إعداد: محمود دبوق
الكاتب: العلاّمة الخطيب السيد محمد كاظم القزويني.
الناشر: مؤسسة النور للمطبوعات.
لأنَّ الغاية الإلهية لصالح المخلوقين تقتضي هدايتهم، فقد توالت الرسالات والنبوات وانبثق منها نور الولاية والإمامة، وكان بين ذلك كلّه رابطٌ وأساس كما عبّر أحد العلماء الربانيين: "إن فاطمة الزهراء عليها السلام هي الواسطة بين النبوة والإمامة" فكان الكتاب الذي بين أيدينا "فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد".
* السيدة الزهراء عليها السلام وعظمتها برغم الأضاليل:
لقد كانت فرادة هذا الكتاب انطلاقاً من فرادة سيدة نساء العالمين عليها السلام إضافة إلى أن الكتاب لم يكن طبقاً لتقسيمات الكتب التي نعرضها من خلال الفصول والأبواب وما تضمّنه من عناوين رئيسية وفرعية وغيرها، فلقد أعطى الكاتب لسيرة سيّدة النساء عليها السلام أسلوباً انسيابياً يبدأ فيه بالحديث عن مكانة السيدة الزهراء عليها السلام من خلال مدخلية الكتاب ثم ينطلق فيما يقرب من المئتين وأربعة وعشرين عنواناً سارداً ما قدر عليه قلمه وفّقه اللَّه من سيرتها الشريفة والعطرة بدءاً من ولادتها إلى استشهادها وما بينهما من تجسيدٍ حقيقيٍ لواقع الرسالة المحمدية الخاتمة والتصاقها بهذه الرسالة حتى غدت جزءاً منها، ومع ذلك يأتي قومٌ وينطلقون في أباطيلهم وأضاليلهم، فيدحض الكاتب هذه الأراجيف والافتراءات بالمنطق والدليل والأحاديث الشريفة بحقّها عليها السلام ومكانتها في الرسالة وفي قلب أبيها وقلب أمير المؤمنين والأئمة المعصومين عليهم السلام.
* قانون الوراثة:
ضمن هذا العنوان ينطلق الكاتب ليتحدّث عن العناية الإلهية التي جمعت بين رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وخديجة بنت خويلد في زواجٍ قلَّ نظيره وتمايزت ظروفه ووقائعه، وما انطوى عليه من الغيبيات في اعتزال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لخديجة قبل مواقعتها وفي ذلك الروايات المؤكدة، إلى أن كانت ولادة سيدة نساء العالمين من نطفة انعقدت بأمر من اللَّه وبطعام من الجنّة، وبأن هذه النطفة انعقدت بعد معراج النبي مباشرة على ما هو مذكور في بعض كتب الحديث في السنة الثالثة من المبعث وقيل غير ذلك، ثم يتحدث عن تكلّمها مع أمها في بطنها، وعن اطلالتها المباركة على الحياة، ليكمل بعدها في سلسلة من العناوين حول تسميتها وأسمائها، فعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إنما سُميت ابنتي فاطمة لأن اللَّه عزَّ وجلَّ فطمها، وفطم من أحبّها من النار" (بحار الأنوار، ج 10). ويروي عن ابن كثير في البداية والنهاية أنها حين ولدت عليها السلام "فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها" ويقدّم الكاتب شرحاً ملفتاً وجذّاباً لإثنين من أسمائها وهما الصدّيقة والمباركة.
* مشاهد من حياة الزهراء عليها السلام
يتحدث الكاتب عن انتشار نسل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بعد أن شمت بالنبي أحد الكفار حين مات أحد أولاده صلى الله عليه وآله فوصفه بالأبتر فعوّضه الحق تعالى من خلال ذرية فاطمة ما لا يحصى من الناس من شرف الانتساب إليها وإلى أبيها صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة، ويُحصي الكاتب أن في العراق وفي إيران وفي مصر وكذلك في المغرب والجزائر وتونس وليبيا والأردن وسوريا ولبنان والسودان وبلاد الخليج والسعودية وكذلك في اليمن والهند وباكستان وبلاد الأفغان وجزر أندونيسيا، ما يقدّر مجموعهم بعشرات الملايين، ثم يتناول موضوع العصمة من خلال آية التطهير إضافة لحديث الكساء بما نقل في الدر المنثور والخصائص الكبرى وقد روي هذا الحديث بطرق كثيرة ومتعددة الأسانيد تنتهي إلى كل من أم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم وابن عباس وغيرهم.. "أن النبي صلى الله عليه وآله دعا فاطمة وعلياً وحسناً وحسيناً، لما نزلت: إنما يريد اللَّه، فجلّلهم بكساء وقال: واللَّه هؤلاء أهل بيتي. فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً". ويتناول الكاتب حقيقة المقصود من مصحف فاطمة، ويشرع بعدها بالحديث عن حياتها سلام اللَّه عليها في مكّة ويطل بذلك على مواقف أبي طالب في نصره للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأشعاره المنبئة بإسلامه وإيمانه، إلى أن يتحدث عن وفاة السيدة خديجة والحزن الذي تركه في قلب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ووفاة أبي طالب ورثائه ليصل إلى فاطمة الزهراء عليها السلام والهجرة ووصولها إلى المدينة بعد المعاناة في مكّة المكرمة والفواطم، ويصف مشهدها في أُحد حين استشهد حمزة عم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فغطى جثمان عمّه بعد أن مُثل به فغطّاه من القرن إلى القدم كي لا يُرى شيء من مواضع المُثلة، فوقفت الزهراء عليها السلام بقرب أبيها وغسلت الدماء عن وجهه وكان علي عليه السلام يصّب الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة عمدت إلى قطعة حصيرة فأحرقتها وجعلت رمادها ضمّاداً على جبهته الشريفة. وهكذا يذكر الكاتب أبياتاً لأمير المؤمنين عليه السلام يخاطب فيها الزهراء عليها السلام وفيها:
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد |
أفاطم هاك السيف غير ذميمِ |
وطاعة ربٍ بالعباد عليم |
فلست برعديدٍ، ولا بلئيم |
... وفي موضوع أن السيدة الزهراء عليها السلام كانت تضمد الجرحى في ساحات القتال وتداويهم وتسعفهم!! فإنّ الكاتب ينكر هذا الكلام على أصحابه ويعتبره أكذوبة لأنها سلام اللَّه عليها لم تضمّد سوى جرح أبيها فقط، وفقط في العمر مرّة واحدة بعد انتهاء القتال.
* زواج الزهراء عليها السلام وأولادها وفضائلها:
وهنا يدخل الكاتب إلى أشرف وأقدس اجتماعٍ بين معصومين هما فاطمة وعليّ أمير المؤمنين عليه السلام وحكاية زواجهما وفي ذلك ما يؤنس القلب ويبهر العقول، فمن المحاولات الفاشلة لخطبتها من مشاهير أصحاب النبي واعتذاره صلى الله عليه وآله إليهم بقوله: "أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوّجها زوّجها" إلى خطبة الأمير لها واستئذان الرسول إياها إلى موافقتها وحفلة العقد في السماوات العلى وخطبة التزويج تأثيث البيت إلى عنوان صداق فاطمة عليها السلام الشفاعة يوم القيامة إلى الزفاف ومقدّماته ووليمته والدعوة إلى الوليمة وفي ذلك روايات تؤيّد العديد من تفاصيل هذه الأمور، ثم يتناول الكاتب ولادة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام إلى ولادة السيدة زينب عليها السلام وأم كلثوم إلى أن يبدأ من جديد بالحديث عن مقام السيدة الزهراء عليها السلام بلحاظ آخر في آية القربى والمباهلة وسورة "هل أتى"، ثم يتحدث عن زهدها وإنفاقها وعبادتها وتسبيح الزهراء عليها السلام وعن مكانتها عند أبيها وأفضليتها وكونها سيدة نساء العالمين، ومنزلتها عند اللَّه تعالى وإكرام ذرية فاطمة الزهراء عليها السلام، وعن كونها تلميذة الرسول صلى الله عليه وآله إضافة لإخبار الرسول الأعظم ابنته الصدّيقة عليها السلام بالمستقبل، وعن مصيبتها في أبيها ورحيله صلى الله عليه وآله وكيف ودعته، ومفارقته صلوات اللَّه عليه وآله الحياة وما جرى عليها بعد رحيله ورثائها له إلى خطبتها المشهورة حول "فدك" وتفاصيل وعناوين مهمّة في ذلك وحول الإرث وكون هذه الخطبة معجزة لفاطمة عليها السلام، ثم إلى خطبتها في المسجد وشرح الخطبة وتحليل وافٍ لما في الخطبة من تفاصيل مهمّة جداً تناولها الكاتب مما لا يتسع له المقام.
* مآسي الزهراء عليها السلام المتعدّدة:
لطالما كانت مآسي أهل بيت النبوة مدرسة في الفداء، ومما لا شك فيه أن عطاءاتهم في ذلك بدأت منذ ما جرى على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومن بعده على بضعته الطاهرة سيدة النساء عليها السلام، وإذا كان هناك من هدفٍ في تحمُّلهم لهذه الأحزان والويلات فهو مصلحة الإسلام العليا وهداية البشرية. من هذا المفهوم يطلّ الكاتب على أحزان الزهراء ومآسيها بدءاً من بيت الأحزان إلى أن أصبحت سلام اللَّه عليها طريحة الفراش إلى علاقاتها مع أسماء وما ساد من الاستياء العام في تلك الأجواء الصعبة والمريرة حيث تودع سيدة نساء العالمين الدنيا، ويحاول أن يعودها الشيخان والعباس بن عبد المطلب ويحكي الكاتب المشهد بما لا يسع المحل لوصفه، وكذلك مشهد وداعها لأحبائها فلذات كبدها، ووصاياها ومسألة حنوط الجنّة، وموضوع الاغتسال قبل الوفاة ثم مفارقتها عليها السلام للحياة وقيام الأمير عليه السلام بغسلها ووداع أبنائها لها، إلى مراحل التجهيز والصلاة، ورحيلها وهي ناقمة، وقضية دفنها في قبر مجهول وهياج الأحزان، وشكاية الأمير عليه السلام إلى الرسول صلى الله عليه وآله، والمحاولات الفاشلة لنبش قبرها من قبل البعض مما دفع أمير المؤمنين إلى تجريد سلاحه وتهديده لهم بقتل كل من تسوّل له نفسه ذلك، ثم يكمل الكاتب في مواضيع أخرى تأبين الأمير لها وتاريخ وفاتها وأوقافها وصدقاتها، ثم يحكي عن الزهراء عليها السلام يوم المحشر وشفاعتها ويختم بموكب الشعراء في رثائها عليها السلام، وكل هذه العناوين والمواضيع لكل منها تفصيله وفيها ما يفهم القارئ حقائق كثيرة من الضرورة بمكان معرفتها لكل مهتم. الكتاب يقع فيما يقرب من 470 صفحة جديرة بالقراءة والمطالعة.