مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قدوة العالم والمتعلِّم

الشيخ اسماعيل حريري



قال تعالى:
﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ (آل عمران: 187) وقال تعالى حكاية عن موسى والخضر عليهما السلام: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا... إلى قوله تعالى: ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (الكهف: 66-69) الآية الأولى من مجموعة آيات تحثّ وتأمر بنشر العلم وعدم كتمانه وطلب المعلّم الذي يستفيد منه الإنسان ما لم يستفده من غيره كما في الآية الثانية وبهذا المضمون وردت جملة من الروايات منها: ما روي عن النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك الله به طريقاً إلى الجنة"(1). وعنه صلى الله عليه وآله: "من الصدقة أن يتعلّم الرجل العلم ويعلّمه النَّاس"(2). وقد قال الشهيد الثاني{ في منية المريد: "اعلم أنّ التعليم هو الأصل الذي به قوام الدين، وبه يُؤْمَن انمحاق العلم، فهو من أهمِّ العبادات وآكَدِ فروض الكفايات"(3). ولهذا ورد الأمر للنّاس في رواية عن أبي عبد الله عليه السلام: "اغدُ عالماً أو متعلّماً أو أحبَّ أهل العلم، ولا تكن رابعاً فتهلك ببغضهم"(4).

1 المعلّم:
المعلّم هو ذلك الإنسان الذي يحوز علماً من أهله فيعلّمه للنَّاس لينتفعوا به من دنياهم لأخراهم. ومن الطبيعيِّ أنّ المعلّم لا يكون من أُوتي علماً فحبسه عن النّاس فهذا يُلجم يوم القيامة بلجام من نار، في حين أن المعلم الحقيقي يستغفر له حيتان البحر، ودوابّ البرّ والطير في جوّ السّماء، ويقدم على الله سيّداً شريفاً حتّى يوافق المرسلين كما في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله. رسول الله صلى الله عليه وآله المعلّم النموذجي وإذا أردنا أن نذكر نموذجاً رائعاً يُحتذى به على مستوى المعلِّم، فَمَنْ أفضل من الأنبياء عليهم السلام وفي مقدّمتهم نبيّ الرحمة محمد صلى الله عليه وآله؟ وقد أحسن الشاعر أحمد شوقي في قصيدته التي نظمها في حق المعلّم والتي مطلعها:
 

قم للمعلّم وفّه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

أعلمت أشرف أو أجلّ من الذي‏

يبني وينشئ أنفساً وعقولاً


إلى أن يقول:
 

أرسلت بالتوراة موسى مرشداً

وابن البتول فعلَّم الإنجيلا

وفجّرت ينبوع البيان محمداً

فسقى الحديث وناول التنزيلا



ومن صفات المعلّم النموذجيّ الرفق بالمتعلّم والعمل قبله بما يعلّمه إياه ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أرفق وأوفق معلّم في التاريخ، وقد قال الله تعالى في حقّه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(الجمعة: 2). وقد ذكر الشهيد الثاني قدس سره في منية المريد شاهداً على ذلك وهو إرشاد رسول الله صلى الله عليه وآله وتلطّفه بالنّاس، وأشار في ذلك إلى ما فعله النبيّ صلى الله عليه وآله مع شخصٍ تكلّم في الصّلاة فرماه النّاس بأبصارهم، فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وآله صلاته قال للرجل: "إنّما الصلاة لقراءة القرآن وذكر الله جلّ وعزّ، فإذا كنت فيها فليكن ذلك شأنك"، فقال الرجل: "ما رأيت معلّماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وآله"(5).

وقد رُوي عنه صلى الله عليه وآله أنّه قال: "علّموا ولا تعنّفوا، فإنّ المعلّم خيرٌ من المعنّف"(6). وكم كان يأسف عندما يبيّن لبعضهم فلا يقبل منه ويُعرض عنه فخاطبه الله تعالى: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ(فاطر: 8). وأمّا طريقته في التعليم فقد كان إذا سُئِل أجاب، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "كنت إذا سألته أجابني، وإذا سكتّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني"(7). بل كان صلى الله عليه وآله يسألهم ليجيبوا ثمَّ يعلّمهم الجواب الصحيح، ومن ذلك أنَّه صلى الله عليه وآله سألهم مرّة: أيّ عرى الإيمان أوثق؟ فقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد. فقال صلى الله عليه وآله: "لكلّ ما قلتم فضلٌ وليس به، ولكن أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله، وتولّي أولياء الله والتبرّؤ من أعداء الله"(8).

2 المتعلّم:
المتعلّم هو الإنسان الذي يتلقّى العلم من غيره ويشتغل في تحصيل العلوم النافعة، والعاقل هو من يسعى إلى التعلّم بلا خجل ولا حرج، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من لم يصبر على ذُلّ التعلّم ساعة بقي في ذلّ الجهل أبداً"(9). وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يستحينَّ أحدٌ إذا لم يعلم الشي‏ء أن يتعلّمه"(10). وكما كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو نموذج المعلّم الأمثل، فالإمام عليٌّ عليه السلام هو نموذج المتعلّم الأمثل، وقد كان ملاصقاً لرسول الله صلى الله عليه وآله يستقي من علمه الربّاني، وفي ذلك يقول عليه السلام: "ولقد كنت أتّبعه إتباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كلِّ يوم من أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالإقتداء به"(11). ومن صفات المتعلّم النموذجيّ المهمّة والتي يتحتّم عليه التزامها هو التأدّب مع معلّمه وتعظيمه، وقد ذكر الشهيد الثاني{ اثنتي عشرة فائدة من فوائد الأدب دلّت عليها آية كليم الله موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام عندما قال: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(الكهف: 66)(12).

وهذا ما التزمه أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، بل وكان يأمر به كلَّ متعلّم مع معلّمه فقد ورد عنه عليه السلام أنه قال: "إنّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه، وإذا دخلت عليه وعنده قومٌ فسلّم عليهم جميعاً وخصّه بالتحيّة دونهم، واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه، ولا تغمز بعينك، ولا تشر بيدك، ولا تكثر من القول: قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله، ولا تضجر بطول صحبته فإنّما العالم مثل النخلة تنتظرها حتى يسقط عليك منها شي‏ء، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله"(13).  وقد كان عليه السلام يكثر من قول علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله أو هذا ممّا علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله(14). ولشدّة احترامه عليه السلام وتقديره وتعظيمه لمعلّمه أُثر عنه أنه قال: "من علّمني حرفاً فقد صيّرني عبداً"(15).

المعلّم والمتعلم
وبناء عليه نقول:

إنّ من أراد أن يكون معلّماً نموذجياً، يؤدّي واجبه اتجاه من يعلّمه يجب عليه أن يقتدي بالمعلّم الأمثل رسول الله صلى الله عليه وآله. ومن أراد أن يتعلّم ويحوز ثواب المتعلّم وفضله، ورعاية الله تعالى وعونه عليه أن يقتدي بأمير المؤمنين عليه السلام فإنّه كان طوع أمر معلّمه يأتمر بأمره وينتهي عن نهيه، لا يخالف له قولاً ولا يردّ له رأياً، ويتعامل معه معاملة العبد مع سيده. فإذا التقى هكذا معلّم بهكذا متعلّم نجح الإثنان في دورهما، وسلكا طريق النجاة والفلاح والفوز المحتّم في الدارين. قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(المجادلة: 11).


1- ميزان الحكمة، ج‏7، ص‏2749، ح‏13780 عن أمالي الصدوق.
2- عدّة الداعي، ابن فهد الحلي، ص63.
3- منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، ص‏177.
4- الكافي، ج‏1، ص‏34، ح‏3.
5- سنن أبي داود، ج‏1، ص‏245، ح‏931.
6- كنز العمّال، ج‏10، ص‏241، ح‏29331.
7- الكافي، ج‏1، ص‏64.
8- الكافي، ج‏2، ص‏125، ح‏6.
9- ميزان الحكمة، ج‏7، ص‏2756، ح‏13838، عن عوالي اللآلي.
10- المصدر السابق، ح‏13839، عن نهج البلاغة.
11- نهج البلاغة (شرح محمد عبده)، ج2، ص157.
12- منية المريد، ص‏235.
13- الكافي، ج‏1، ص‏37، ح‏1.
14- المصدر السابق، ج‏3، ص‏343، ح‏6، وص‏458، ح‏2.
15- جامع السعادات، ج‏3، ص‏112.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع