حوار: جومانة عبد الساتر
الإقدامُ على الزواج واختيار شريك العمر هاجسٌ لا يكاد يفارق كلَّ فتى وفتاة بلغا مرحلةَ الرشد والبلوغ الفكري والعقلي. وهذا الاختيارُ يتطلب الدقة لأن عليه تتوقّفُ سعادة الإنسان في حياته المستقبلية. وتبقى الاستفهامات الحائرة تدور في مخيلة كل شاب وشابة حول المؤهّلات اللازم توفرها في الشريك القادم والصفات التي بها يتحقق الوئامُ والانسجامُ والصفاء. فما هي هذه المؤهّلات؟ وما هي معاييرُ اختيار الشريك، والخطواتُ الضروريةُ لقيامِ علاقةٍ زوجية سليمة يَسْعَدُ بها الزوجان ومَنْ حولَهما؟ وهل هناك علاقةٌ بين طريقة الزواج ونجاح العلاقة الزوجية؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها يسرُّنا أَنْ نلتقي نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم.
* كيف ينظر الشارع الإسلامي إلى مفهوم الزواج؟
الآية الكريمة تختصر التوجه العام الذي رسمه الإسلام في مسألة الزواج: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21) فقد قسمت العنوان العام إلى ثلاثة محاور: المحور الأول: أن يعرف كل واحد من الطرفين بأن خلقه لا يتميز عند الله تعالى عن خلق الآخر، وعلى كلٍّ منهما أن يلحظ أنه يتعاطى مع إنسان له المواصفات الإنسانية الابتدائية. المحور الثاني: حدّد فيه هدف الزواج، وهو أن يسكن الزوج إلى الزوجة وتسكن الزوجة إلى الزوج بمعنى حصول الاطمئنان والراحة والسكينة، وهذا يتطلب أن تكون هناك مودّة ورحمة بين الطرفين. أما المحور الثالث فهو قوله تعالى: ﴿ِِِإِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، وفي ذلك دعوة ليتأمل الإنسان وأن يفكر ويحصّل المعرفة الحقيقية حول الزواج وطبيعته والأهداف منه، لأنه إذا فهم معنى الزوجية استطاع أن يرسم الخطوات الملائمة لذلك. لكن، إذا لم يتفكر بما خلق الله تعالى وبما قرّره سيعيش حالاً من الضياع والإرباك.
* إذاً، هذه هي محاور رئيسية وأساسية للتوافق الزوجي مستقبلاً. لكن، قبل الزواج ما هي معايير اختيار الشريك وصفاته بما حددها الشارع الإسلامي وأحاديث الأئمة عليهم السلام؟
اختصرت الروايات مجموعة من العناوين يمكن حصرها بعنوانين مركزيين:
العنوان الأول هو التدين، والعنوان الثاني هو أخلاقية التعامل. ولذا، عندما حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا عن هاتين الصفتين. وتذكر الرواية أنه كان هناك رجل جاء إلى الإمام الباقر عليه السلام وتحدث معه عن صعوبة إيجاد رجل لابنته وذكر المواصفات التي تنطبق عليه شخصياً كأب وتمنى أن تكون متوفرة وهي قليلة، فأجابه الإمام الباقر عليه السلام: فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وإنك لا تجد أحداً مثلك فلا تنظر في ذلك رحمك الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، وإلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". أما لماذا ميّز هذين الشرطين عن بعضهما مع العلم أن التدين يشمل الخلق؟ فلأنه أراد أن يقول لنا إن المطلوب هو تحويل التدين إلى سلوك يومي في العلاقة الزوجية، ولا يكفي أن يكون الإنسان حاملاً لمظهر التدين من خلال اللحية أو الصلاة أو الصوم. إذاً، الزوج الصالح هو الذي يتوفر فيه هذان الشرطان، لكن لا بد أن نلتفت إلى تكليف الزوج ودوره فيما يتعلق بالإنفاق والقوامية في داخل الأسرة، وهذان الأمران يندرجان في إطار واجبات الزوج.
* عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الكفوء هو من يكون عفيفاً وعنده يسار، كيف تحدد لنا هذا الأمر؟
الرواية هذه تلفت النظر إلى قدرة الرجل على الإنفاق، لأن المسألة لا تقتصر في العلاقة الزوجية على حُسن الخلق فقط وعلى الشخصية التي تتميز بصفات معينة، وإنما أيضاً لا بد أن يعمل وأن يكون لديه مورد معاشي، من أجل أن يتمكن من الانفاق. لكن حتى لا ينطبع في ذهن الفتاة أن المطلوب هو الغنى، يجب أن نلتفت إلى أن اليسار هنا مرتبط باليسر في الإنفاق.
* ماذا عن المعايير العقلية والجسمانية والتي تعتبر مهمة في بناء أسرة سليمة عقلياً وجسدياً؟
بطبيعة الحال، هناك مواصفات مطلوبة بحسب الأفراد والبيئة المختلفة، مثال: البنت المتعلمة التي تكون قد وصلت إلى المستوى الجامعي، في حال تقدّم لها شاب لا يعرف القراءة والكتابة أو أن مستواه التعليمي متدنٍّ جداً، أنا لا أنصحها أن تتزوج منه. لأنها ستشعر بحالة من الضيق الاجتماعي وسيشعر هو بالدونية التعليمية، مما قد ينعكس سلباً على حياتهما الأسرية وعلاقاتهما الاجتماعية، لكن هذا لا يعني أن هذا الرجل ليس صالحاً لبنت أخرى قد تكون مواصفاتها التعليمية تناسب مستواه وهنا يكون من خيرة الرجال بالنسبة إليها. مثال آخر: قد تكون عند الرجل عاهة معينة على المستوى الجسدي، لكن مستوى أخلاقه وطريقة تدينه ومتابعته تغطي على هذه العاهة، فإذا كانت البنت عندها استعداد لأن تتقبل هذا الرجل بمجموعه، أي الأخذ بعين الاعتبار مواصفاته الشخصية وقدرته على الإنفاق رغم هذه العاهة، لا مانع أن تتزوج به وهو أمر مباح في الشريعة. إذاً، لا نستطيع أن نلزم البنت بأن تقبل من لديه عاهة ونعتبر أن واجبها أن تقتنع بذلك، إنما نشجعها على أن تتوقف عند صفات الدين والأخلاق والقدرة على الإنفاق وتتجاوز بعض الصفات الأخرى إذا كانت هناك مصلحة حقيقية لها وله. لكن قد ننصح البعض أن لا يقدم على خطوة معينة، لأن طبيعة الشاب وطبيعة البنت قد لا تتناسبان، مثال: إذا كان الفارق في العمر بين الشاب والفتاة كبيراً جداً، فأنا لا أنصح بالزواج بينهما، مع العلم أن بعض الزيجات قد تنجح، هذا الشأن يعود لاختيارهما. إذاً، كل المواصفات التفصيلية الأخرى خاضعة لعملية القناعة عند الطرفين، وهي ليست في جوهر القبول، إنما هي من متمِّمات حُسن نجاح الزوجية.
* هذا بالنسبة لاختيار الزوج. بالنسبة لاختيار الزوجة، ما هي المواصفات التي حددها الشارع الإسلامي وأحاديث الأئمة عليهم السلام بهذا الخصوص؟
الرواية المشهورة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "جهاد المرأة حُسن التبعل" تدعو المرأة إلى أن تُحسن الأداء في العلاقة مع زوجها، وأن تعطي له الأهمية القصوى في إراحته نفسياً ومعنوياً ضمن القواعد التي شرَّعها الشارع الإسلامي. وفي رواية أخرى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إياكم وخضراء الدِمن، قالوا: ما خضراءُ الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء. هنا يوجد ربط بين الجمال الجسدي والإيمان والالتزام، فإذا فرضنا أن الرجل رأى امرأة جميلة أعجبته ولكنها تربّت تربية فاسدة في منبت السوء، فالأخلاق السيئة الموجودة عند هذه المرأة ستعطّل الحياة الزوجية. إذاً، هي دعوة للالتفات إلى شخصية البنت وتربيتها وأخلاقيتها ودينها. وكذلك لا مانع ومن الحق الطبيعي أن يُضم الجمال إلى هذه الشخصية. لذلك، ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يُختار حُسن وجه المرأة على حُسن دينها". لو حصل تنافس فإن حُسن الدين مقدّم بمعنى أن المرأة لو كانت متدينة جداً وعندها مسحة مقبولة من الجمال، هي أفضل من الجميلة جداً وتدينها فيه ضعف.
* ما هي نصيحتك للشاب والفتاة المقبلَين على الزواج؟
من أراد أن يقدم على الزواج، عليه أن يضع الصفات المطلوبة في ذهنه، وأن يدقّق أثناء الاختيار. فلا يتسرّع بحيث يسأل كل طرف عن الطرف الآخر، عن شخصيته، وسلوكه ومواصفاته، إذ لا تكفي الجلسة الواحدة أو اللقاء المباشر أو بعض الجلسات لإصدار حكم نهائي. أنا أنصح، ويجب أن يكون هذا مقبولاً وطبيعياً عند الشاب والفتاة، أن يسأل كلٌّ منهما عن الآخر بواسطة أهله أو أقربائه أو من يعرفون الطرف الآخر ويكوّن صورة عن المناخ الذي يعيش فيه هذا الطرف. واللقاءات المباشرة برعاية الأهل تساعد على مزيد من الاستكشاف. وأعتقد أنه من الطبيعي أن يأتي الشاب إلى منزل الفتاة ويطلب من أهلها التعرف عليها أكثر بحضورهم، وهذا أمر عادي وطبيعي حتى ولو لم يحصل الزواج والنصيب، وأن يقوم الأهل بتسهيل عملية التعارف لا أن يكون هناك تعقيد يجعل كلاً منهما يفكر في الأساليب الملتوية أو يقع في التسرّع في الاختيار من دون معرفة المواصفات.
* هل هناك سن مثالية للزواج تنصح بها؟
موضوع السن مرتبط بالظروف، لكن بطبيعة الحال أنا لا أنصح بالسن الصغيرة، كأن تكون البنت عمرها 12 أو 13 سنة، لأننا نعتبر أن هذه السن ستجعلها في موقع أكبر من قدرتها على المتابعة. إذا كانت أكبر قليلاً فهذا أفضل، وهذا يتراوح بحسب الظروف الاجتماعية. كذلك الأمر بالنسبة للشاب، فلا بد أن يكون إقدامه على الزواج في فترة يكون فيها قادراً على العمل، وأفضّل أن لا أدخل في سن معينة، لأن ذلك يختلف من بيئة لأخرى ومن أشخاص لأشخاص آخرين، لكن الشاب دون سن 18 لا يستطيع أن يتحمّل نفقات أسرة. يجب أن نأخذ قدرته على النفقة والفهم والوعي والإدارة بعين الاعتبار.
* هل لديكم كلمة ونصيحة للأهل؟
أدعو الأهل لأن يلعبوا دور الموضِّح والمبيّن لأولادهم بموضوعية من دون أن يكون الاختيار لهم، لأن الاختيار وفق إرادة الأهل قد لا يكون مطلوباً ومنسجماً مع رغبة الشاب أو البنت. فليكن الاختيار على شاكلة الضوابط الأساسية واتركوا الفرصة لاختيار الزوجين، بمعنى أنه لو رغب الأهل بمواصفات معينة وقبل الولدان بمواصفات أخرى مختلفة فلا يجب أن يتوقفوا عند هذا الأمر، لأن الطرفين رضيا ببعضهما. يجب أن نراعي رغبة الأولاد، لكن نرشدهم إلى ما يصلحهم أكثر ونتوقف عند الأمور التي نعتبرها خطوطاً حمراء، كالتدين أو عدم القدرة أو ما شابه ذلك من معوقات الزواج.
* البعض يلجأ إلى الاستخارة. متى يمكن اللجوء إليها وفي أي مواضع؟
الاستخارة بشكل عام هي لحسم الحيرة التي يقع فيها الإنسان، سواء في الزواج أو في غيره. لكن، أن يقول البعض إنه لا زواج صالحاً إلا بالاستخارة، فهذا أمر غير وارد عندنا في الشريعة المقدّسة. على الإنسان أن يُحكّم عقله وأن يختار بناء على المواصفات التي تقنعه، فإذا وصل إلى نتيجة لا حاجة للاستخارة، وإذا لم يصل إلى نتيجة بمعنى أنه وقف حائراً حقاً ولا يعلم هل يقدم أو لا، يقدم وعندها تساعده الخيرة في حسم الموقف.
* ما هو حكم التدليس أو إخفاء العيوب؟
إخفاء العيوب مشكلة في ناحية منها شرعية تؤدي إلى إبطال عقد الزواج، وهي مذكورة في الرسائل العملية، وفي قسم آخر منها، يؤدي هذا الإخفاء إلى تغيير رأي الزوج أو الزوجة بطريقة تعقّد الحياة بالنسبة للزوجة وتؤدي إلى الطلاق بالنسبة للزوج. من المفروض أن يكون هناك وضوح في كل ما له علاقة بالحياة الزوجية.
* خلاصة:
إن السعادة الزوجية ليست بحجم ما يملكه كل فرد من المكانة المادية والمعنوية بشتى صورها وأشكالها، بل هي القوة الإيمانية التي تغذي الإنسان من نبعها قيماً وأخلاقاً تنعكس على تعامله وتوفر له رصيداً من القناعة والرضا بنوع الحياة التي يعيشها.