آية اللَّه السيد كاظم الحائري
اشتمل هذا الكتاب على مقدّمةٍ هامة تتلوها ست مسائل من أهمّ ما يدور حول موضوع الولاية في عصر الغيبة.
* شبهات وردود
في المقدّمة: حاول المؤلّف ردّ الشبهات التي يمكن أن تثار حول أصل إقامة الحكم الإسلامي في عصر غيبة الإمام المنتظر"عج" وبقطع النظر عن تعيين من له الحكم، حيث أن هناك توهّماً يسود بعض الأوساط غير الواعية من المسلمين يدعو إلى ضرورة تأجيل إقامة الحكم الإسلامي إلى حين ظهور الإمام المنتظرعجل الله فرجه. وقد فات هؤلاء أنّ فكرة الحكومة الإسلاميّة من صميم هوّية الدين الإسلامي، ويكفينا التمسّك تعبّداً بإطلاقات أدلّة أحكام الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* الفقيه رئيس الدولة الإسلامية في عصر الغيبة
المسألة الأولى من المسائل الست اشتملت على أصل البحث عن ولاية الفقيه على مستوى قيادة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة وإثباتها من خلال ثلاثة مناهج:
الأول: إثبات الولاية للفقيه على أساس مبدأ الأمور الحسبيّة.
الثاني: إثبات الولاية له على أساس الأدلة اللفظيّة الدالّة على وجوب إقامة الحكم الإسلامي.
الثالث: إثبات الولاية على أساس النصوص الخاصّة الدالة على ولاية الفقيه في عصر الغيبة.
* دور الانتخاب في الولاية
المسألة الثانية: هي أنّه هل يمكن تعيين صاحب منصب الولاية في هذا العصر بالانتخاب؟ وإذا كان يمكن ذلك فما مدى دخل الانتخاب وتأثيره في الولاية؟ وهل يمكن انتخاب غير الفقيه ولياً متصدياً لقيادة الأمّة أو لا يمكن؟
ففي أصل مشروعيّة الانتخاب لتعيين الوليّ قسّم الأدلّة التي قد يتمسّك بها في هذا المجال إلى قسمين:
القسم الأوّل: ما يُدّعى دلالته على أنّ كل من وقع عليه اختيار الأمة بالانتخاب كان له الولاية شرعاً دون قيد أو شرط في الإنسان المنتخب. أما القسم الأوّل: وأهمّ الأدلّة المطروحة فيه: أولاً قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى/38). وثانياً قوله تعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (التوبة/71).
وأمّا القسم الثاني فقد تطرّق فيه إلى مجموعة من الأدلة يدّعى دلالتها على نفوذ الانتخاب إجمالاً مع قطع النظر عن شرائط المنتخب، وردّها جميعاً وإن كان أكثرها واهية من أساسها. وهكذا يناقش السيد المؤلف جميع الأدلة المعروضة لمشروعية الانتخاب في مجال تعيين وليّ الأمر في عصر الغيبة سواء ما كان منها مطلقاً من ناحية شرائط المنتخب أو ما كان منها مجملاً من هذه الناحية. ولكنه يشير بالأخير إلى ضرورة الالتجاء إلى الانتخاب في خصوص فرض وقوع التشاح والتزاحم في إعمال الولاية والتصدّي لها بين بعض الفقهاء العدول. ويستنتج أخيراً أنّه لا دليل على نفوذ انتخاب الأمّة لغير الفقيه العادل الجامع للشرائط.
* شورى القيادة
أمّا المسألة الثالثة فهي راجعة إلى شورى القيادة. وقد أعرب المؤلف ط عن عدم إمكان إبطال هذه الفكرة بالأدلة التي تنفي إمكان تعدّد الإمام الناطق في زمان واحد، لكنه"دام ظله" أكّد بعد ذلك على أنّ أدلّة ولاية الفقيه قاصرة عن إثبات حق الولاية شرعاً لعنوان الشورى بالمعنى الذي ذكرناه.
* المرجعية والولاية
المسألة الرابعة: هي هل يجب أن يكون الولي مرجع التقليد أو يمكن أن تكون المرجعيّة لفقيهٍ، والولاية العامّة لفقيهٍ آخر؟ فما يبدو للباحث هو جواز الفصل بين المرجعية والقيادة، وذلك لأنّ المرجعيّة في التقليد مشروطة بالأعلمية في حين أنّ الولاية العامّة مشروطة بالكفاءة السياسية والاجتماعية. لكن هناك بعض الوجوه لدعوى ضرورة التوحيد بين المرجعية والقيادة تعرّض لها السيّد المؤلّف مع ما له من ملاحظات علمية حولها، ولعلّ أهمّها أنّه لو تعدّدت المرجعية والقيادة فحينئذٍ ماذا ستصنع الأمّة عند اختلاف رأي المرجعيّة والقيادة. فلأجل علاج هذه المشكلة لا بدّ من الالتزام بالتوحيد بين المرجعيّة والقيادة. وقد أعرب المؤلف بصدد الجواب عن هذه الشبهة عن أنّ الاختلاف في الرأي بين المرجعية والقيادة لا يؤدّي إلى ضرورة التوحيد بينهما إذ أنّ لكل منهما مساحة خاصّة ولا يقع التصادم بينهما في شيء.
* نفوذ حكم الولي على سائر الفقهاء
المسألة الخامسة: هي عبارة عن نفوذ حكم الولي القائد على سائر الفقهاء، إذ قد يبدو للنظر أنّ دليل الولاية، إنّما يجعل الولاية للفقهاء على غيرهم فلا دليل على نفوذ حكم أحدهم على الآخرين. أجاب المؤلّف على هذه الشبهة بأن ضرورة عدم تشتيت أمور المسلمين، إن كانت صحيحة، لكنّها تختصّ بصورة كون مخالفة بعض الفقهاء لحكم الفقيه المتصدّي للقيادة مؤدّية لشقّ العصا وتشتيت أمور المسلمين، أمّا في غير هذه الصورة فلا توجد ضرورة فقهيّة على حرمة المخالفة. وأنّ دليل ولاية الفقيه ليس مفاده جعل الفقيه وليّاً على الأفراد بما هم أفراد فحسب حتى يقال بأنّه ناظر إلى أفراد المجتمع.
* حالة العلم بخطأ الولي
أمّا المسألة السادسة: فقد عرض فيها حالة العلم بخطأ الوليّ في حكمه وهل هذا العلم يبرّر الانسحاب عن تنفيذ ذلك الحكم؟ أجاب السيّد المؤلّف عن هذا السؤال بالتفصيل بين نوعين من الأحكام التي تصدر من ولي الأمر: النوع الأول: هو الحكم الذي لا يقصد به الحاكم عدا تنجيز حقيقة ثابتة لديه مسبقاً كي يعمل به من يشك في تلك الحقيقة، وقد سمّى ذلك بالحكم الكاشف. والنوع الآخر: هو الحكم الذي يقصد به الحاكم إنشاءَ تكليفٍ واقعيّ جديد على المجتمع لا مجرّد تنجيز الواقع الثابت لديه مسبقاً، وقد سمّى ذلك بالحكم الولائي. ويمكن أن نعبّر عن النوع الأوّل وفقاً لمصطلحات علم الأصول بالحكم الظاهري، ونعبّر عن النوع الثاني بالحكم الواقعي، ولهذا متى ما كان الحكم الصادر من ولي الأمر حكماً كاشفاً أيّ حكماً ظاهرياً أُخذ في موضوعه الشك أمكن التنصّل عنه في حالة العلم بالخطأ. ومتى ما كان الحكم الصادر من ولي الأمر حكماً ولائياً أي حكماً واقعياً لم يؤخذ في موضوعه الشك لم يمكن التنصّل عنه إذ ليس هو حينئذٍ حكماً ظاهرياً حتى يمكن افتراض الخطأ فيه، بل هو حكم واقعي صدر بإنشاء ولي الأمر ولا معنى للاعتقاد بخطئه بمعنى عدم مطابقته للواقع لأنّه هو الواقع حسب الفرض. ومن الواضح أنّ تشخيص الولي للمصالح والملاكات مقدّم على تشخيص المولّى عليه. ثمّ تطرّق السيّد المؤلّف إلى بعض التفاصيل كحكم القاضي في باب المرافعات فهو من قبيل الحكم الكاشف لا الحكم الولائي لكنّه لا يجوز للمحكوم عليه أن ينقض حكم القاضي في حالة علمه بالخطأ وذلك لأنّ المستفاد من أدلة نفوذ حكم القاضي هو أنّ حكمه لا بدّ وأن يكون حاسماً للنزاع. هذا عرض مختصر لمضمون الكتاب والتفاصيل موجودة في متنه وهو يقع في ... صفحة من الحجم الكبير.