نانسي عمر
42 مليون إصابة حتّى نهاية شهر تشرين الأوّل 2020م، وأكثر من مليون ونصف من الوفيات حول العالم حصدها هذا الفيروس السريع الانتشار، والذي اختلف حوله الطبّ والعلم في معلومات تضاربت وتناقضت، وفرّقت الناس بين مَن صدَّق وآمن بوجود الفيروس، ومَن لم يقتنع حتّى اليوم معتبراً أنّه مجرّد إنفلونزا. وتزامناً مع سرعة انتشار الفيروس؛ تضاربت المعلومات والأحاديث حوله. ولمعرفة صحّة هذه المعلومات من عدمها، وللوقوف على آخر المعطيات والوقائع المتعلّقة بانتشار الفيروس في لبنان، كانت هذه المقابلة مع د. محمّد حيدر، عضو لجنة كورونا ومستشار وزير الصحّة، ود. عاتكة برّي، مستشارة وزير الصحّة.
•أوّلاً: دخلنا المرحلة الرابعة في لبنان
بحسب تقديرات وزارة الصحّة، فإنّ لبنان وصل في مرحلة التفشّي المجتمعيّ إلى المرحلة الرابعة، ما يعني أنّنا لم نعد قادرين على تحديد مصادر العدوى، وهو ما يؤكّده عضو لجنة كورونا ومستشار وزير الصحّة اللبنانيّ د. محمّد حيدر، حيث يقول: "إنّ غرف العناية الفائقة في المستشفيات لم تعد قادرة على تحمّل الأعداد الكبيرة من الإصابات اليوميّة، على الرغم من أنّ الوزارة تعمل بشكلٍ مستمرّ على زيادة عدد الأسرّة وغرف العناية الفائقة، بالتعاون مع المستشفيات الحكوميّة والخاصّة". مشدّداً أنّ على المواطن التفكير بحماية نفسه وأحبّائه، مضافاً إلى الطاقم الطبيّ والتمريضيّ الذي بدأ يستنفد كلّ طاقاته بسبب الأعداد المرتفعة.
•أرقام مبالغ فيها!
وبشأن عدد الإصابات الذي ارتفع فجأة، ثمّة تساؤلات عن أرقام مبالغ فيها، ويقول د. حيدر: "إنّ مضاعفة عدد الفحوصات اليوميّة، كان عاملاً هامّاً أظهر أنّ لدينا أعداداً كبيرة من الإصابات، وهي تتجمّع أحياناً في مناطق محدّدة. وللحدّ منها، ثمّة دور كبير لبقيّة الوزارات للتعاون مع وزارة الصحّة من أجل التخفيف من أسباب هذا الارتفاع ويكفي أنّ غرف العناية نفدت، لنعرف حجم الإصابات لدينا".
أمّا عن معدّل الوفيات، فيقول د. حيدر: "المعدّل ليس ثابتاً، وهو يرتفع نتيجة ارتفاع عدد الإصابات، ولكنّه يبقى منخفضاً نسبة إلى معدّلاته في العالم؛ فمعدّل الوفيات في لبنان هو 1% من عدد الإصابات. لبنان يحتلّ اليوم المرتبة الثانية عربيّاً بعد العراق في عدد الإصابات"، ويعود ذلك -بحسب د. حيدر- إلى عوامل عدّة، منها: "إعادة فتح المطار، وإجراء حفلات الزفاف والتجمّعات بشكل كبير خلال فصل الصيف، دون الالتزام بالتدابير الوقائيّة، مضافاً إلى أنّ الناس عموماً، والوافدين خصوصاً، لم يلتزموا بالحجر المنزليّ والإجراءات المطلوبة منهم؛ فمن كان يأتي فحصه سلبيّاً، كان يخالط الناس بشكلٍ عاديّ، على الرغم من أنّ الوزارة كانت تطلب منه حجر نفسه مدّة أسبوعين".
•إلى متى سيستمرّ كورونا؟
يجيب د. حيدر: "بحسب التقديرات والدراسات العالميّة، فإنّ فيروس كورونا باقٍ معنا حتّى الصيف القادم على أقلّ تقدير، ولا يبدو أنّه سينتهي قبل توفّر علاج له. بعض الدول تعمل على توفير لقاح للفيروس -وهو ليس علاجاً- وقد أظهر نتائج إيجابيّة نوعاً ما؛ لأنّ الجسم يتفاعل معه ويؤلّف موادّ مضادّة، ولكنّ ذلك كلّه لا يزال تحت التجربة، ولا يمكن تداوله للناس قبل التأكّد من عدم وجود أيّ مضاعفات له على الإنسان، وحتّى لو أظهر فعاليّةً، فإنّ التخلّص من كورونا سيأخذ وقتاً لا يقلّ عن عامين، حتّى يتمّ تطعيم كلّ سكان الأرض، وتنخفض نسبة العدوى حول العالم".
وفي هذا الصدد، يطمئن د. حيدر الناس إلى أنّ وزارة الصحّة ستحجز الكميّات المطلوبة من لقاح كورونا للمواطنين فور التأكّد من فعاليّته.
•ثانياً: شبهات كورونيّة
ثمّة مجموعة من الأفكار الخاطئة والشبهات شاعت بين الناس، تجيبنا عنها د. عاتكة برّي:
1- "كورونا لعبة سياسيّة!": كورونا ليس كذبة ولا لعبة سياسيّة، والدليل أنّ هناك أناساً يموتون يوميّاً في مختلف أنحاء العالم حتّى في بلاد الأقطاب السياسيّة العالميّة، بعد أن قام هذا الفيروس بتلف أجهزتهم التنفسيّة. لذلك يجب على الجميع التعامل مع الموضوع بجديّة، والالتزام بالإجراءات المطلوبة، حفاظاً على سلامة أحبّائهم، فلا ينتظروا حتّى يُتوفّى لهم عزيز لكي يصدّقوا، أو أن نصل إلى مرحلة صعبة، لن يجد فيها المريض غرفة عناية فائقة يتعالج فيها من كورونا؛ لأنّ الندم لن ينفع بعد فوات الأوان!
2- "كورونا رشح عاديّ!": صحيح أنّ عوارض كورونا مشابهة لعوارض الزكام والرشح المعروفين بالإنفلونزا، ولكن هذا لا ينفي أنّ كورونا فيروس قاتل، وأنّه أخطر من الرشح العاديّ، ففي حين يقتل الإنفلونزا 0.1% من الناس سنويّاً على مستوى العالم، يفتك كورونا بـ3% تقريباً؛ أي أكثر بثلاثين ضعفاً من عدد الوفيات السنويّ للإنفلونزا؛ لذا يجب توخّي الحذر في حال ظهرت عوارض أحد الفيروسَين، والتزام الحجر المنزليّ، مضافاً إلى الالتزام الدائم بالكِمامة التي تقلّل خطر الإصابة بأيّ عدوى أو نقلها للآخرين، حتى لو لم تظهر العوارض على المصاب.
والجدير ذكره، أنّ البلاد التي انتهى فيها فصل الشتاء -والذي تكثر خلاله الإصابة بالإنفلونزا الموسميّة- وبعد التزام المواطنين بارتداء الكِمامات، تدنّى عدد الإصابات بالإنفلونزا بشكلٍ لافت عن السنوات السابقة، التي لم يكن فيها أيّ وجود لكورونا بعد، وهذا دليل على أهميّة الالتزام بالإجراءات الصحيّة، للحماية من كلّ الفيروسات وليس كورونا فقط.
3- "كورونا يقتل كبار السنّ فقط": صحيح أنّ الأكثريّة الساحقة من الوفيّات حول العالم؛ بسبب كورونا، هي من الفئة العمريّة لمن هم فوق سنّ الـ70، أو ممّن يعانون من أمراض مزمنة، ولكن هذا الواقع لم يمنع كورونا من أن يحصد عدداً كبيراً من صغار السنّ، والذين لم يعانوا سابقاً من أيّ مرض، وقد تبيّن أنّ كورونا فتك بجهازهم التنفسيّ، وسبّب لهم صعوبة في التنفّس، ثمّ الموت.
4- "كورونا لا يصيب الأطفال": بحسب الإحصاءات والدراسات حول العالم، تبيّن أنّ الأطفال هم الأقلّ عرضة للإصابة بفيروس كورونا بسبب مناعة أجسامهم وقدرتها على المقاومة. على الرغم من ذلك، يوجد الكثير من الاستثناءات، إذ سُجّل العديد من الإصابات في صفوف صغار السنّ في لبنان والعالم.
5- "النرجيلة لا تنقل العدوى": التدخين في حدّ ذاته مضرّ بالصحّة. ودخان النرجيلة تحديداً الذي ننفثه في الهواء هو ناقل كبير لعدد لا يستهان به من البكتيريا والفيروسات، وبعضها قاتل يصعب علاجه. وفي كلّ الأحوال يجب تدخينها في الهواء الطلق لا في الصالات والأماكن المغلقة، مع الانتباه إلى عدم تبادل الأنبوب أو مشاركته مع أحد آخر منعاً لانتقال أيّ بكتيريا أو فيروسات.
6- "الكِمامة لا تحمي": أثبتت الدراسات أنّ الكِمامة تحمي من انتقال عدوى الكثير من الأمراض، خاصّة تلك التي تنتقل عبر الرذاذ المتطاير من الفم. وقد لاحظنا أنّ الدول التي التزم مواطنوها بارتداء الكمامات، تدنّت نسب الإصابات فيها. من هنا، ننصح بارتداء الكِمامة القماشيّة المؤلّفة من ثلاث طبقات، وهي أفضل من القناع البلاستيكيّ الذي يوضع على الوجه؛ لأنّها محكمة الإغلاق حول الفم والأنف أكثر من القناع، وتحتوي على طبقات تمنع الفيروس من النفاذ. ولا بأس من غسل الكمامة ونشرها تحت أشعّة الشمس، ثمّ إعادة استعمالها مرّات عدّة، شرط أن لا تفقد جودتها ويصبح قماشها رقيقاً أو مهترئاً.
7- "الفايروس لا ينتقل عبر الأسطح": أظهرت الدراسات المعتمدة لدينا، أنّ فيروس كورونا يعيش على الأسطح بنسب متفاوتة؛ فقد يعيش لدقائق على القماش مثلاً، بينما يبقى لساعات وربّما أيّام على الأسطح الجامدة كالحديد والخشب. وفي كلّ الأحوال، يمكن للشخص أن يكتفي بتعقيم يديه بعد ملامسة أيّ شيء خارج المنزل، مع الالتزام بعدم مشاركة أغراضه مع الآخرين، كالهاتف أو القلم أو أيّ شيء صلب، وفي حال الاضطرار، يمكنه غسل اليدين جيّداً أو تعقيمهما للتخلّص منن الفيروس. وفي حال ظهرت دراسات أخرى، الأَوْلى والأفضل تبني الاحتياط الصحّي بالتعقيم.
8- "الميّت لا ينقل العدوى": عندما يتوفّى المصاب بفيروس كورونا، لا يعود ناقلاً للعدوى عبر النفس، ولكنّ جسده يبقى حاملاً للفيروس، لذا، فإنّ عمليّة تغسيله وتكفينه تعرّض القائمين بها لخطر الإصابة بالعدوى، خاصّة وأنّ الماء الذي يُغسل به قد يدخل إلى أنفه وفمه، ثمّ يخرج حاملاً معه الفيروس. ونحن نشدّد دوماً على ارتداء الملابس الطبيّة والكِمامات والكفوف عند غسل الميّت، ورميها فوراً بعد الانتهاء من دفنه. ونوصي كذلك بعدم السماح لأيّ شخص من الاقتراب منه أو تقبيله أو عناقه؛ لأنّ الفيروس قد يكون لا يزال على جثّته وكفنه.
أمّا عن توصية الوزارة بمنع إقامة مراسم تشييع للمتوفّى بسبب كورونا، فهي أوّلاً، كي لا يقترب أحد من الجثّة كما قلنا، وثانياً، لأنّه في حال كان أحد المشيّعين حاملاً للفيروس، فهو حتماً سينقله للكثيرين من الحاضرين، خاصّة أنّ مراسم العزاء يتخلّلها الكثير من العناق والتقبيل، وهذا يسري أيضاً على حفلات الزفاف وأعياد الميلاد، وكلّ التجمّعات التي لا يراعى فيها التباعد الاجتماعيّ وارتداء الكمامات. وقد لاحظنا كيف ارتفعت معدّلات الإصابات بشكلٍ جنونيّ بعد موسم حفلات الأعراس الذي مرّ علينا في الصيف.
9- "كلّنا سنصاب": لا توجد أيّ دراسة حتّى الآن تحدّد الوقت الذي ينتهي فيه الفيروس. وطالما أنّ اللقاح لم يتأمّن حتّى الآن، فعلينا أن نبدأ بالتأقلم مع حياتنا الجديدة في ظلّ كورونا؛ فالناس عادوا إلى أشغالهم، والأولاد -في بعض البلدان- بدأوا يعودون تدريجيّاً إلى المدارس، ويجب أن تستمرّ الحياة بشكلٍ طبيعيّ، وكلّ ذلك ضمن الإجراءات الصحيّة الثلاثة التي نشدّد عليها دائماً: التباعد الاجتماعيّ، وارتداء الكمامة، وتعقيم اليدين بشكل مستمرّ. نعم لعلّنا نصاب جميعاً، لكن ليس على قاعدة الإهمال والتساهل، بل على قاعدة الحذر والالتزام بالوقاية وقدرة المواجهة في حال الإصابة. فإن حافظنا على التزامنا بهذه الإجراءات البسيطة، يمكننا أن نتخلّص من هذا الوباء كما حصل في دول عدّة حول العالم.