فاطمة نصر الله(*)
تعتبر المراهقة مرحلة انتقالية في عمر الإنسان، تبدأ
بالبلوغ الذي يعدّ طريقاً بين الطفولة الأخيرة والشباب. وفي هذه المرحلة، تحدث
تغيّرات في شخصيّة المراهق من الناحية الجسميّة، والعقليّة، والانفعاليّة
والاجتماعيّة. فهو ينتقل من التفكير القائم على إدراك الملموس إلى التفكير الأعمق
في الأمور المعنويّة والفكريّة، وتزداد قدرته على النقد والتحليل وفهم الأمور،
وينتقل من مرحلة الاعتماد على غيره إلى الاعتماد على النفس والاكتفاء الذاتيّ،
ويتّسع نطاق علاقاته الاجتماعية.
* حاجات المراهق
بدايةً، المراهقة والبلوغ ليستا كلمتين مترادفتين، فالمراهقة تُطلق على مرحلة تبدأ
بالبلوغ وتستمرّ حتّى مرحلة النضج، ويقتصر معنى البلوغ على النموّ الفيزيولوجيّ
والجسديّ.
يسعى المراهق، دائماً، من خلال أفكاره وسلوكه إلى تحقيق بعض حاجاته الملحّة
والضرورية، لإعادة اتّزانه الجسميّ، والنفسيّ، والفكريّ والاجتماعيّ، لكنّه غالباً
ما يشعر بفقدان هذه الحاجات. ومعلوم من الناحية النفسية أنّ حاجات المراهق ودوافعه
تكون بمثابة الطاقة التي تدفعه نحو القيام بعمل أو سلوك ما، من أجل إشباع هذه
الحاجات أو اختزالها(1).
وتنبع هذه الحاجات من طبيعة التكوين العضويّ والجسميّ لدى المراهق، والتي تكون،
غالباً، قوية من حيث الإلحاح والتأثير، وهذه الحاجات تسعى إلى نموّ الجسم ونضجه،
وإلى تحقيق التوازن الوظيفيّ لديه.
* الحاجات النفسيّة والاجتماعيّة
الحاجات النفسيّة هي التي تعمل على تحقيق التوازن النفسيّ لدى المراهق، مثال:
الحاجة إلى الطمأنينة، وتقدير الذات، والحبّ، والحرية، والتنافس والتفوّق وغيرها.
أمّا الحاجات الاجتماعيّة فهي متعلّقة بالمجتمع، وبالبيئة المحيطة بالمراهق. وهي
حاجات تتأثّر بعمليّة الاكتساب والتعلّم، وتكون متغيّرة حسب المجتمعات والحضارات،
وتختلف حسب الأفراد. ورغم أنّ حاجات النوعين صعبة التحقيق، لكنّها تخدم الحاجات
العضوية، مثال: الحاجة إلى الاجتماع مع الغير وتكوين علاقات اجتماعية حسنة، وكذلك
الحاجة إلى القيام بالواجبات وتحمّل المسؤولية تجاه الآخر، وغير ذلك.
* الحاجات دونها عقبات
إنّ فشل المراهق في إشباع الحاجات يؤدّي به إلى نوع من الصدّ والإحباط أو الحرمان،
وذلك أثناء سعيه لإشباعها بسبب وجود عقبات أو صعوبات، قد تحول دون قدرته على تحقيق
ذلك. وهذه العقبات منها ما هو شخصيّ، اقتصاديّ، أسريّ أو تربويّ أو مهنيّ أو جنسيّ
أو عضويّ... إلخ. ويمكن، بشكل عامّ، تصنيف هذه العقبات إلى نوعين هما: عقبات ذاتية،
ترجع إلى الفرد المراهق نفسه، وعقبات بيئيّة، ترجع إلى عوامل البيئة الأسرية أو
الاجتماعية.
أولاً: العقبات الذاتية
1. الإصابة بمرض: وقد يكون عاهة جسمية أو مرضاً نفسيّاً أو عقليّاً. ولا شكّ في أنّ
المرض إذا اشتدّ وطال أمده، فإنّه يحول بين المراهق وبين تحقيق حاجاته وطموحاته.
2. الضعف على مستوى القدرة العقليّة العامّة (الذكاء): هذا الضعف العقليّ يمكن أن
يكون سبباً في سوء تكيُّفه، وفي نشوء مشاكل عدّة.
3. سوء فَهم المراهق لذاته ولقدراته: كثيراً ما يكون انعدام قدرته على فهم ذاته
وإمكانيّاته، السبب في مشاكله واضطرابه، والسبب أيضاً في فشله لإشباع حاجاته.
4. عدم وضوح الأهداف أمامه: وهي التي يسعى المراهق إلى تحقيقها. وكذلك عدم القدرة
على التخطيط لبلوغ الأهداف بصورة موضوعيّة، وصحيحة.
5. وجود بعض العادات السيئة: وسيطرة بعض العُقد النفسية والمشاعر لديه؛ مضافاً إلى
رواسب التفكير الخرافيّ.
ثانياً: العقبات البيئية
1. المعاملة الأسرية السيئة والاتّجاهات الوالدية في التربية: إنّ الأسرة بما فيها
من عادات وقيم وتقاليد وثقافة، لا تقلّ أهميّة عن العوامل الوراثيّة والفسيولوجيّة
التي تؤثّر في تشكيل شخصيّة المراهق.
2. جهل الوالدين وعدم كفاية الدخل المادّيّ: إنّ جهل الوالدين وضعف مستواهما
الثقافيّ والمعرفيّ، والعجز المادي عن تأمين الضروريات الحياتية، والخلافات
الزوجية... قد يمثّل عقبات أمام تحقيق حاجات المراهق وأهدافه.
3. سوء البيئة المدرسية: إنّ البيئة المدرسيّة بما فيها من وسائل ونظم وسلطة،
يمكنها أن تكون عاملاً مساعداً أو عائقاً أمام التكيّف النفسيّ لدى المراهق.
هنا، يتحتّم على الوالدين والمربّين أولاً أن يدركوا أنّ هذه المرحلة هي الوقت
الحقيقيّ المناسب لجهدهم الواعي والمكثّف، والعمل المتواصل للتربية الدينية، وتكوين
الاتجاهات لديهم، ووقايتهم من الانحراف بكلّ أشكاله.
يمكننا القول، إنه إذا قام الوالدان بدورهما، وعرفا السبل والأساليب التي من شأنها
أن تعينهما على التربية السليمة فإنّها تكفل للأبناء حياةً ناجحةً ومستقرةً وتكون
الحضن الاجتماعيّ الذي تنمو فيه بذور الشخصيّة، كما إنّها تقوم بتربيتهم وإعدادهم
أخلاقياً واجتماعياً حيث تتولّى تعليمهم، وتوجيههم في ممارسة السلوك الاجتماعيّ
القويم.
* دور المؤسسات دعم للأهل
وذلك بأن تقوم مؤسّسات المجتمع المدنيّ بما عليها من دور تثقيفيّ وتوعويّ تجاه
الأهال، ولا سيّما المؤسّسات ذات الطابع الاجتماعيّ والتربويّ، كالبلديات
والجمعيّات الأهليّة، والمراكز الدينية، والثقافيّة وغيرها.
كما إنّ المؤسسات الإعلاميّة، باعتبارها الأكثر تأثيراً على الناس، مقارنة بمؤسّسات
المجتمع الأخرى، فإنّ الدور المناط بها يعتبر من الأدوار المهمّة والخطيرة، في آن
واحد.
هنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه على وسائل الإعلام التدقيق في الموادّ التي تقدّم
للشباب. وفي إطار آخر، لا بدّ للوالدين من العمل على تثقيف وإرشاد الأبناء من أجل
اختيار البرامج التي تتناسب مع المنظومة القيمية التي ينتسبون إليها.
أخيراً، يمكننا القول إنّ المسؤولية تجاه المراهقين تبدأ بالوالدين، لكنّها لا
تنتهي إلاّ بتظافر الجهود التي لا بد من أن تتناسق فيما بينها من أجل مساعدة هذه
الفئة من الأبناء على تشكيل ملامح شخصيّاتهم التي نأمل أن تكون هي أداة التغيير
والتأثير في مستقبل الأمّة.
(*) ماجستير في الإدارة التربوية.
1- مشكلات المراهقة والشباب في الوطن العربي، خير الزراد محمد فيصل، ص25.22.