نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: آداب القـيـام في الصلاة(2)(*)


يا أسفاه علينا، نحن أهل الغفلة وسكر الطبيعة والمغرورين بالآمال، خلفاء الشيطان الخبيث في جميع الأمور، ولا نستيقظ أبداً من النوم الثقيل، ولا نخرج عن النسيان الكثير. وإنّ استفادتنا من مقامات أئمّة الهدى ومعارفهم قليلة، بل ولا شيء يذكر أصلاً. واكتفينا من تاريخ حياتهم بالقشر والصورة، وصرفنا النظر بالكليّة عمّا هو غاية لبعثة الأنبياء عليهم السلام. وفي الحقيقة ينطبق علينا المثل المعروف: (استسمن ذا ورم)(1).

•شواهد على حقيقة العبادات
عن محمّد بن يعقوب بإسناده عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتّى يرفضّ (يسيل) عرقاً"(2). وبإسناده عنه عليه السلام قال: "كان أبي يقول: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة، لا يتحرّك منه شيء إلّا ما حرّكت الريح منه"(3).

وعن مولانا زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "وأمّا حقُّ الصلاة، فأن تعلم أنّها وفادة إلى الله، وأنّك فيها قائم بين يدي الله، فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام العبد الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي المسكين المتضرّع، المعظّم من قام بين يديه بالسكينة والوقار وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بك خطيئتك واستهلكتها ذنوبك، ولا قوّة إلّا بالله"(4).

•مناجاة الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
تفكّر في حالات عليّ بن الحسين ومناجاته مع الحقّ تعالى، وأدعيته اللطيفة التي تعلّم آداب العبوديّة لعباد الله تعالى. لا أقول إنّ مناجاتهم عليهم السلام كانت لتعليم العباد، فإنّ هذا الكلام بلا مغزى وباطل صادر من الجهل لمقام الربوبيّة، ومعارف أهل البيت؛ فإنّ خوفهم وخشيتهم كانا أكثر من جميع الناس، وقد تجلّت عظمة الحقّ وجلاله في قلوبهم أكثر من الكلّ، ولكنّي أقول: لا بدّ أن يتعلّم عباد الله منهم كيفيّة العبوديّة والسلوك إلى الله تعالى، فإذا قرؤوا أدعيتهم ومناجاتهم فلا تكون القراءة لقلقة لسان، بل يتفكّرون في كيفيّة تعاملهم مع الحقّ وإظهارهم التذلّل والعجز والحاجة للذات المقدّسة.

ولعمر الحبيب، إنّ عليّ بن الحسين من أعظم النعم التي منَّ بها ذات الحقّ المقدّسة على عباده، وأنزله من عالم القرب والقدس لأجل تفهيم عباده طرق العبوديّة، ولتسألنّ يومئذٍ عن النعيم.. وإذا سُئلنا لماذا لم نقدّر هذه النعمة، ولم نستفد من هذا الرجل العظيم؟ فلا نحير جواباً، غير أن ننكّس رؤوسنا، ونحترق بنار الندامة والأسف، ولا ينفع حينذاك الندم.

•اكتشف الحياة الحقيقيّة
فيا أيّها العزيز، الآن لك الفرصة والعمر العزيز الذي هو رأس مالك بيدك، وطريق السلوك إلى الله مفتوح، وأبواب رحمة الحقّ مفتوحة، والسلامة وقوّة الأعضاء والقوى مستقرّة، ودار زرع عالم الملك قائمة، فاصرف همّتك، واعرف قدر هذه النعم الإلهيّة، واستفد منها، وحصّل الكمالات الروحانيّة والسعادات الأزليّة والأبديّة، وخذ نصيباً من هذه المعارف الكثيرة التي بسطها القرآن الشريف السماويّ وأهل بيت العصمة عليهم السلام على بسيطة أرض الطبيعة المظلمة، ونوّر بنور الحقّ تعالى بصرك وسمعك ولسانك وسائر القوى الظاهرة والباطنة، وبدّل هذه الأرض الظلمانيّة إلى أرض نورانيّة، بل إلى سماء عقلانيّة: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ (إبراهيم: 48). وإن لم تفعل ذلك، فلك ظلمات ومشقّات وأنواع من الوحشة والظلمة والذلّة والعذاب.

•النتيجة المطلوبة من العبادات
إنّ النتيجة المطلوبة من العبادات هي تحصيل المعارف، وتمكين التوحيد وسائر المعارف في القلب. وهذا المقصد لا يحصل إلّا بأن يستوفي السالك الحظوظ القلبيّة للعبادات، ويعبر من الصورة والقالب إلى الحقيقة واللبّ، ولا يتوقّف في الدنيا والقشر؛ فإنّ الوقوف في هذه الأمور أشواك في طريق سلوك الإنسانيّة.

•حذارِ من قطّاع الطرق
الذين يدعون إلى الصورة فقط، وينهون الناس عن الآداب الباطنيّة، ويقولون إنّه لا معنى للشريعة ولا حقيقة لها سوى هذه الصورة والقشرة، هم شياطين الطريق إلى الله، وأشواك سبيل الإنسانيّة، ولا بدّ أن يُستعاذ من شرّهم إلى الله، فإنّهم يطفئون للإنسان نور فطرة الله الذي هو نور المعرفة والتوحيد والولاية وسائر المعارف، ويسدلون عليه حجب التقليد والجهالة والعادات والأوهام، ويمنعون عباد الله عن العكوف بجنابه والوصول إلى جماله الجميل، ويسدّون طريق المعارف، ويوجّهون إلى الدنيا وزخارفها والجهات المادية والجسمانيّة.

إنّ هدفنا الأساسيّ هو توجيه قلوب عباد الله لما خلقوا له، وهو معرفة الله سبحانه، التي هي فوق جميع السعادات، وليس شيء مقدّماً عليها. نعوذ بالله من شرّ طغيان القلم والنيّة الفاسدة، والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.


(*) من كتاب: الآداب المعنويّة للصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، الباب الثاني، الفصل الثاني، القيام.
1.يقول العرب هذه العبارة للتهوين من شأن من يُمدح وهو لا يستحقّ ذلك.
2.الكافي، الكلينيّ، ج3، ص300.
3.(م.ن).
4.تحف العقول، الحرّانيّ، ص258.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع