مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

زيارتهم مودةٌ في القربى

الشيخ علي أحمد سليم(*)


تمثّل زيارة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام - في حياتهم وبعد وفاتهم واستشهادهم من قريب أو بعيد - تعبيراً قوليّاً وفعليّاً صادقاً عن المودّة في القربى ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ(الشورى: 23). وهي وسيلة مسنونة ناجعة للتقرّب إلى الله تعالى، وقبول التوبة ومغفرة الذنوب، وقضاء حوائج الدنيا والآخرة بشفاعتهم؛ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء: 64).

*كان حقاً عليَّ زيارته
ويستفاد ذلك من روايات عدّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم منها:

عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال الحسين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما جزاء من زارك؟ فقال: يا بنيّ من زارني حيّاً أو ميتاً أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك، كان حقاً عليّ أن أزوره يوم القيامة حتّى أخلّصه من ذنوبه"(1).

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني أو زار أحداً من ذريّتي زرته يوم القيامة فأنقذته من أهوالها"(2).

كما تُعتبر الزيارة من تمام الوفاء بالعهد المعهود والميثاق المأخوذ على المؤمنين بولاية الأئمّة المعصومين عليهم السلام؛ إذ روي عن الإمام الرضا عليه السلام قوله: "إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً لما رغّبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة"(3).

هذا المقال سيتناول الزيارة من جهات عدّة:
1. مكانها.
2. زمانها.
3. فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام وخصوصيتها.
4. آداب زيارة الإمام الحسين عليه السلام.

*أفضل الأماكن للزيارة

1. الزيارة عن قرب:

المكان الأفضل والأنسب للزيارة هو بيت المعصوم عليه السلام أو ضريحه الشريف ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال (النور: 36). فمقامات المعصومين عليهم السلام هي محضر الأنبياء والأولياء، ومهبط الملائكة، وأقدس بقاع الأرض، ومحالّ ذكر الله، ومواطن استجابة الدعاء، وقضاء الحوائج وتحقّق الكرامات والمعاجز.

فعن داود الرقّيّ قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "ما خلق الله خلقاً أكثر من الملائكة، وإنّه ينزل من السماء كلّ مساء سبعون ألف ملك، يطوفون بالبيت الحرام ليلتهم، حتّى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيسلّمون عليه، ثم يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السلام فيسلّمون عليه، ثم يأتون قبر الحسين عليه السلام فيسلّمون عليه، ثمّ تنزل ملائكة النهار..."(4).

وورد في الروايات أنّ الملائكة تدعو لزوّار الإمام الحسين عليه السلام وتستغفر لهم، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "لا تدع زيارة الحسين عليه السلام، أما تحبّ أن تكون فيمن تدعو له الملائكة... من ترك زيارته رأى من الحسرة ما يتمنّى أن قبره كان عنده، أما تحبّ أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ وفاطمة والأئمّة عليهم السلام"(5).

2. الزيارة عن بُعد:

من لم يتمكّن من الزيارة عن قُرب فلا يتركها عن بُعد، فإنّ السلام يصل إليهم من قريب أو بعيد؛ فقد رويَ عنِ الإمام الصادق عليه السلام: "إِذَا بَعُدَتْ بِأَحَدِكُمُ الشُّقَّةُ ونَأَتْ بِه الدَّارُ فَلْيَعْلُ أَعْلَى مَنْزِلِه ولْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ولْيُومِ بِالسَّلَامِ إِلَى قُبُورِنَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إِلَيْنَا"(6).

وعن حنان بن سدير، عن أبيه، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام: "يا سدير تزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ يوم؟ قلت: جعلت فداك لا، قال: ما أجفاكم! أفتزوره في كلّ شهر؟ قلت: لا، قال: فتزوره في كلّ سنة؟ قلت: يكون ذلك، قال: يا سدير ما أجفاكم بالحسين عليه السلام! أما علمت أنّ لله ألف ألف ملك شُعثاً غُبراً يبكون ويزورون لا يفترون؟ وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ جمعة خمس مرات وفي كلّ يوم مرة؟ قلت: جعلت فداك إنّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة، فقال: تصعد فوق سطحك ثم تلتفت يُمنة ويُسرة، ثم ترفع رأسك إلى السماء، ثم تتحرّى نحو قبر الحسين عليه السلام، ثم تقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته. يكتب لك زورة، والزورة حَجّة وعُمرة"(7).

*أفضل الأوقات للزيارة
روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام قد سئل عن زيارة الإمام الحُسَين عليه السلام هل لها وقت أفضل من غيره؟ قال: "زوروه في كلّ زمان فإنّ زيارته خيرٌ مقرَّر، من أكثر منها كثُر نصيبه من الخير، ومن أقلّ منها قلّ نصيبه منه"(8).

وقد ذكر العلماء في كتب الأدعية والأعمال، كالإقبال وكامل الزيارات ومفاتيح الجنان وغيرها، تفصيلاً للأوقات الشريفة التي تستحبّ فيها الزيارة. أمّا زيارة الحسين عليه السلام فعلى مدار السنة: أول رجب ونصفه، الثالث من شعبان ونصفه، أول شهر رمضان، ليالي القدر، عيدا الفطر والأضحى، يوم عرفة، يوم عاشوراء، ويوم الأربعين.

ولا ينبغي الفصل طويلاً بين الزيارة والزيارة حتّى لا يحصل الجفاء، فقد روي عن صفوان الجمّال وقد سأل الإمام أبا عبد الله عليه السلام: "ومَن يأتيه زائراً ثمّ ينصرف عنه متى يعود إليه؟ وفي كم يُؤتى؟ وكم يوماً؟ وكم يَسَع الناس تركه؟ قال: لا يسَع أكثر من شهر، وأمّا بعيد الدار ففي كلّ ثلاث سنين، فما جاز الثلاث سنين فلم يأتِه فقد عقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقطع حرمته إلّا عن علّة"(9).

*خصوصية زيارة الحسين عليه السلام
إنّ فضل زيارة الحسين عليه السلام ممّا لا يبلغه البيان، وتذكر روايات كثيرة أنّها تعدل الحجّ والعمرة والجهاد، بل هي أفضل بدرجات، حيث تورث المغفرة وتخفيف الحساب وإجابة الدعوات، وتركها يوجب نقصاً في الدين؛ لترك حقّ عظيم من حقوق النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وحسبنا هنا رواية واحدة معتبرة عن الثّقة الجليل معاوية بن وهب البجليّ الكوفيّ، قال: دخلت على الصادق عليه السلام وهو في مصلّاه فجلستُ حتّى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: "يا مَنْ خَصَّنا بِالكَرامَةِ وَوَعَدَنا الشَّفاعَةَ وَحَمَّلَنا الرِّسالَةَ وَجَعَلَنا وَرَثَةَ الأَنْبِياءِ وَخَتَمَ بِنا الأُمَمَ السَّالِفَةَ وَخَصَّنا بِالوَصِيَّةِ وَأَعْطانا عِلْمَ ما مَضى وَعِلْمَ ما بَقِيَ وَجَعَلَ أفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنا، اغْفِرْ لِي ولإخْوانِي وَزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي [عبد الله] الحُسِين بْن عَلِيّ صَلَواتُ الله عَلَيْهِما، الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوالَهُمْ وَأَشْخَصُوا أَبْدانَهُمْ، رَغْبَةً فِي بِرِّنا، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ فِي صِلَتِنا وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَإِجابَةً مِنْهُمْ لأمْرِنا وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا..." (10).

*آداب زيارة الإمام الحسين عليه السلام
ذكر المحدث الشيخ عبّاس القمّي في مفاتيح الجنان 28 أدباً لزيارة المعصومين عليهم السلام، لا يتّسع المقام لذكرها(11)، وقد ذكر 20 أدباً لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، نوجزها في ثلاثة عشر أدباً، وهي(12):

1. صوم ثلاثة أيام فالغسل والدعاء قبل الخروج للزيارة.

2. استشعار الحزن والبكاء والرثاء في الطريق وفي كربلاء.

3. عدم تطييب الزاد بترك أكل اللحم والحلوى.

4. التواضع والتذلّل والتخشّع والمشي حافياً.

5. إعانة الزوار وخدمتهم.

6. حسن الصحبة وقلّة الكلام وكثرة ذكر الله والصلاة على محمد وآله.

7. دخول الحائر من الباب الشرقيّ.

8. الوقوف على باب الروضة والاستئذان، فالسلام عليه بالمرويّ ثمّ التبرّك بقبره الشريف.

9. تسبيح علي وفاطمة عليهما السلام وصلاة ركعتين عند رأسه بـ "الرحمن والمُلك" أو "يس والرحمن".

10. صلاة الفرائض والنوافل عند قبره، فقد روي أنّ الفريضة عنده تعدل الحجّ، والنافلة تعدل العمرة.

11. الدعاء تحت قبته فهو مستجاب، ولا سيّما الوارد بعد الزيارة ودعاء المظلوم على الظالم ودعاء قضاء الحاجة والاستخارة.

12. الصلاة عليه بالمرويّ "اللهم صلِّ على الحسين المظلوم...".

13. وداعه بالانكباب على ضريحه وتقبيله، والسلام على الإمام عليه السلام.


(*) خادم المنبر الحسيني.
1- من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج2، ص345.
2- الكافي، الكليني،ج4، ص548.
3- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج14، ص331.
4- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص96
5- بحار الأنوار، المجلسي، ج98، ص54.
6- الكافي، (م.س)، ج4، ص587.
7- كامل الزيارات، ابن قولويه القمّي، ص481.
8- مفاتيح الجنان، الشيخ عبّاس القمّي، ص684.
9- وسائل الشيعة، (م.س)، ج14، ص534.
10- مفاتيح الجنان، (م.س)، ص606.
11- يراجع: (م.ن)، ص470.
12- (م.ن)، ص621.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع