تحقيق: يمنى المقداد الخنسا
تعدّ المراهقة من أدقّ وأصعب الفترات والمراحل العمرية التي يمر بها الإنسان، وهي جسر عبورٍ من مرحلة الطفولة إلى الرشد. يرغب فيها المراهق في إثبات ذاته ونضجه والتحرّر من القيود الأسرية والاجتماعية، ما يولد خلافات بينه وبين أسرته ومحيطه. كما تلعب التغيرات الفسيولوجية والجسدية والعقلية والانفعالية التي يمر بها دوراً بارزاً في نشوء صراعات داخلية وخارجية عنده؛ فتتفجر براكين من السلوكيات المزعجة له ولمن حوله، وأحياناً أخرى تمر المراهقة عند بعضهم بسلاسة دون أن يشعر الأهل بها. وفي عصر الانفتاح العلمي والثقافي والاجتماعي والتطور الالكتروني، تنشأ حاجة ملحة لتحصين المراهق؛ ليكون قادراً على تجاوز الاضطرابات والمشاكل التي تواجهه. كما أنه لا بد للأهل من معرفة بعض الأسس والمفاهيم حتى يستطيعوا فهم الاحتياجات النفسية والمادية لتخطي هذه المرحلة. وفي الآتي عرضٌ لبعض المشاكل التي يواجهها الأهل مع أبنائهم.
* عنيد لا يقنع
سلام. ن. (37 سنة، أم لأربعة أولاد، ربة منزل): عن ابنها شادي (14 سنة) تقول: "ابني لا يقبل التوجيه من أحد، فهو يعتبر أن رأيه صحيح دائماً وأنه رجل ويتصرف بعدوانيّة مع إخوته". العناد والتمرّد وحب التسلّط صفات تصبغ شخصية شادي الذي لا يعجبه رأي والدته أحياناً. وفي حال استمع إليها، ورغم معرفته أنها على حق، فإنه لا يظهر لها ذلك أبداً. وعن أسلوبها معه تتحدَّث سلام: "أتصرَّف معه كصديقة، فأحاوره وأحاول أن أفكر مثله كي يبوح لي بكل ما يجري معه". وتحدّثت سلام عن أنّ هناك نوعاً من الصدام بين شادي ووالده قائلة: "أسلوب والده قاسٍ وعندما لجأت إليه كي يضبطه كدت أخسر ابني الذي أصبح أكثر عناداً ونفوراً وهدّدني بأنه سيرحل عن المنزل، عندها اضطر والده إلى أن يخفّف الضغط عنه".
* الرفاق والإنترنت
عباس.ع. (40 سنة، أب لأربعة أولاد، صيدلي):
يرى عباس أنَّ البيئة تلعب دوراً هاماً في تحديد سلوك المراهق وأنَّ الرفاق هم الأكثر تأثيراً وخطراً فيها قائلاً: "أنا أتدخل في تحديد رفاق أولادي وأحبّ أن أعرف كل التفاصيل عنهم". عباس يمنع أولاده من الذهاب إلى محلّات الإنترنت فالإنترنت موجود في المنزل إنما ضمن ضوابط معينة وبرقابة منه ومن والدتهم. واعتبر عباس أنه: "لا يمكن فصل حياة المراهق عن طفولته، فتربيته منذ الصغر على قيم معينة تحصّنه في الكبر من أزمات كثيرة"، مشدّداً على ضرورة مراقبة حياة المراهق بكلّ تفاصيلها.
* ابنتي مزاجية
وداد. ح. (40 سنة، أم لخمسة أولاد، ربة منزل):
هدى (16 عاماً) مزاجية في التعاطي مع أهلها، عنها قالت والدتها: "لست راضية عن ابنتي في لباسها وتصرفاتها وطبعها العصبي، كما أنها شديدة التأثّر بكل شيء حولها ولا يرضيها أي شيء وتعيش كما تريد". وعن طريقة تعاطيها مع ابنتها تقول وداد: "حاولتُ كثيراً أن أتحدّث معها ووعدْتها بأن أنفّذ لها كل ما تطلبه شرط أن تتغير، لكنّها لم تفعل". ولأن الحوار لم ينفع، استعملت وداد أساليب أخرى كالصراخ والتوبيخ وحتى الضرب، لكن أصبحت هدى أكثر عناداً وعصبية من ذي قبل. وقد أثّرت هذه المزاجية سلباً على تحصيل هدى العلمي؛ فتركت الدراسة، ولم تعد لديها رغبة في عمل أي شيء آخر لهذا السبب.
* والده قوّى له شخصيته
ديالا. ب. (43 سنة، أم لأربعة أولاد، ربة منزل):
عن مشكلتها مع ابنها تتحدث ديالا قائلة: "ابني لا يحترمني عندما أتكلم معه وأناني يريد كل شيء له". وعن سبب تصرفات حسن (14 عاماً) تقول: "والده قوّى له شخصيته كثيراً؛ فأصبح دائم السخرية من الآخرين، وأصبح يعتبر نفسه رجلاً. ونحن نحاول أن نستوعب تصرفاته، لكن ضمن حدود معينة، فالأخطاء الكبيرة ممنوعة". وتضيف: "هذا الجيل منفتح كثيراً ويعلم كل شيء عن الحياة وأحياناً كثيرة بطريقة مشوّهة بسبب انتشار الإنترنت والفضائيات"، مشيرة في الختام إلى أن حسناً يتحدث مع والده عن أمور مختلفة ولو أحياناً بطريق المزاح. يتقبل النصيحة منه فهو يعتبره مثله الأعلى ويخاف منه كثيراً.
* الطرق التربوية السليمة
للإضاءة على الطرق التربوية السليمة التي تحدِّد كيفية تعاطي الأهل مع مرحلة المراهقة، كان لنا حوار مع المتخصصة في العلوم التربوية والأستاذة المحاضرة في الجامعة اللبنانية (كلية التربية) الدكتورة نانسي الموسوي. ما هي أهم الأسباب والدوافع التي تقف وراء السلوكيات المختلفة التي يقوم بها المراهق (التمرد، العدوانية وغيرهما..)؟ إن كل المشاكل التي يمرّ بها المراهق تأتي تحت عنوان "جانب غير سويّ في التعبير" حيث لا يجد المراهق نفسه يتصرّف بالطريقة الصحيحة؛ عندها يفتش عن طرق أخرى ليختار ما يناسبه بحسب الوضع الذي يوجد فيه.
أولاً: هناك ما له علاقة بالجانب التكويني الجسدي والتغيرات الهرمونية التي تحدث للمراهق. ولكن ليس هذا هو السبب بحد ذاته، بدليل أن هناك أشخاصاً كثيرين يمرون بالمراهقة ولا يكون عندهم مشاكل بنسبة عالية. فالهرمونات قد تكون أحد الأسباب. وإذا تمّ فهم المراهق والتعاطي معه بطريقة صحيحة يمكن الوصول إلى مراهقة خالية من المشاكل بنسبة كبيرة.
ثانياً: إنَّ الأشخاص يختلفون بطرق تفكيرهم وخصائصهم، لذلك عندما يحاول الأهل وضع ضوابط معيّنة على المراهق فقد يسبب هذا الأمر حصول نزاعات بينه وبينهم.
ثالثاً: علاقة المراهق بأهله، وهي تبنى منذ الصغر. وفي المراهقة يستطيع الأهل إكمالها، وإذا وقفوا ضد احتياجات المراهق، فإنه سيواجههم بالتمرّد والعصبيّة، وإذا ما تم احترام حاجاته وقدراته ومساعدته ليستقل ويحقق ذاته بطريقة سويّة فلن يلجأ إلى طرق غير سوية.
رابعاً: يمكن أن يقف المجتمع ضد احتياجات المراهق أحياناً، والمقصود بالمجتمع في جزء كبير منه المدرسة. فالأستاذ المتفهِّم لهذه المرحلة ولخصوصيتها يساعد المراهق كثيراً على تحقيق ذاته بطرق صحيحة.
* ضرورة التربية منذ الصغر
- ما هي العلاقة بين سلوكيات المراهق وبين تربيته منذ الصغر؟
الشخصية التي يكوِّنها الأهل لطفلهم وهو صغير يحصلون عليها عندما يكبر، (شخصيّة مستقلة أو قياديّة أو خجولة أو قلقة). وإذا تربى الطفل على الاعتماد على أهله فلن يستطيع في المراهقة أن يستقلّ وينفطِم نفسياً عنهم، ولن تكون له ثقة في ذاته لتكون له شخصيّته الخاصة. أهم شيء احترام قدرات الطفل وتقبّله كما هو، وأن يقول له الأهل دائماً إنه جيّد وإنّهم يحبّونه كثيراً، ولا يجب مقارنته بأحد، فهذا كلّه يحطّم الطفل الذي سيصبح مراهقاً فيما بعد. إذا لم تكن الضوابط والقوانين موجودة في مرحلة الطفولة فسيكون لدينا أطفال متسلّطون ومدلّلون، وسيكونون مشكلة كبيرة جداً لأهلهم؛ لأنهم تعوّدوا على أن يحصلوا على كل شيء وأن يفعلوا ما يريدون، وسيكون عندهم فرص أكبر للجنوح في المراهقة.
- كيف تؤثر علاقة الأهل الإيجابية أو السلبية على المراهق؟
البيت هو المكان الأساس لتلبية الاحتياجات النفسيّة للأبناء ومنبعها الأب والأم. وإذا كانت هناك خلافات طوال الوقت سينشغل الأهل بأنفسهم ولن يستطيعوا تلبية احتياجات أبنائهم. كما أنَّ الجوّ المتوتر داخل المنزل لا يُشعر المراهق بالأمان الذي يحتاجه، حينها سيهرب ليفتش عن مكان آخر يمكن أن يكوّن فيه صحبة والتي تكون هكذا ظروف، على الأرجح، سيّئة فيمشي معها ويسير نحو الجنوح. يمكن أن يكون المراهق سبباً في المشاكل بين أهله كالخلاف مثلاً حول أسلوب تربيته. وإذا شعر بأنه السبب ستصعب الأمور أكثر. في المقابل، إن توفير الأجواء الايجابية والهادئة والاستقرار داخل المنزل يفترض أن يعطي سلوكاً إيجابياً للمراهق، فهو لديه طاقة يريد أن يصرفها وعنده حاجات فكريّة أيضاً، كما يجب تلبية احتياجاته الماديّة الخاصة من الثياب والأغراض وغيرها.
- هل يعرف المراهق الصواب من الخطأ؟ وهناك فرق بين أن لا يعرف المراهق الصحيح من الخطأ وبين أن لا يستطيع أن يحكم حكماً منطقياً وعقلانياً في أوقات معينة، فابن الخمس سنوات يعرف الصحيح من الخطأ فكيف بالمراهق؟
إن معرفة هذا الأمر له علاقة بالنمو العقلي. والمراهق عنده قدرة عالية، فنموه العقلي ومستوى ذكائه عاليان، لكن مشكلته أن خبرته قليلة، ولا يعرف عواقب أفعاله، لكن هذا لا يمنع أنه يفهم ويعرف جيداً حقوقه وواجباته.
- هل نراقب أبناءنا؟
كيف يمكن أن يراقب الأهل المراهق دون أن يشعر بذلك؟ وما هي حدودهم؟ يجب أن يمتلك الأهل وعياً عميقاً وأن ينتبهوا للإشارات في تصرفات المراهق، مثلاً: إذا كان يلبس ثياباً لم يشتروها له، أو يملك مصروفاً أكثر مما أعطوه، أو من خلال علاقته برفاقه عبر الاتصالات والرسائل الهاتفية. لكن ليس معنى هذا أن يتجسسوا عليه، إنما أن يكونوا متيقظين وأن يلاحظوا موعد نومه واستيقاظه وخروجه وعودته وإذا كان يكذب أم لا. كما أنّه إذا صاحب الأهل المراهق سيصلون معه إلى مرحلة يستطيعون من خلالها سؤاله عما يريدون، وحتى لو لم يصارحهم بكل شيء فهو يعرف أنهم موجودون ويهتمون لأمره. أما التفتيش في أغراض المراهق فهو أمر غير محبذ وهو إجراء قد يتخذه الأهل عندما يشعرون بأن هناك مشكلة كبيرة، كمعرفة إذا كان يدخن أو يتعاطى المخدرات مثلاً. وبالنسبة للإنترنت فمن اللازم أن يتمّ ضبط المواقع ومراقبتها. وإذا منع الأهل أبناءهم من الذهاب إلى محلات الإنترنت يجب أن يعطوهم بديلاً وإلا كأنهم لم يفعلوا شيئاً.
- هل يجب إحاطة المراهق بالأمور الجنسية من قبل الأهل؟ وما أهمية ذلك مع تزايد الخوف من وقوعه ضحية الجهل والمغريات الكثيرة هذه الأيام؟
التربية الجنسية مهمة جداً. وهي تبدأ منذ الصغر. وبين الطفولة والمراهقة تختلف الأسئلة الجنسية. وهذا ما يسمى بالتربية أو الثقافة الجنسية. وفي مجتمعاتنا هناك خلط كبير بين مفهومَي الثقافة والعلاقة الجنسية، فالثقافة ضرورية، والدين الإسلامي يدعو إلى عدم الخجل، ولكن ضمن الضوابط والمعايير الشرعية. إن كل مرحلة تفرض نفسها بنفسها. ومن الجيد إخبار المراهق بما هو بحاجة إلى معرفته فقط في كل مرة، كي يفهم ما يحصل، ويعرف كل ما له علاقة بالطهارة والنجاسة والاغتسال وغيرها من الأحكام الشرعية. ومن المهم جداً في المراهقة أن تربط العلاقة الجنسية بالجانب العاطفي، بحيث لا يكون بُعدها جسدياً فقط، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21). ولا بد للأهل من أن يتحدثوا مع المراهق عن ضوابط هذه العلاقة. لكن المشكلة أن بعضهم يخجل. عندها يمكن أن يلجأ المراهق إلى أن يرى ويسمع أموراً مبتذلة من هنا وهناك حينها لا يحق للأهل السؤال عن العواقب!
* كيف نحصّنهم؟
تبرز كيفية التعاطي مع المراهق من خلال الالتزام بالأمور الآتية:
كيف يجب أن يتعاطى الأهل مع مرحلة المراهقة؟ وكيف يحصّنون أبناءهم؟
أولاً: يستطيع الأهل تسهيل فرصة التواصل للمراهق مع أشخاص يعرفون قيَمهم ويعتبرونهم رفاقاً جيدين، كما أن اختيار المدرسة المناسبة التي تعكس معتقدات الأهل وأفكارهم وقيمهم أمر يخفّف عنهم الكثير.
ثانياً: يجب استثمار الطاقة الموجودة لدى المراهق بنشاطات عقلية أو جسدية، كالاشتراك في النوادي والكشافة، على أن يتيح الأهل له هذه الخيارات دون إجباره على شيء معين ويكونوا هم مقرّرين لها أصلاً.
ثالثاً: على قدر ما يبني الأهل علاقة إيجابية وعاطفية مع المراهق منذ الصغر ويبتعدون عن أسلوب الانتقاد والتسلط والوعظ والإرشاد، سيصلون إلى أن يستمع إليهم في عمر المراهقة.
رابعاً: لا بد من تحصين الجانب القِيَمي الديني عند المراهق منذ الصغر وتعليمه بطريقة النموذج الموجود أمامه الصحيح والخطأ، فإذا فعل خطأ ما فإنه سيحاسب نفسه تلقائياً ويعيد النظر بالأشياء.
خامساً: بالنسبة للعلاقة مع الله تعالى، فإنه من غير المسموح أن يزرع الأهل فكرة أن الله يعاقب ويضع في النار، بل إن الله يحبنا وهو رحمن رحيم....
سادساً: من الضروري أن يضع الأهل أنفسهم مكان المراهق ويروا وجهة نظره وكيف يفكر، ولا يتمسّكوا بوجهة نظرهم فقط. فالحوار مهم جداً ويجب أن يُلجأ إليه قبل مرحلة المراهقة.
سابعاً: احترام المراهق والابتعاد عن العقاب البدني المؤذي. كما أن هناك ما يسمى بـ"عواقب الأفعال" أي إذا فعل المراهق شيئاً فعاقبة فعله هي عقاب بحد ذاته.
ثامناً: استشارة متخصصين في حال لم يستطع الأهل السيطرة على المشكلة واستنزفوا كل الطرق. كما يمكن أن تكون المشكلة في الأهل أنفسهم وفي تعاطيهم بطريقة خاطئة مع المراهق.
تاسعاً: أن يتفق الأهل على نفس أسلوب موحّدٍ في التربية، ويبتعدوا عن "التذبذب" في المواقف. ويجب أن تكون هناك ضوابط وقواعد عامّة بمعزل عن حالتهم النفسيّة أو المزاجيّة.
عاشراً: من المهم جداً أن يقرأ الأهل عن كيفية تربية الطفل عندما يقررون الإنجاب، وهذا أمر يساعدهم كثيراً على سلوك السكّة الصحيحة.