تردّد جبرائيل وكرّر زيارته لفاطمة عليها السلام مدّة خمسة وسبعين يوماً "خلال فترة حزنها بعد وفاة أبيها" وقد أخبرها ببعض ما يكون في العصور بعد وفاة رسول الله وهذا الوحي قد جمعه علي عليه السلام وسميّي بمصحف فاطمة عليها السلام فكان جبرائيل يعزيها بهذه الزيارة وهو ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام بسند معتبر قال: "عاشت فاطمة بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً قضتهن في حزن وألم" وخلال هذه الفترة زارها جبرائيل الأمين وعزاها بمصابها وأخبرها ببعض ما سيحدث بعد أبيها.

ولقد مرّ في بعض الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ محمداً وفاطمة وعلياً والحسن و الحسين كانوا يبصرون العرش (من بيوتهم) ولا يجدون لبيوتهم سقفاً غير العرش؛ فبيوتهم مسقفة بعرش الرحمن، ومعارج الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ سلام".
ولقد كان لفاطمة عليها السلام كما للأئمة عليهم السلام "مع الله حالات لا يسعها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل" وهو ما يقول عنه الإمام الراحل رضوان الله عليه بأنّه من أسس عقيدة التشيّع.

كما أنّ لفاطمة عليها السلام أدواراً عظيمة والتي لم ندرك منها إلاّ بمقدار ما يدرك الإناء من البحر فقد كانت المعلمة والمربية لجميع نساء البشرية فضلاً عن نساء عصرها. وقد عاشت حياةً بسيطةً متواضعة مع زوجها أمير المؤمنين عليه السلام. وهكذا ربّت ابنتها زينب عليه السلام التي وقفت في وجه يزيد وعبيد الله بن زياد بكلّ قوة وصبر منقطعي النظير، وبرغم كلّ المصائب الجلّى، فعلت كما فعلت والدتها الزهراء عليها السلام حين وقفت تدافع عن حقّ علي عليه السلام في الخلافة.

* ذكرى ميلاد الزهراء:
يصادف ميلاد الزهراء عليها السلام في 20 جمادى الآخرة وينبغي لنا أن نعتبر ذكراها يوم انطلاق المرأة ونهضتها يوم تجد المرأة عزمها وولاءها لتحمّل هذا الإسلام المحمدي الأصيل بكلّ قوةٍ ومعرفة فولادتها آنذاك مثلت تغييراً لنظرة الناس تجاه المرأة وبداية انطلاق، ورفع لكرامة المرأة إلى مصاف أعظم الرجال.
إنّ طريقتنا إلى الاقتداء بالزهراء كمجاهدة وزوجة وأم ومربية إنّما يبدأ بالتعلّم والمعرفة، فعلى أهلنا الاهتمام جداً بتعليم بناتهن ودفعهن للتعرّف على الإسلام وعلى الأخطار المحدقة، فالقوى المستكبرة تعلم ليل نهار من أجل إفساد مجتمعاتنا وإفساد شبابنا، وليس الجهل بأقل خطراً من تفشّي السفور والرذيلة.
ترى كيف يمكن أن نبني جيلاً صالحاً إذا لم تكن الأم صالحة؟ كيف تشارك المرأة في المجتمع إلى جانب الرجل وهي لا تعرف الإسلام ولا تعرف دورها فيه؟.
يوم المرأة العالمي ينبغي أن يصبح يوم إحياء علوم أهل البيت ويوم إعلان الاقتداء فعلاً بالزهراء.

عندما تتزوّج المرأة وهي لا تعرف دورها كزوجة ودورها كأم فهي ستكون مهملة لحياتها الزوجيّة وستربّي الأسرة تربية غير إسلامية. وستذهب الأوقات سدى، ففاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كان بعض الأهل يكتفون بتسجيل أولادهن وبناتهن في مدارس إسلامية فهذا لا ينهي المشكلة وليس هكذا نقتدي بالسيدة الزهراء عليها السلام وعلى الأم أن لا تنتظر من المدرسة ولا من الحاضنة أن تكون أماً فلا بديل للأم، فالأم تبني وتربّي بكلّ حرية وبكلّ لمسة وبكل بسمة وبكل هدهدة ما لا يفعله أيّ إنسان.

إنّنا نواجه أمواجاً عاتية من الفساد والعادات المنحرفة عن الإسلام، كلّ يوم الحياة تفسد بسرعة عبر التلفزيون ووسائل الإفساد المختلفة وما لم ننهض لبناء أطفالنا وبناتنا بعزم ونشاط فإنّ الفساد سيطغى وهو للأسف يمتدّ بصورة خطيرة. ولعلّ فتياتنا لا يعرفن ماذا يعني هذا الفساد، وينبغي أن نعلن في هذا اليوم الميمون – يوم الزهراء والمرأة عليها السلام – يوم نهوض المرأة فلا نيأس ولا بدّ من العمل الدؤوب والمبادرة وتكرار المبادرة. ففيما مضى كانت المرأة في ساحتنا تفتخر بلبس الشادور والعمل الدؤوب في سبيل الله. أمّا اليوم فقد راح البعض منهنّ يبحثن عن الثياب المزركشة حتّى أصبح ذلك ظاهرة كبيرة بين الفتيات. نحن نتحمّل مسؤولية كبيرة في كلّ ما يحصل حيث بدأنا نرى حالات عري لم تكن من قبل وبجرأة فاضحة ومن دون أدنى حياء ولا بدّ من النهوض بكلّ جدّ وفعالية..

نسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بأيدينا إلى بناء مجتمع صالح، عظيم بالإسلام عظيم بالمعرفة عظيم بالجهاد الاجتماعي والسياسي وعلى رأسه تكون المرأة الصالحة.

* معاني الإسلام المبارك "فاطمة":
اهتمّ الأئمة المعصومون عليه السلام بالاسم الشريف "فاطمة" اهتماماً شديداً وأكرموه إكراماً عظيماً، وكانوا إذا سمعوا به يبكون ويتأسفون، وكانوا يتوسلون به ويحبّون التي سميت به أو بيتاً كان فيه. وورد عنهم تفسيرات عديدة ومعانٍ لطيفة لهذا الاسم المبارك إليك بعضاً منها.
1- فطم الخلق عن معرفتها:
فعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سُمّيت "فاطمة" لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.

2- فطم محبيها عن النار:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّما سُمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفكم محبّيها عن النار.

3- الفطم من الشر:
عن الصادق عليه السلام: تدري أيّ شيء تفسير فاطمة؟ قال: فطمت من الشر.

4- الفطم بالعلم وعن الطمث:
عن أبي جعفر عليه السلام: قال: لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله عزّ وجل إلى ملك فانطلق به لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسماها فاطمة، ثمّ قال: إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث. ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: والله فقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.

5- اشتقاقه من الأسماء الإلهية:
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: شق الله لك يا فاطمة إسماً من أسمائه فهو الفاطر وأنت فاطمة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع