فاطمة نصر الله(*)
"كيف أعرّف أولادي إمام زمانهم عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ كيف أربّيهم على علاقةٍ متينةٍ به ليكون قدوتهم؟ كيف أربّيهم ليمهّدوا له؟ والأهمّ، كيف أربّيهم لينصروه في غيبته وفي ظهوره؟ وما هي الطرق الكفيلة بتحقيق ذلك؟!...". هي بعض تساؤلاتٍ تشغل بالَ الآباء وتُربكهم أمام اعتقادهم وإيمانهم بضرورة التمهيد له.. فكيف السبيل إلى ذلك، بين ما نؤمن به، وبين الطريق الصحيح لتطبيقه؟ فأبناؤنا فرصة لبناء عهدٍ مع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
•الأسرة.. المربّي الأوّل
ممّا لا شكّ فيه أنّ علاقة الأطفال بالله تعالى هي فطريّة لا تحتاج إلى الكثير من الجهود، بل تحتاج إلى رعاية، وتوجيه، ومواكبة، غير أنّ تربيتهم على العلاقة مع المعصوم عليه السلام تتحقّق من خلال المعرفة والحبّ بغضّ النظر عن أيّ منهما يأتي أولاً، إذ إنّ الحبّ يؤدّي إلى المعرفة والمعرفة تثمر حبّاً. لكن ما قد يعتبر شائكاً بالنسبة للبعض هو كيف يمكن أن نربط الطفل بشخصيّة المعصوم عليه السلام عامّة، وإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف المفترض الطاعة خاصّة؟
من هنا، يبرز الدور الكبير للوالدين؛ باعتبارهما المصدر الأساس للتزويد بالحبّ والمعرفة، كما بالتنشئة الفكريّة، والعقائديّة، والثقافيّة، وغيرها. ومن الضروريّ جدّاً أن يتعرّف الآباء إلى خصائص كلّ مرحلة عمريّة، ومراعاتها، علماً أنّ المفاهيم المجرّدة، لا سيّما الروحيّة منها، كحبّ الله تعالى، والارتباط بالمعصوم عليه السلام عامّة، والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف خاصّة، وتبنّي مواقف الخير ومقت الشرّ وأتباعه، ومعايشة مفاهيم الكرامة، والعزّة، والتضحية، والصّدق، والأمانة، كلّها يتلقّاها الطفل عن طريق المحاكاة كنموذج.
•سلوك فتأثير
تُعدُّ المراحل العمريّة الأولى للأبناء الفترة التأسيسيّة التي تزرع فيها القيم الروحيّة، والعقائديّة، وغيرها من القيم، والتي تستمرّ حتّى أولى مراحل الشباب، أو ما نطلق عليه اسم الناشئة، حيث يبدؤون بالتعبير العمليّ عن العلاقة بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وعلى الرغم من الدور الذي تلعبه المدرسة، والنوادي، والبيئة الاجتماعيّة العامّة، ووسائل الإعلام، وأساليب التواصل الاجتماعيّ في تحديد اتجاهات الأبناء ومواقفهم من الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، إلّا أنّ الأسرة تتفرّد ببعض الأدوار والمهامّ الخاصّة. وفي هذا السياق، نقدّم الاقتراحات التالية:
1- صدق المشاعر: على الوالدين أن يعيشا حالة من المشاعر الصادقة تجاه الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث إنّه لا يمكن أن تُحقِّق كافّة توجيهاتهما أو تصرّفاتهما باتجاه الأبناء ثمارها إلّا بمقدار الشفافيّة التي يتمتّعان بها، ومدى الرسوخ العقائديّ وثبات المواقف والأفعال.
2- قولٌ يتبعه عمل: ينبغي للوالدين عند حديثهما عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أن لا يقدّما الصورة السلبيّة المشوّهة عن الدين، وذلك من خلال تصرفاتهما اليوميّة. فالتناقض ما بين السلوك والفكرة يشوِّش ذهن المتلقّي. فعلى سبيل المثال، لا يصحّ أن يتعاطى الوالدان مع لهفة انتظار العدل القادم، وتَكرار الدعاء على مسامع أبنائهم: "ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً"، وهما يمارسان التعدّي، والظلم، والقسوة على من حولهما؛ كالأصدقاء، والجيران، وغيرهم. كما أنّه ليس مقبولاً منهما أن يستنكرا ويرفضا قضايا الظلم والانتهاكات التي تتعرّض لها كافّة الشعوب المستضعفـــــــة، وهما ينأيان بنفسيهما وبأولادهمــــــا عن ساحات الجهاد، ولو بالكلمة أو الموقف.
3- دورٌ رياديٌّ للمدرسة: لكي يتمكّن الوالدان من تحقيق الارتباط السليم بين الأبناء والإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، لا بدّ لهما من الاختيار السليم للمدرسة التي يجب أن تلعب دوراً رياديّاً في تثبيت حضوره عجل الله تعالى فرجه الشريف في أذهان الطلّاب ووجدانهم، وذلك من خلال البرامج المنهجيّة واللامنهجيّة، والأنشطة الخاصّة والعامّة، والتي من شأنها أن توحّد الجهود المبذولة مع الأسرة، وتقرّب لغة الخطاب معهم.
•حبٌّ ومعرفة
وهكذا، بعد أن يتعرّف أبناؤنا على الأئمّة المعصومين عليهم السلام وسِيَرهم، وصولاً إلى بقيّة الله في أرضه عجل الله تعالى فرجه الشريف، مقرونةً بحالة الشوق والانتظار الواعي لحضوره المبارك، فإنّ ذلك سيؤسّس للحبّ والمعرفة في أذهانهم ووجدانهم، خاصّة إذا ما تمَّ تقوية الجانب الثقافيّ لديهم في إدراك قضايا الحقّ والباطل، وتعزيز روح الدفاع عن الأمّة بكافّة الوسائل والأساليب. ولا فرق هنا بين الذكور والإناث؛ إذ يستطيع كلّ واحدٍ منهما أن يعيش حالة التمهيد والارتباط بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من خلال الدور المنوط به في الحياة. ففي الانتظار الواعي، لا فرق من حيث الأهمّيّة للمهام الموكلة في الأصل إلى الفرد في الحياة، وتلك التي ينبغي له القيام بها ليكون فاعلاً ومنتجاً نتيجة ظرفٍ معيّن. فالفتاة مثلاً، تتربّى على أن تكون نموذج المرأة الواعية المتعلّمة التي تخوض غمار حياتها، سواء من خلال دورها كأمّ تربّي المجاهدين، وتقدّم للأمّة العلماء والشهداء، أو دورها العامّ في المجتمع، وخوضها غمار الميادين المتنوّعة التي تترك أثرها في المسار الإنسانيّ العامّ.
•دورٌ مشترك
ولتحقيق أهداف الارتباط السليم وعلاقة الحبّ والمعرفة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، يمكن للآباء أن يتشاركوا مع أبنائهم في مراحلهم العمريّة المختلفة الأنشطة الآتية:
1- إحياء مناسبة ولادة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في 15 شعبان من كلّ عام: باعتبارها المحطّة الزمنيّة الأهمّ في تجديد العهد والوعد معه عجل الله تعالى فرجه الشريف على الطاعة والاقتداء، وضرورة أن يشارك الأبناء بكافّة مراحلهم العمريّة في إظهار الفرح، وتنظيم الاحتفالات الخاصّة والعامّة بأشكالها وأبعادها المختلفة.
2- تشجيع الأبناء على المشاركة في النشاطات الأدبيّة، والفنيّة، والرياضيّة: تلك التي تُنظَّم من قبل الجمعيّات الكشفيّة والتربويّة وغيرها، وتحيي قيم ومسؤوليّات الظهور والتمهيد.
3- المواظبة على قراءة دعاء العهد بأوقاته المستحبّة: من خلال حثّ الأبناء على قراءته، والاستماع إليهم بفرح وتقبّل، حتّى لو كانت القراءة متعثّرة أو غير صحيحة.
4- المواظبة اليوميّة على قراءة دعاء الحجّة: ولا سيّما قبيل القيام بالأعمال المهمّة، كالامتحانات المدرسيّة، والمسابقات الفنّية والرياضيّة، وغيرها.
5- تعليم الأبناء أن يبدؤوا نهارهم بالسلام على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف: ولو بكلمات قليلة، واختتام يومهم قبل النوم بالسلام أيضاً.
6- ربط إنجازات الأبناء برضى الله والإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف: خاصّة إنجازاتهم العمليّة والدراسيّة مهما كانت بسيطة. من المهمّ ربط نتائجها وغاياتها برضى الإمام وسرور قلبه عجل الله تعالى فرجه الشريف، واعتبارها من أهمّ أساليب التحفيز لديهم، مثلاً: الإنجاز الدراسيّ والرقيّ العلميّ لكي نصنع مجتمعاً قويّاً يمهّد لدولة العدل مع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
•نحو التمهيد
يمكننا القول إنّ العلاقة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف تتحوّل إلى إحساس فطريّ ينساب مع الطفل في كلّ كيانه، وتضع أمامه هدفاً يعمل عليه في مستقبله من خلال بناء حاضره، فيصبح قادراً على تقبّل التعليمات الصادرة عن الوالدين خصوصاً، وعن مصادر التربية المتنوّعة عموماً، والتي تؤكّد على شخصيّة الفرد الممهّد لظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، سواء كان التمهيد من خلال بذل النفس، كالجهاد في سبيل الله، أو في ساحاته الأخرى، والتي تطال شؤون الفرد كافّة في حياته الشخصيّة والعامّة، وبذلك يصبح قادراً على تقديس الشهادة والشهداء، وجعلهم في مصافّ النموذج المضحّي الذي استطاع أن يعبّر عن حبّه للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف قولاً وعملاً، من خلال الذَّود عن حياض الأمّة، وبذل الروح والنفس في سبيلها، وليكن هذا المثال مرتبطاً بالإمام حتّى آخره، بالدعاء:
"اللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً".
(*) مختصّة بالإرشاد تربويّ.